سياسة المساعدات التركية في زمن كورونا… رسائل وأهداف إنسانية واقتصادية بأبعاد استراتيجية

إسطنبول ـ «القدس العربي»: في الوقت الذي انشغلت فيه كبريات الدول حول العالم بتأمين احتياجاتها الداخلية من معدات طبية ومواد غذائية ومستلزمات أساسية لمواجهة خطر

Share your love

سياسة المساعدات التركية في زمن كورونا… رسائل وأهداف إنسانية واقتصادية بأبعاد استراتيجية

[wpcc-script type=”ef28952e87201ce4a4edbcf7-text/javascript”]

إسطنبول ـ «القدس العربي»: في الوقت الذي انشغلت فيه كبريات الدول حول العالم بتأمين احتياجاتها الداخلية من معدات طبية ومواد غذائية ومستلزمات أساسية لمواجهة خطر فيروس كورونا المستجد، برزت تركيا كأكثر دولة قدمت مساعدات لعشرات الدول، وأبدت استعدادها لبيع المعدات الطبية لعشرات الدول الأخرى التي قدمت طلبات متلاحقة لها في هذا الإطار.
انفتاح تركيا على تلبية طلبات الدول لشراء مستلزمات طبية أساسية وتقديمها كمساعدات لعشرات الدول الأخرى على الرغم من أنها إحدى أكثر الدول المتضررة من انتشار الفيروس، حمل في طياته رسائل إنسانية وسياسية، لكنها تحمل في جوهرها أهدافاً استراتيجية أكبر يصبو إليها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي يقود هذه الحملة بعناية بالغة.

مساعدات واسعة

تقول مصادر تركية إن أنقرة تلقت طلبات بشراء معدات طبية ومستلزمات صحية، إلى جانب طلبات الحصول على هذه المعدات على شكل مساعدات من قرابة 100 دولة حول العالم، وهو رقم ضخم وغير مسبوق تمكنت تركيا من تلبية نصف هذه الطلبات وبيع وإرسال المعدات على شكل مساعدات لقرابة 50 دولة حتى اليوم.
وتتكون أغلب المساعدات التي أرسلتها تركيا من معدات طبية مساعدة في إجراءات مكافحة فيروس كورونا لا سيما الملابس الخاصة بالطواقم الطبية وكمامات الوجه والنظارات الطبية ومعدات الحماية، إلى جانب مواد التنظيف والتطهير والمعقمات الطبية، وصولاً لسيارات إسعاف وأجهزة فحص وأسرة طبية، فيما واصلت تقديم وبيع معدات طبية أكبر ومنها أجهزة التنفس الاصطناعي، يضاف إلى ذلك المساعدات الإنسانية للمناطق الأشد فقراً كاللاجئين في سوريا ومناطق أخرى.
ولتلبية هذا الكم الهائل من طلبات الشراء والمساعدة، سخرت الدولة التركية كافة وزاراتها وطواقمها المختصة، إلى جانب القطاع الخاص، وعملت الرئاسة التركية بشكل أساسي مع وزارة الدفاع والداخلية ووزارات الصناعة والتجارة والصحة، حيث عملت المصانع التابعة لوزارتي الدفاع والصناعة ومصانع القطاع الخاص على رفع القدرة الإنتاجية إلى أعلى المستويات لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإنتاج، ووصل الأمر إلى إنتاج المعقمات والكمامات الطبية في المدارس الثانوية المهنية في عموم البلاد، كما تكلفت طائرات النقل العسكرية التابعة لوزارة الدفاع في إيصال المساعدات في أسرع وقت إلى الدول المحتاجة.
وأرسلت تركيا مساعدات إلى العديد من الدول الكبرى، أبرزها بريطانيا التي وصلتها، الأحد، طائرة مساعدات ثانية من تركيا، وذلك عقب إرسال طائرة مساعدات إلى إيطاليا وإسبانيا، ومساعدات أخرى إلى دول البلقان الخمس (شمال مقدونيا، والجبل الأسود، وصربيا، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو).
كما وصلت المساعدات الطبية التركية إلى إيران التي تعاني من العقوبات الأمريكية رغم تفشي الفيروس على أراضيها، إلى جانب حكومة إقليم شمال العراق التي وصلها كم كبير من المساعدات الطبية التركية، التي وصلت أيضاً إلى كولومبيا وتضمن مستلزمات تشخيص كورونا ومعدات طبية مختلفة، في حين تم إرسال مساعدات طبية أخرى إلى حكومة الوفاق الليبية في طرابلس.

أنقرة باعت وقدمت مساعدات طبية لعشرات الدول حول العالم

وأكدت مصادر تركية أن العديد من الدول الأخرى طلبت شراء معدات طبية أو الحصول على مساعدات، موضحةً أن الولايات المتحدة طلبت شراء معدات طبية مختلفة، وطلبات مشابهة من أرمينيا وإسرائيل، وهي دول لا تتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا، ما اعتبره الناطق باسم الرئاسة التركية «دليلاً على أن الصديق الحقيقي يظهر في الأوقات الصعبة»، فيما أوضح وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو أن بلاده تلقت طلبات مختلفة من 94 دولة.
وإلى جانب المساعدات الطبية، أرسلت تركيا مساعدات إنسانية إلى العديد من المناطق الفقيرة، لا سيما مخيمات اللاجئين شمالي سوريا والنازحين في محافظة إدلب، إلى جانب مساعدات أخرى وصلت إلى عكار وطرابلس في لبنان، كما وصلت هذه المساعدات إلى شمال مقدونيا. كما أعلنت الرئاسة التركية أن مساعدات إنسانية وطبية سوف تصل إلى الأراضي الفلسطينية بالتزامن مع الاستجابة لطلب إسرائيلي لشراء معدات طبية من تركيا.

رسائل مختلفة

وأرفقت كافة المساعدات حين وصولها إلى الدول المستفيدة برسالة خطية من الرئيس التركي لمسؤولي هذه الدول تطرقت إلى أن «تركيا حليف استراتيجي وصديق وفيّ في الأوقات الصعبة»، وعن تضامن تركيا حكومة وشعباً مع الدول المتضررة، واستعدادها للمساعدة بكل الطرق الممكنة، وشدد على استمرار الشراكة والتحالف مع هذه الدول، وركزت تصريحات المسؤولين الأتراك على استخدام مقولة «الصديق وقت الضيق»، و«الصديق الحقيقي يظهر في اليوم الأسود»، كما أرفقت معظم طرود المساعدات بمقولة لجلال الدين الرومي: «هناك الكثير من الآمال وراء اليأس، وهناك العديد من الشموس وراء الظلمة».
ونالت تركيا موجة من الإشادات العالمية من مسؤولي الدول التي وصلتها المساعدات، والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الناتو، معتبرين أن المبادرة التركية تعتبر «نموذجاً رائعاً للتضامن والتعاون في الأوقات العصيبة»، ورد الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، على رسالة شكر من الناتو بالقول: «تركيا تقف إلى جانب حلفائها في الأوقات العصيبة والأزمات، وتأمل منها القيام بنفس الأمر أيضاً».
وعلى الجانب الاقتصادي، قال الناطق باسم الرئاسة، في تصريح سابق، إن العالم رأى بشكل واضح كيف أن الاقتصادات الكبرى وقفت عاجزة أمام هذه الأزمة، وذلك عقب تصريح لاردوغان شدد فيه على أن «العالم بعد الوباء لن يكون كسابق عهده، وأن عصر مؤسسي الرفاهية الكاذبة قد انتهى»، وبينما أعرب عن ثقته بقدرة بلاده على تجاوز أزمة فيروس كورونا، شدد على أنها ستخرج أكثر قوة من هذه المرحلة.

أهداف استراتيجية

تحمل المساعدات التركية الواسعة أهدافاً إنسانية واقتصادية مختلفة، لكنها تحمل في جوهرها أيضاً أبعاداً استراتيجية يحاول الرئيس التركي الوصول إليها في مرحلة ما بعد كورونا، التي يؤكد أنها لن تكون كما كانت عليه في السابق، ويهدف بدرجة أساسية إلى تعزيز مكانة بلاده عالمياً وتقوية دورها وتأثيرها وقوتها الإقليمية والدولية بشكل عام.
ومن خلال المساعدات الإنسانية المباشرة للشعوب والمساعدات الطبية للحكومات، تعزز تركيا مكانتها الشعبية بين مواطني الكثير من الدول، وهو ما يساعد في المساعدة بتعزيز العلاقات بين تركيا ودولهم، وينعكس على الاقتصاد والتجارة والسياحة، ما يعزز فرص تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة في المستقبل.
وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها تركيا، تساهم هذه المساعدات في إعطاء صورة إيجابية أفضل عن الاقتصاد التركي، وتعزيز ثقة المستثمرين فيه، وتساعد بشكل جوهري في تعزيز سردية اردوغان بأن اقتصاد بلاده أفضل بكثير مما يروج عنه من وسائل إعلام معادية. وبالتالي، يُبقي ذلك الباب واسعاً أمام مزيد من الاستثمارات في الاقتصاد التركي لاحقاً بعدما تمكنت تركيا من الصمود في وجه كورونا ومواجهته بطريقة أفضل بكثير من الدول الكبرى، لا بل وتقديم مساعدات لهذه الدول.
ويضاف إلى ذلك كله أن هذه المساعدات سوف تعزز مكانة تركيا إقليمياً وعالمياً وتزيد من قدرتها على طرح نفسها كقوة كبرى لا تقل أهمية عن الدول الأوروبية الكبرى وبريطانيا، وتثبت للعديد من الدول أنها حليف أقوى اقتصادياً وإدارياً ويمكن الاعتماد عليه في أوقات الرفاهية بعدما أثبت قدرته على ذلك في الأوقات الصعبة. كما أنها ترسل رسائل إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي أنها دولة قوية منتجة قادرة على تلبية احتياجاتهم التي عجزوا عن توفيرها في الأزمات، لتقول للجميع بأنها دولة قوية سياسياً واقتصادياً وإنتاجياً وأنها مكسب لأي دولة أو حلف.

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!