نقدم لكم بالتفصيل شرح قصيدة صفي الدين الحلي في وصف الربيع ، يأتي الربيع في كل عام لينشر الفرحة والخير والحياة في أرجاء الأرض، حيثُ تجد أن الأزهار متفتحه بألوانها الزاهية، وتغرد الطيور احتفالاً بجمال وروعة الأجواء، كما تطيب النفوس لطيب الجو وانتعاشه.
وقد كتب العديد من الشعراء العرب قصائد شعرية بليغة معبرة عن جمال الربيع وبهائه إلا أن الشاعر صفي الدين الحلي كان أفصحهم في وصف جمال وصف الربيع، إذ جاء له العديد من القصائد الشعرية في وصف فصل الربيع والتعبير عن حبه.
وإليكم من موسوعة أبيات قصيدة صفي الدين الحلى في وصف الربيع مع الشرح من موقع موسوعة.
شرح قصيدة صفي الدين الحلي في وصف الربيع
القسم الأول من القصيدة
فجر أطل بوجهه الوضاء فكسا الوجود بنضرة وبهاء
- يشبه الشاعر صفي الدين فصل الربيع في نوره وجماله في بداية القصيدة بالرجل الوسيم شديد البياض، فقال كأنما هذا الرجل وهو يقصد الربيع عندما حضر إلى الدنيا جعل كل ما حوله جميل، فهو كالفجر الذي يضيء بنوره ظلام الدنيا، ليشهد الإنسان على جميل صنع الله وخلقه في الأرض.
والروض مُخضَلٌ الجوانب مشرق و شذى الزهو يشيع في الأرجاء
ويصف هنا الروضة الخضراء التي أطل عليها الفجر بنوره، فلا يوجد قطعة بها إلا وقد كساها غطاء النباتات الأخضر الساطع الذي أضاء الدنيا كنور الصباح، وشاعت رائحته العطرة في أرجاء المكان.
والطير تخطب والغصون منابر والريح تنشر قالة الخطباء
شبه الشاعر في البيت الطيور أثناء تغريدها احتفالاً بقدوم الربيع كأنها خطباء يخطبون على المنابر، وذلك لطول فترة تغريدها واستمتاعها بتغريدها لهذه الروضة الخضراء كاستمتاع الخطباء على منابرهم أثناء خطبتهم للصلاة، ووصف النسيم الذي يحمل عبير الزهور بالرياح الطيبة التي تحمل تغريدات هذه الطيور لتنشرها بكافة أرجاء الروضة الخضراء.
والزهر أجناد تصيخ بسمعها وزاد الزهر نضرة ذلك الندى الذي أفاق
بالبيت تشبيه للزهور المتفتحة في فصل الربيع بالجنود الواقفين في ساحة القتال بكل حماس دون ملل أو فتور، وجاء حماس الزهور بسبب رحيق الندى المنبعث من داخلهم ليزين الزهور بتفتحها وكأنه تاج على رأس كلاً منها.
متع فؤادك بالجلوس هُنيهـة بين الغدير وروضة خضراء
يوجه الشاعر صفي الدين في البيت خطاب إلى شخصه ( شخيص لذاته) فجعلها وكأنها شخص آخر يحدثه، فيقول أمنح نفسك الاستمتاع بجمال الماء الجاري في روضة هذا البستان الرائع، وقصد الشاعر بهذا التشخيص توجيه حديثه إلى كل الناس بمنح أنفسهم فرصة للاستمتاع بجمال فصل الربيع.
فهنا الزهور موائـــل وعواطف ومناظر ومفاتن للرائي
يأتي البيت كناية عن كثرة الأزهار في الروضة الخضراء وتشابكها كأنها موئل ممتد، مما يجعل منها منظراً خلاباً لكل من يراها ويتأمل جمالها.
القسم الثاني من القصيدة
قد عمَّمت شجراتها بعمائم متباينات الشكـل والأزياء
يشبه صفي الدين البستان ذو الأغصان المورقة والمثمرة بكثافة وكأنها عمائم فوق رؤوس الرجال، وجاء الشطر الثاني من البيت كناية عن تنوع الأشجار في البستان، وكثرة أصنافها لتجد أن كل شجرة بها تختلف عن الأخرى في الشكل والثمار.
ونهيرها الرقراق يُفعم نبعة قلب الخليِّ بمنظر ورواء
جاءت كلمة (نهيرها) تصغير لكلمة نهر، لتناسب مجرى الماء الهادئ الذي يجري في الروضة، وذلك لأن كلمة نهر قد تعني فيضاناً بالنسبة لهذه الروضة، بخلاف الجنة أو الحديقة الكبيرة التي يلائمها كلمة نهر، كما نلاحظ أن الشاعر لم يقل غدير وذلك لكثرة الماء ووفرته في الروضة مما جعل منها منظراً بديعاً.
فاجلس برابية تُريك بدائعا من صنع ربك مبدع الأشياء
في الشطر الأول تشخيص لشخص الشاعر، حيثُ جعل من نفسه شخص آخر يوجه حديثه إليه، ليقول أستمتع بهذه الروضة البديعة التي لا يتمكن من إبداعها إلا ربك وحده، كما يدعو من خلاله الجميه للتمتع بجمال صنع ربهم.
واستعرض الزمن المواتَي ولتكن عما يثير شجاك ذا إغضاء
يستمر الشاعر في حديثه إلى نفسه ويوجهها بمعايشة هذه اللحظات الجميلة التي لن تتكرر، وأن يترك كافة الهموم والمشكلات ليزيح عن نفسه الحزن بتأمل الأشجار والأزهار وجمال مجرى المياه، والإستمتاع بلإنصات لتغريد الطيور.
يومان بالدنيا : فيوم سعادة سرعان ما يمضي ويوم شقاء
فاغنم زمانك بؤسه ورخاءه فهو القصير بشدة ورخاء
ثم يختتم صفي الدين أبياته بحكمة بليغة وهي أن الدنيا لها حالان متكاملان فبعض أوقاتها سعادة والأوقات الأخرى هموم، وما بين هذا وذلك يجب على الإنسان أن يغتنم لحظات السعادة ليقوى بها على لحظات حزنه، فمن لم يتمكن من الاستمتاع بلحظات السعادة والهناء قتلته لحظات الحزن والشقاء.