زيادة البدانة: هل يمكننا عكس هذا الاتجاه القاتل؟

Share your love

تزداد البدانة في العديد من البلدان، ولكن حتى الآن لم يتمكّن أي منها من وقف هذا الاتجاه أو عكس اتجاهه.ولا تزال الولايات المتّحدة تحتفظ بالتمييز المشكوك فيه باعتبارها أكثر البلدان وزناً في العالم.

ولكن البدانة مشكلة متنامية بالنسبة لكثير من الدول الأخرى أيضاً. وقال كينيث ثورب Kenneth Thorpe، رئيس مجلس إدارة الشراكة لمكافحة الأمراض المزمنة، وأستاذ السياسة الصحيّة والإدارة في جامعة إيموري في جورجيا: “منذ عام 1975، تضاعف انتشار السمنة في جميع أنحاء العالم ثلاث مرات تقريبا”.

وأضاف “إنّها أيضاً السبب الرئيسي للوفاة التي يمكن تجنّبها”، مضيفاً “لأنّ السمنة تؤدّي إلى مرض السكري ومرض القلب والشرايين والسكتة الدماغيّة وغيرها من الأمراض”.

يمثّل هذا الاتجاه تحولاً كبيراً منذ 20 عاماً، عندما كان نقص التغذية في البلدان النامية مصدر قلق رئيسي لمنظمات المعونة.إلّا أنّ معظم سكان العالم يعيشون الآن في بلدان تؤدّي فيها السمنة وزيادة الوزن إلى وفاة عدد أكبر من الأشخاص ذوي الوزن المنخفض، وفقاً لمنظّمة الصحّة العالميّة.

ارتفاع السمنة يعد مشكلة خاصّة بين الأطفال والمراهقين

ووجدت دراسة جديدة نشرت في 10 أكتوبر في مجلة لانسيت أنّ عدد الأطفال والمراهقين الذين يعانون من السمنة المفرطة كان أعلى 10 مرات في عام 2016 مما كان عليه في عام 1975 -124 مليون مقارنة مع 11 مليون نسمة.وكان لجزر كوك وناورو وجزر المحيط الهادئ الأخرى أعلى معدلات السمنة في عام 2016 -أكثر من 30% من شبابهم يعانون من السمنة المفرطة.

وكانت أعلى معدّلات السمنة التالية بين الشباب في الولايات المتّحدة، وبعض بلدان منطقة البحر الكاريبي، والشرق الأوسط -أكثر من 20% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و19، يعانون من السمنة المفرطة.

في الولايات المتّحدة، لا يظهر وباء السمنة أي علامة على التباطؤ، وفقاً للمركز الوطني للإحصاءات الصحيّة -على الرغم من الجهود الحكوميّة لاحتوائه.في عام 2016، ما يقرب من 40% من البالغين في الولايات المتّحدة و19% من الشباب يعانون من السمنة المفرطة، وفقاً للتقرير.كما ارتفعت نسبة البدانة لدى البالغين في الولايات المتّحدة بنسبة 30% منذ عام 1999، وارتفعت السمنة لدى الشباب بنسبة 33% خلال تلك الفترة. 

العوامل المعقّدة وراء السمنة

التفسير البسيط للارتفاع العالمي في السمنة هو أنّ الناس يأكلون الكثير من السعرات الحراريّة العالية، والأطعمة الغنيّة بالدهون، وقليلو النشاط البدني. وغالباً ما تكون الأطعمة التي تتم معالجتها بدرجة عالية -مع إضافة السكر والملح والمكوّنات الصناعيّة -أرخص وأسهل في الشحن، ولها فترة صلاحيّة أطول من الأطعمة الطازجة. ونتيجة لذلك، بدأت هذه الأطعمة تحل محل النظم الغذائيّة التقليديّة القائمة على الأغذية الكاملة، حتى في البلدان التي كانت تكافح من أجل إطعام سكانها.

وقال الدكتور بروس لي Dr. Bruce Lee، المدير التنفيذي لمركز الوقاية من السمنة العالميّة في جونز هوبكنز، “في بعض البلدان ذات الدخل المنخفض والكثافة السكانيّة المحدودة، من الأسهل على الناس الحصول على الأغذية المصنّعة، بدلاً من الفواكه والخضار”.

لكنّ الزيادة في السمنة ليست نقيض لنقص التغذية. يمكن أن تجد الاثنتان في نفس البلد، الحي، وحتى الأسرة.وقال لي: ” هذا الوضع المتناقض يتطوّر، حيث يمكن أن تجد مزيج من نقص التغذية وارتفاع وزن الجسم”.

وقد قدر باحثو دراسة لانسيت أن 192 مليون شاب عانوا من نقص الوزن بشكل معتدل أو شديد في عام 2016. في المتوسّط، أصبح الناس أقل نشاطاً بكثير مما كانوا عليه. وقد حدث هذا التحوّل بالترافق مع مع زيادة التحضّر والتغيّرات في البيئة المبنيّة.”إن بيئتك تساعد حقاً على التحكّم فيما تقوم به كل يوم”.

كتب مؤلّفون مقال نشر في وقت سابق من هذا العام في مجلّة نيو انغلاند للطب، إنّ التباطؤ في النشاط البدني والتغيّرات في البيئة المحيطة “سبقت الزيادة العالميّة في السمنة وقلّلت احتمال أن تكون مساهماً رئيسيّاً”.

وهناك أيضاً “أدلّة تشير إلى أنّ أشياء مثل التلوّث وزيادة المواد الكيميائيّة في بيئتنا قد يغيّر استقلاب الناس ومقاومتهم للجراثيم”.وتبيّن البحوث أنّ مقاومتنا للجراثيم يمكن أن يؤثّر على العديد من جوانب صحّتنا، بما في ذلك وزننا.

في دراسة أخرى، نشرت في وقت سابق من هذا العام في مجلّة السكري، وجد الباحثون أن تلوّث الهواء يمكن أن يسهم في تطوّر السمنة والنوع 2 من مرض السكّري لدى الأطفال.

قد تؤثّر الأدوية أيضاً على عمليّة التمثيل الغذائي. وقال لي”لقد أظهرت بعض الدراسات أنّ الأطفال الذين يتناولون أدوية اضطراب فرط الحركة والنشاط أو الجرعات المتكرّرة من المضادات الحيويّة هم أكثر عرضة لزيادة الوزن من باقي الأطفال في وقت لاحق”.غير أنّ هناك حاجة إلى إجراء المزيد من البحوث، لكي نفهم تماماً كيف تسهم هذه العوامل في السمنة في جميع أنحاء العالم.

عكس حالة تزايد السمنة

وحتى الآن، لم يتمكّن أي بلد من عكس اتجاه معدّلات السمنة المتزايدة، بما في ذلك الولايات المتحدة التي تحاربها منذ سنوات.

قد يكون أحد أسباب الصعوبة هو أنّ المشكلة تتطلّب نهجاً مختلفاً عن استخدام دواء لعلاج المرض.وقال ثوربThorpe لصحيفة “هيلث لاين”: “علينا أن نجد بعض الطرق لتقليل استهلاك الأطعمة الجاهزة والدهون العالية، وحث الناس لتناول المزيد من الفواكه والخضروات والأطعمة غير السكريّة”.

ويعمل الباحثون على معرفة أفضل السبل لتحقيق ذلك -مع إحراز بعض التقدّم في هذا المجال.في الولايات المتّحدة، برنامج الوقاية من السكري المموّل من ميد كير Medicareهو برنامج حياة مكثّف لمدة ستة أشهر لكبار السن المعرّضين لخطر الإصابة بمرض السكري.

يركّز البرنامج على مساعدة الناس على تناول طعام أكثر صحّة، وعلى أن يصبحون أكثر نشاطاً، وعلى الحفاظ على وزن صحّي – وهو أمر جيّد لمنع العديد من الأمراض المزمنة. وقد وجدت الأبحاث أنّ هذا النوع من التدخّل يمكن أن يقلّل من عدد الحالات الجديدة لمرض السكّري بنسبة تصل إلى 58%.

وقال ثورب إنّ هذه البرامج “قابلة للتكيّف بسهولة مع مجموعة كاملة من الدول الأخرى”، وقد تم اختبارها بالفعل في الولايات المتحدة وفنلندا والصين والهند.وأضاف ثورب إنّ بعض الشركات في الولايات المتّحدة تقوم أيضاً بتوجيه الموظّفين نحو خيارات غذائيّة صحيّة من خلال دعم الأغذية مثل الفواكه والخضار الطازجة والحبوب الكاملة ومصادر البروتين الهزيل.

ولكن هل ستعمل في بلدان أخرى؟ قال ثورب: “إنّه شيء يمكن أن تفعله دولة مثل المكسيك”.مع نسبة 32% من السكان البالغين الذين يعانون من السمنة المفرطة، إنّ معدّل المكسيك هو الثاني فقط بعد الولايات المتّحدة.

وتوافق منظمة الصحّة العالميّة على ذلك. وفي تقرير عن نهج الوقاية من السمنة في مرحلة الطفولة، تقول منظمة الصحّة العالميّة إنّ التدخّلات المجتمعيّة تحتاج إلى دعم من الهياكل والسياسات الحكوميّة المناسبة.

وهذا يشمل أشياء مثل التمويل المخصّص لتدخّلات السمنة، “ضرائب السكر” لتشجيع الناس على خفض المشروبات المحلّاة بالسكّر، والحملات التعليميّة التي تساعد الناس على اتخاذ خيارات صحيّة.وأخيراً يعتقد العديد من الخبراء أنّ الوقت قد حان لوقف إلقاء اللّوم على الناس لأن عوامل خارجة عن سيطرتهم تساهم في زيادة الوزن، مثل البلدان التي يعيشون فيها والنظم التي تتبعها هذه البلدان لإدارة سكانها.

Source: tababah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!