أعتذر في فاتحة كلمتي هذه عن الصمت الذي اختفت في تلافيفه كلمة شهرين لا شهر واحد.. ولم يكن ذلك إلا لمزيج إحباط وحيرة، زجّني في صمت رجوت أن يكون ناطقاً بليغاً، ولكنه جاء سقيماً عييّاً!..
واليوم، جاءني ما أخرجني، قسراً لا طوعاً، من راحة الصمت إلى آلام الحديث ومأساة الحوار.
لقد كنت أظن أن المصائب التاريخية التي حاقت بأمتنا، إنما هي سقوط الأندلس، فسقوط بغداد في أيدي التتار، واحتلال الصليبيين لفلسطين، ثم هذا الاحتلال الصليبي الصهيوني الاستعماري اليوم لبغداد.
وما علمت إلا بالأمس أن المصيبة الكبرى التي اجتاحت عالمنا العربي عامة ومحيطنا السوري خاصة، ليست شيئاً مما ذكرت، وإنما تتمثل في تقاعس الأمة العربية والإسلامية إلى اليوم عن النهوض بواجب العثور على أجمل صوت غنائي تهتز طرباً له الرؤوس، في السهرات الفنية والأندية الليلية.
كان أول من نبه إلى هذا التقصير الخطير، قناة “… ” إحدى القنوات الفضائية!..
فهي التي نبهت إلى أن المصيبة الكبرى تتمثل في هذا التقصير، وليست متمثلة في النزيف الذي تعاني منه الأمة لاحتلال الاستعمار الأمريكي العراق، ولا هي متمثلة في القتل الذي يستحرّ كل يوم بضحايا الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
لم تكتف القناة بهذا… بل أخذت تقرع أجراس الخطر الفني على مسامع الأمة، وأهابت بها أن تنهض نهضة ديمقراطية قدسية، من خلال وحدة شعبية متراصّة، وأن تبذل قواها متضافرة جادة، ثم تسعى سعيها لتدارك التقصير الذي تلبست به الأجيال السابقة، فتكتشف للأمة العربي جمعاء الصوت الغنائي الأول الذي سيكون إليه تشنيف الآذان، في معركة المصير التي ستدور رحاها في السهرات الفنية والأندية الليلية، حيث ستكون إليها كلمة الفصل في تحديد موقع هذه الأمة من التاريخ المقبل.
وتلاقت الأقنية الفضائية في خندق كفاحي واحد، تتابع الأصوات المرشحة، في نضال صابر دائب، حتى الرابعة صباحاً!.. ولما تم الاكتشاف، وفاز المناضلون والمكافحون والمرشَّحون والمصوتون، بالنصر المبين، إذ قدموا إلى الأمة العربية والإسلامية ضالتها المنشودة، ذات الطلعة البهية، والصوت الشجي، والجمال الفتان، تلك التي كان غيابها السبب الأول في الكوارث التي ترزح أمتنا اليوم تحت وطأتها، وقد لا تكون الأخيرة فيها نكبة فلسطين واحتلال العراق.
وقام أصحاب السيادة والريادة بأدوارهم المشرفة في ساحة هذا الكفاح المشرف!!.. فنهضوا بواجبهم الكفاحي والوطني مهنئين مصفقين.. ومواسين معزّين ومعوضين.
الأمة العربية والإسلامية تنزف.. والدم القاني المتفجر من جسمها لا يتوقف ولا يجف.. وذوي الهيبة والوقارفي الأمة، معإعلامها وأقنيتها، وشعوبها ((المهتاجة)) المناضلة، منصرفون جميعاً إلى إيقاد الشموع الخافتة في الأندية الليلية الساهرة، يتسابقون إلى شرف تقديم أجمل صوت غنائي، لأكبر قطيع من المتطوحين بسكر المهانة والذل… حيث ترتفع الأيدي التي ربيت على فن التصفيق، ولم تُدرَّب على شرف تطهير الأرض العربية الإسلامية من الاحتلال والرجس.
أما التاريخ… فها هو ذا ماضٍ في حفر أجمل قبر لأتعس أمة. واسم القبر: ((سوبّر ستار)).