سحر ملص: كيف تصمد الكلمة في عالم مجنون لا يأبه بحياة البشر؟
[wpcc-script type=”30d7a52061c7b5303a428e46-text/javascript”]
تمتلك الأردنية/ السورية سحر ملص تجربة أدبية طويلة تمتد لربع قرن وتجمع بين الرواية والقصة، وفي حوارها مع «القدس العربي» تؤكد ملص أن الكتابة هي لحظة انبعاث لمكنون في الأعماق، وهي تشبه البرق الذي يكشف عن المناطق المظلمة في العالم.
* ما الذي دفعك للخوض في عالم الأدب؟
*وعيت على ظلم الحياة مبكرا، فخلال طفولتي كانت أمي تقص علي أحاديث كثيرة عن نضال الشعب السوري ضد الانتداب الفرنسي، وكيف كانت النساء يحملن الحجارة في ملاءاتهن، ووعيت على قصص الشعب الفلسطيني المهجّر الذي كان يسكن في بيوت قام أبي بتأجيرها لهم.
ولهذه العوامل عبأت نفسي وجعلتني أريد الصراخ وتغيير الحياة، ولذلك كانت مذكراتي منذ الطفولة مليئة بالغضب والاحتجاج، وكانت الكتابة متنفسي وطريقتي للتعبير على الحياة لكني تأخرت في النشر حتى تخرجت من الجامعة.
* لماذا تكتبين؟ وما علاقة نصك الأدبي بمرجعه الواقعي؟
* غاية الكتابة هي حمل رسالة سامية والتعبير عن الذات والحياة، ولم أكن لأقبل أن تكون حياتي عبثية وألا أترك بصمة مهما صغرت على جدران الحياة، إذ ان من يولد في الحياة ويمتلك حساً مرهفاً وتؤرقه الأسئلة الوجودية يبحث عن طريقة للتعبير عن ذاته وعادة ما يكون المبدع متمرداً يريد تغيير العالم نحو الأفضل والأجمل.
أما بالنسبة للشق الثاني من الشؤال، فهناك علاقة غير مباشرة ما بين النص الأدبي أو الإبداعي بالواقع، والحياة هي الرافد الذي يغذي الإبداع مهما حاول الكاتب التغيير والتعمية على الشخصيات الأصلية.
* ما هو الهاجس الذي يحرك قلمك؟ وهل تغيرت رؤيتك للعالم بعد هذه التجربة الطويلة من الكتابة؟
* هاجسي هو الإنسان والحياة والبحث عن حياة أفضل، وكل حادث أو ألم يجري من حولي هو وخزة في الروح تدفعني لأكتب، لكني أعترف أن النضج في الحياة جعلني أعي أنه لا يمكن تغيير العالم، إذ كيف تصمد الكلمة أمام صاروخ أو لعبة سياسية قذرة تمزق الأوطان وتغير خارطة العالم، إذا كانت حياة الإنسان أصبحت هامشية أمام جنون العالم المادي فكيف للكلمة أن تؤثر فيه.
* لماذا اخترت «العين الزجاجية» عنواناً لروايتك الأولى، وما هو مدلول ذلك؟ وإلى أي مدى كانت ذاتك حاضرة فيها؟
*الرواية تتحدث عن فتاة، كان سوء الطالع والقهر حليفانها منذ الطفولة إلى أن فقدت البصر في الكبر فاكتفت بالبصيرة واتخذت درب الصوفية طريقاً لها مترفعة عن ماديات الحياة، وعادة تكون عين الإنسان الحية نابضة وتتفاعل مع الحياة، أما بطلتي فقد دخلت المستشفى لاستبدال عينها الحية بعين زجاجية محايدة واثناء إجراء العملية استرجعت كل دقائق حياتها سواء في دمشق (ملاعب الطفولة) أو عمان (مراقي الشباب) وانتهت العملية بالفشل وموت البطلة.
أما عن حضور الذات في الرواية، فمع أنها من روايات الشخصيات لكنها لست أنا، باستثناء أني شرحت رؤيتي للحياة السامية والصوفية كما أراها أنا ولكن على لسان بطلتي إذ إن التجارب علمتني أن كل الأمور المادية في الحياة تفقد بريقها بعد امتلاكها وحتى العواطف والعلاقات الإنسانية لا تبقى على نفس الوتيرة من التأجج والعطاء، أما الأمر الأجمل والأبقى فهو علاقة الحب بين الإنسان وخالقه، لذلك أنا كنت أغبط تسامي وترفع بطلتي عن قشيب الدنيا.
* ما الذي دفعك للانتقال من القصة إلى الرواية، رغم أنهما تنتميان لعائلة سردية واحدة؟ وهل أنت راضية عن رواياتك؟
* نعم أنا راضية عن رواياتي وفي لحظة الكتابة لم يكن في الإمكان أبدع مما كان، أما عن انتقالي لكتابة الرواية، فأنا لا أميل إلى تخصيص نوع الكتابة، فالمبدع يسطر نوعاً أدبياً حسبما يتطلبه الموقف، والقصة تختلف كثيراً عن الرواية في شكلها وزمنها وشخوصها وتقنيتها، ولكن لا يمنع إن تمكن الكاتب من أدوات الرواية وتطلب النص ذلك أن يكتبها، فمنذ كتبت القصة والنقاد يشيرون إلى امتلاكي للنفس الروائي، وللعلم فأنا كتبت عدداً من الروايات ولم أنشرها لأسباب مختلفة، وبصراحة «العين الزجاجية» كتبتها أول مرة عام 1995، ولم أنشرها ثم أعدت كتابتها بالشكل النهائي عام 2012 أما «مطارح» فقد كُتبت حديثاً وفي وقتها.
* من أين تستمدين مواضيعك وشخصياتك الأدبية؟
* الحياة بكل نبضها وإيقاعها من الماضي والحاضر وحتى إرهاصات المستقبل كلها عوامل ومؤثرات تنصهر في بوتقة الذات وتنتظر الشرارة المحركة ممثلة بحدث يومي أو هاجس ما لتندفع مثل بركان من الأعماق وتنسكب على الورق على شكل عمل إبداعي، وفي مخازن الطفولة كنوز كثيرة معتقة لدى الكاتب يستحضرها في إبداعاته روايتي مطارح تأثرت بالمرويّات الشفوية في الطفولة ولأمي وأبي الفضل الكبير في تغذية طفولتي بالقص فقد كانا قاصيّن بالفطرة.
شخصياً لا أبحث عن الشخصيات فهي تحضر بالصدفة وأكيد هناك تغير وتبديل دائم في تفاصيلها بما يتلاءم مع النص.
* ماذا يعني المكان بالنسبة لك؟
*المكان هو حاضنة الحياة التي يتعتق فيها الإنسان ويتفاعل معها إذ لا يوجد إنسان دون مكان يتأثر به ويؤثر، لذلك حضور المكان طبيعي في كتابتي وهو منطلقي في البحث عن مفردات الحياة وفهم مسيرتها، إذ لمعرفة حضارة ما كالفراعنة أنظر إلى طبيعة مصر الجغرافية ونهرها العظيم كيف كان لها أثر واضح في حياة الفراعنة من طقوس الخصب أو الفيضان أو الموت ولذلك من الطبيعي أن أركز على المكان.
طبعا، قمت بتأليف أكثر من كتاب عن ذاكرة المكان، واحد اختص بالأردن والثاني عن سفراتي ومشاهدتي للأماكن العربية والعالمية وأثر ذلك وانطباعه في نفسي، إذ أن الأماكن تجذبني وتتلون روحي مع إيقاعها فبعضها أحبه والآخر قد أنفر منه.
* ما علاقة المرأة بالأدب ؟ وهل تستحضرين صورة المرأة النموذج أثناء كتابتك؟
* المرأة هي الأدب صانعته وبطلته، فمن حضنها بدأ القص الشفوي والغناء ومن سيرة حياتها اختطت دروبا حكيمة، صحيح أنها غيّبت عن الساحة الأدبية طويلاً والبعض اعتبر المرأة الذكية ساحرة وطالب بإحراقها لكنها موجودة ما وجد الإنسان، وما القص الشفهي والحكايا التراثية إلا نتاج المرأة في معظمه، حالياً هي ناسجة للأدب كما هي ناسجة للحياة.
عادةً صورة المرأة النموذج محفورة في أعماقي ولكن عندما أكتب أبحث عن امرأة مقهورة مستلبة وقد تبتعد في سلوكها عن النموذج.
* ما رأيك بالنقد الأدبي وكيف أثر بأعمالك؟
* النقد الأدبي عبارة عن تسليط عدسة مكبرة على العمل الأدبي بحيث يفتح عين المبدع على مواطن الضعف والقوة فيما يبدعه، وأنا أرى فيه رؤية جديدة للنص، هناك عدد من النقاد الأفاضل الذين درسوا بعناية ما كتبت وقدموا نقداً جيداً أفادني، والبعض وجّه طلبة الدراسات العليا لتقديم رسائل جامعية عن أعمالي وهذا أيضاً أفادني، لكن تظل الروح المبدعة لحظة انسكابها لا تتقيد لا بقانون ولا قاعدة، وفيما بعد تشذب الأعمال.
نضال القاسم