‘);
}
موضوعات الحديث
قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا إنَّ حِمَى اللَّهِ في أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ).[١]
يُبيّن الحديث النبويّ أنّ الحلال والحرام أمران ظاهران لمن أراد النّظر فيهما، وبَيْن الحلال والحرام أمور مختلف فيها غير واضحة، فلا يعلم حكمها كثير من النّاس، أهي محلّلة، أم محرّمة، إلّا من اجتهد وتتبّع الحكم، فعرفه وتبيّن له، ، ثم يؤكد الحديث على أهمّية صلاح القلب، وفيما يأتي في المقال شرح موضوعات الحديث بشيءٍ من التفصيل.
‘);
}
الحلال والحرام
إنّ المتتبّع لكتاب الله، وسنّة نبيّه، يعرف تماماً ما أحلّ الله وما حرّم بصحيح النّص وتصريحه؛ كالفواحش الباطنة والظاهرة؛ مثل السرقة، فهي حرام لوجود الدليل القاطع بإقامة العقوبة عليها،[٢] أمّا الحلال فلا يقع في حقّ فاعله إثم أو ذنب، ولا يحصل عليه الأجر، إلّا أن يُقصد به التقوّي على طاعة الله، وتحديد الحلال والحرام أمور اختصّ بها الله -سبحانه-، فأوحاها في كتابه أو لنبيّه الكريم.[٣]
المشتبهات
اتّقاء الشبهات يُقصد به الاحتياط لأمور الدّين، والابتعاد عنها قدر الإمكان، وضابط الشبهة يكون بما فيه التُّهَم، والضياع، والأوهام، والالتباس، والشبهة كما جاء في الحديث تكون في حق كثير من النّاس الذين لا يعلمون الأحكام، أمّا المجتهدون فقد يقعون فيها في حال اشتباههم بعدم ترجيح الدّليل لحكم ما.[٤]
وفي الحديث تشبيه بليغ، فقد شبّه المحتال على دينه الرّاغب بالزّلل دون الدخول في الحرام بمن يدور حول الحمى، والحمى ما كان يتّخذه الملوك من مساحات للرّعي، فشبّهه بمن يريد الرّعي حول هذه الحدود أو على جوانبها، فهو لا يريد دخولها خوفاً من العقوبة الشديدة، ولكنّه يرغب فيما يحوطها.[٤]
فهذا مثله كمثل صاحب الشبهة، هو لا يريد الوقوع فيما حرّم الله صراحةً، لكنّه يقترب منه ويلتصق بحدوده، فهذه هي الشبهات،[٤] فمن ترك ما اختلف عليه من ذنب أو إثم وأخذ الحذر منها، كان بعيداً عن الإشكال ونقص الدّين، وأمّا من وقع في هذه الأمور المشتبهة، فهو كالذي يخاف من الوقوع في الأمور المحرّمة، لكنّه يحوم حولها، ويقترب من حدودها دون تورّع.[٥]
صلاح الجسد بصلاح القلب
المضغة هي مقدار ما يُمضغ من اللّحم، والقلب هو المضغة المقصودة، فبالرّغم من صغر حجمه إلّا أنّه يدبّر أمور الجسد كلّها، فالحريص على قلبه؛ هو مَن حرص على طهارته وتنقيته من الشكوك والشبهات، وداوم على تفقّده كما يتفقّد باقي جوارحه، لا أن يكون بظاهره الإتقان والحرص، ومن داخله الفساد والخراب، فصلاح القلب صلاح للجسد، وفساده خراب للجسد.[٦]
ما يستفاد من الحديث
لقد أجمع العلماء على عظم هذا الحديث؛ لما فيه من فوائد عظيمة، نذكر منها ما يأتي:[٧]
- ضرورة ترك الشّبهات؛ حماية للدّين وللعرض.
- لزوم تقوى الله -سبحانه- في المأكل، والملبس، والمشرب.
- مراعاة صلاح القلب؛ ليصلح حال الجسد ويستقيم.
- أحكام الدين ثلاثة: حلال واضح، وحرام مبيّن لا شك فيه، ومشتبهات إمّا على كثير من النّاس أو على العلماء، لكنّهم يختلفون عن غيرهم؛ لأنّهم يجدون لها اجتهاداً يناسبها.
- هناك أمور محرّمة كالمعاصي والكبائر، فمن اتّقاها، فقد اتّقى الشبهات، وحسن حاله.
المراجع
- ↑رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم:52، صحيح.
- ↑أحمد حطيبة، شرح رياض الصالحين، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑محمد صالح المنجد، موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 8512. بتصرّف.
- ^أبتالكشميري، فيض الباري على صحيح البخاري، صفحة 231. بتصرّف.
- ↑محمد الشنقيطي، كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا البخاري، صفحة 376-384. بتصرّف.
- ↑ابن عثيمين، فتاوى نور على الدرب، صفحة 2. بتصرّف.
- ↑النووي ، شرح النووي على صحيح مسلم، صفحة 27-28. بتصرّف.