سميرة الحوري المعتقلة السابقة في سجون الحوثي لـ«القدس العربي»: اعتقلني الحوثيون لاكتشافي معتقلاتهم السرية ورفضي طلبهم باستقطاب المسؤولين
[wpcc-script type=”b1e97cc8366b80b36f881fe3-text/javascript”]
تعز ـ «القدس العربي»: المعتقلة السابقة في معتقلات ميليشيا جماعة الحوثي بصنعاء والناشطة الحقوقية سميرة عبد الله الحوري، لمع صيتها مؤخراً بعد خروجها من المعتقل الحوثي وكشفها بجرأة نادرة للعلن عما تعرضت له من اعتداءات وتعسف من قبل ميليشيا الحوثي وعن مآسي النساء المعتقلات لدى الحوثيين.
وفي هذا الحوار الذي يعد الأول من نوعه لوسيلة إعلامية، قالت المعتقلة السابقة في سجون الحوثيين والناشطة الحقوقية سميرة عبد الله الحوري لـ«القدس العربي»، إن ما شاهدته في المعتقلات الحوثية يتجاوز الخيال. وسميرة الحوري من أسرة يمنية قبلية معروفة، تنتمي إلى بني حور في منطقة مسور بمحافظة عمران، وإخوانها يعملون قيادات ومسؤولين كباراً في العديد من المنشآت الاقتصادية العامة والخاصة بصنعاء، وجميعهم من جماعة الحوثي. وما يلي نص اللقاء:
■ كيف اعتقلتكِ ميليشيا جماعة الحوثي بصنعاء؟
□ تم اعتقالي في 27 يوليو/ تموز 2019، بمداهمة منزلي في صنعاء من قبل جماعة الحوثي. جاءوا في أربع عربات عسكرية مصفحة، على كل منها 12 مسلحاً، وحافلة مليئة بمخبرات زينبيات (جهاز المخابرات النسائي)، إضافة إلى رئيس البحث الجنائي الحوثي سلطان زابن، وعاقل الحارة (المسؤول المدني) في حي عطان، والقادة الحوثيين: أبوصلاح وأبوالكرار وأحمد مطر، حيث تم مداهمة منزلي وتكبيلي وتغميض عينيّ، واختطافي منه إلى مقر البحث الجنائي بصنعاء التابع للحوثيين.
وتمت التحقيقات معي على مراحل، أولاً تم التحقيق معي في مصلحة الجوازات، قبل عملية الاعتقال، من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساء، ثم أطلقوا سراحي بعد قيامهم بتوجيه طلبات غريبة، لتنفيذها، وهي استدراج وزراء ومسؤولين سياسيين وعسكريين عبر الجنس، وبعد تهربي من ذلك اقتحموا منزلي واعتقلوني وأخذوني إلى مقر البحث الجنائي الحوثي بصنعاء، وهناك استمروا بالتحقيق معي من الساعة الرابعة فجراً وحتى الثانية عشرة عند منتصف الليل، ثم كبلوني وغطوا وجهي، وهناك التقيت حوالي 11 امرأة معتقلة، حيث تم ربط أيدينا ببعض وتغطية أعيننا، ونقلونا بواسطة حافلة خلال الليل إلى مكان آخر وهو سجن سري، ضمن السجون السرية التابعة لجماعة الحوثي، وعرفنا فيما بعد عقب خروجي منه أنه مبنى دار الهلال، بجوار مختبرات المأمون في شارع تعز بصنعاء، وهو ضمن السجون السرية التابعة لجماعة الحوثي التي اشتغلتُ عليها وكشفتها خلال نشاطي الحقوقي. وحوّلوا الغرف والفصول في هذا المبنى إلى زنازين انفرادية أو غرف اعتقال جماعية، ووزعونا عند وصولنا على عدة غرف، وضعوا المعتقلات الأخريات في زنازين جماعية في الطابق الأول، ووضعوني في زنزانة انفرادية بالطابق السفلي تحت الأرض. ويسمون هذه الزنزانة الانفرادية «الضغاطة»، نظراً لحجمها الصغير الذي يجعل المسجون وكأنه مضغوط في داخل علبة ساردين. ومكثت فيها منفردة لمدة ثلاثة أشهر، ولكن كانت كل امرأة معتقلة تحال قبل التحقيق على الزنزانة الانفرادية، فالتقيت هناك أغلب المعتقلات. وكان الحوثيون يخدعوننا أحياناً بأن يدسوا بيننا مخبرات من جهاز «الزينبيات» على أنهن معتقلات ويقمن بضربنا لاحقاً.
■ ماذا عن التحقيقات، وكيف كانت تُجرى معك في المعتقلات؟
□ تلك التحقيقات كانت من قبل محققين حوثيين دون أن يحملوا أي صفة رسمية، ورفضوا إحالتي إلى أي جهة اختصاص، مثل النيابة وغيرها، ورفضوا طلبي بتكليف محام للدفاع عني، وحرموني من التواصل مع أهلي وأسرتي. ورغم أن النيابة أيضاً تقع تحت سيطرتهم، طلبت منهم إذن النيابة باعتقالي، فكانوا يقولون لي إنهم يعملوا بقانون الطوارئ، ولا يجيبون عن تساؤلاتي أو طلباتي في أغلب الأحيان، وكانوا يحضرونني إلى غرفة المحققين بواسطة الزينبيات الحوثيات، فيما المحققون ثلاثة رجال على الأقل، وكل واحد منهم يمثل جهازاً أمنياً، أحدهم يمثل الأمن القومي، والآخر يمثل الأمن السياسي، والثالث جهاز مكافحة الإرهاب. وكانوا يحققون معي وهم مخزنون القات ويسألونني عن سيرتي الذاتية وحياتي الشخصية، ويوجهون إليّ تهماً بأنني جاسوسة وعميلة، وظللت أكرر لهم الإجابات نفسها كل يوم، وكانوا يمارسون عليّ ضغوطات نفسية وتهديدات بالاعتداء الجسدي، ولكنهم رغم درجة حقارتهم يظلون أهون مئة مرة من المخبرات الزينبيات، فهؤلاء كن يمارسن التعذيب النفسي والجسدي بطريقة أكثر عنفاً من المحققين الرجال. وقامت إحدى الزينبيات بقص شعر رأسي بالسكين، لدرجة أرعبتي وجلعتني أبول على نفسي. وكان المحققون يتحرشون بنا جنسياً ولا يسمحون لنا بلبس الحجابات ولا بتغطية شعرنا أثناء التحقيقات، وكانت أجواء التحقيقات تشهد ضرباً واعتداءات جسدية من قبل الزينبيات وإجبارنا على تنفيذ أعمال شاقة. وكانوا يقيمون معنا جلسات يسمونها «جلسات تطهير»؛ لأنهم يعتبروننا سنيين كفرة وهم سيطهروننا. وكنت في الزنزانة الانفرادية طوال فترة الاعتقال لا يسمح لي بالصعود إلى الطابق العلوي ولا أرى الشمس أبداً، أما الوجبة اليومية فكانت رغيفاً واحداً وعلبة ماء فقط لإبقائنا على قيد الحياة.
تعرضت للتحرش والتعذيب والاعتداء الجسدي والنفسي
■ ما الأسباب الرئيسية التي تذرع بها الحوثيون لاعتقالك؟
□ كان اكتشافي للسجون السرية وكشفها للملأ أحد أسباب اعتقالي من قبل، حيث كنت ناشطة حقوقية في صنعاء ورئيسة مفوضية يمنيات لرصد الانتهاكات، بالإضافة إلى رئيس فريق «أياد بيضاء» التنموي، المتخصص في تنفيذ الحملات الإغاثية لمساعدة المحتاجين لتجاوز الوضع الاقتصادي المتدهور، الذي كان يعمل وفق آلية جديدة لتنفيذ المشاريع عبر إيصال الدعم من المانحين إلى المستهدفين مباشرة، دون المرور عبر المنظمات، خاصة أن جميع المنظمات في مناطق سيطرة الحوثيين أصبحت تحت سيطرتهم، ولا يصل للمستهدفين من المعونات الإغاثية إلا النزر القليل الذي لا يتجاوز ربع هذه المعونات.
■ كيف تمكنت من اكتشاف المعتقلات السرية؟
بلغني أن هناك مركزاً لمرضى الحالات النفسية اسمه مركز «فضل الحلالي»، وصل لوضع يرثى له من الإهمال بعد أن تركه الأطباء والموظفون بسبب انقطاع الرواتب، وأصبح المرضى في المركز بحالة مأساوية، وانتشرت الأمراض والأوبئة بين النزلاء، وتعرضت كل ما في هذا المركز من أدوات ومعدات للسرقة من قبل المشرفين الحوثيين، فذهبت إلى هناك مع فريقي التنموي من أجل إعادة تأهيل المركز، وعند زيارتنا له اكتشفت وجود معتقل سري تابع لجماعة الحوثي، محاط بتعتيم شديد وحراسة مشددة، وبدأت بنشر هذه القضية للعلن. وكان السجن السري في مركز «فضل الحلالي» بداية الخيط، وكان السبب الرئيس لتحولي نحو الاهتمام بقضايا انتهاكات الحوثيين في صنعاء.
■ ما هي هذه الانتهاكات التي قررتِ التفرغ لها؟
□ هناك قائمة طويلة من الجرائم الحوثية، منها: السجون السرية غير القانونية، واعتقال النشطاء السياسيين والمعارضين، واختطاف واعتقال الناشطات الحقوقيات والنساء بشكل عام، وتجارة الأعضاء، وتجنيد الأطفال وتعرضهم لانتهاكات جنسية من قبل المشرفين الحوثيين. وقد وصلتني شكاوى وحالات انتهاكات كثيرة مشفوعة بأدلة ناجعة، وقد عملت خلال أكثر من ثلاث سنوات على توثيقها إلى أن تم اعتقالي.
■ قبل أن يعتقلكِ الحوثيون، ألم تكن هناك إرهاصات أو مقدمات تشعرين بها أو يفرضونها عليك؟
□ في الحقيقة، قبل مداهمة ميليشيا الحوثي لسكني بأيام طلبوني للحضور إلى مصلحة الجوازات بحجة أن لدي معاملة هناك، رغم أنه ليس لي أي معاملة لديهم، ثم تواصلوا معي عبر مسؤولي مصلحة الجوازات. وعند وصولي، اكتشفت أني وقعت في فخ أمني، إذ وجدت أربعة مسؤولين حوثيين ضمن جهاز الأمن القومي في انتظاري، اقتادوني إلى طابق سفلي تحت الأرض، وحققوا معي من الساعة الثامنة صباحاً إلى الخامسة قبل المغرب.
■ ما طبيعة هذه التحقيقات والأهداف التي كانوا يسعون لتحقيقها؟
□ مارسوا عليّ ضغوطاً، وأخرجوا ملفات مجهزة ضدي بتهم عديدة، من ضمنها ملف تهم بالتجسس وملف تهم بالتخابر مع العدوان، وملف تهم برفع إحداثيات لقوات التحالف، وملف بتهم أخلاقية. وهددوني بأخذي إلى الأمن القومي إذا لم أتعاون معهم، وبتحريك هذه القضايا ضدي، فحاولت أن أسايرهم فسألتهم ما هي القضايا التي يريدونني أن أساعدهم فيها أو أتعاون بشأنها؟ فقالوا نريد منك أن تستدرجي لنا مسؤولين سياسيين وقيادات أمنية وعسكرية (ذكروا أسماءهم، بينهم وزراء وسياسيون وقادة عسكريون).. «أناس تعرفينهم وآخرون سنوصلك إليهم على أساس أنك ناشطة حقوقية، ونريد منك أن توثقي لنا بالفيديو جلسات جنسية معهم»، قالوا.
■ ماذا كان ردك؟
□ أجبت: «إنكم بحاجة إلى بنات ليل لا إلى ناشطات»، فقالوا: أنت مجبرة على تنفيذ المطلوب منك، وإلا سنحولك بهذه الملفات إلى الأمن السياسي (المخابرات)، فأجبت: طيب، أعطوني وقتاً أرتب وضعي، قالوا سنفعل، لكن المسؤول الحوثي أبوالكرار قال لي: «حتى تثبتي ولاءك لنا ونتأكد من تعاونك معنا ولن تتواصلي مع جهة ثانية لا بد أن تنامي معي، وسنوثق هذا اللقاء بفيديو سيحاط بالسرية ولن يطلع عليه أحد، فإذا حاولت الهرب سيكون لدي هذا الفيديو وسنعرف كيف نعيدك. أي أنه طلب مني ضماناً يستطيع أن يستدرج به المسؤولين الذين حددهم لي، وأوثق هذه الفيديوهات الجنسية، ليبتزوهم بمواقف سياسية أو لأغراض أخرى.
■ كيف استطعتِ الإفلات من مطالبهم؟
□ أبديت لهم استعدادي لذلك، ولكني طلبت منهم منحي فرصة لترتيب وضعي، وخلال ذلك حاولت كسب مزيد من الوقت ومسايرتهم لإطالة المدة الزمنية كي أجد مهرباً، وظلوا يلاحقونني بينما أستمر بتبريراتي، وعندما شعروا بعدم استجابتي لمطالبهم قرروا اعتقالي.
■ لكونك امرأة، ألم يحُل هذا بينهم وبين اعتقالك، خاصة أنك تنتمين إلى أسرة جميع أفرادها موالون فاعلون لجماعة الحوثي؟
□ للأسف، هذا لم يحدث، لا كوني امرأة ولا كوني من أسرة يعرفون تحوّثها وجميع أفرادها موالون لجماعة الحوثي، وقد فشلت كل الجهود التي بذلها أفراد أسرتي الذين وقفوا إلى جانبي بشدة، ومن بينهم أحد أشقائي الذي سعى بكل ما أوتي من قوة لإطلاق سراحي منذ الأيام الأولى لاعتقالي، فتعرض للتهديد والوعيد من قبل المشرفين الحوثيين، وكسروا جهاز هاتفه الجوال في وجهه أمام مقر جهاز الأمن القومي الحوثي، وهددوه بجثتي إذا ما استمر في المطالبة بالإفراج عني، كما تعرض باقي إخوتي وأفراد أسرتي للتهديد الحوثي. كما قام الشيخ علي سنان الغولي، وهو نسب لأسرتنا، ببذل جهود كبيرة لإطلاق سراحي بحكم وجاهته القبلية وعلاقته القوية مع جماعة الحوثي، غير أن كل ذلك لم يشفع لي، وهو ما أسفر عن تعرض والدي لنكسة مرضية توفي على إثرها وأنا في المعتقل، ولم أعلم بوفاته إلا بعد خروجي.

