‘);
}

شروط الحبّ في الله

يُعتبر الإيمان والحب في الله والبُغض فيه وجهان مرتبطان ببعضهما، بحيث لا يتحقّق أحدهما إلا عندما يتحقّق الآخر، لذلك ينبغي لمن يُريد أن يكون من أهل المحبّة في الله -تعالى- أن يَعلم أُسُسها وقواعدها وعلاماتها ولوازمها، حتى يحرص على تطبيقها،[١] بحيث تكون منهجاً له يتبعه المسلم في حياته، بعيداً عن الهوى وحُب النفس، وعن المصالح الدنيوية، والأهواء الشخصية، وسيتم فيما يأتي توضيح شروط المحبة في الله -تعالى-:[٢]

  • إخلاص الحب لله: فالإخلاص رباطٌ وثيقٌ يقوم عليه الحبّ في المجتمع المسلم؛ لأنَّ ذلك من شأنه أن يُجَنِّب المصالح الشخصية في العلاقات، ويطرد النفاق والرياء، وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (أنَّ رَجُلًا زارَ أخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فأرْصَدَ اللَّهُ له، علَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أتَى عليه، قالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: أُرِيدُ أخًا لي في هذِه القَرْيَةِ، قالَ: هلْ لكَ عليه مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنِّي رَسولُ اللهِ إلَيْكَ، بأنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّكَ كما أحْبَبْتَهُ فِيهِ)،[٣] فوضَّح الحديث الشريف أنَّ عِظَم المحبة لأنّها خالصة لله -تعالى- بعيداً عن المصالح الشخصية، كون أنّ الرجل ذهب لأخيه دون مصلحة له عنده.
  • الالتزام في الحب بمنهج الإسلام: يعتبر الالتزام بمنهج الإسلام واتّباع القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة من الشروط التي ينبغي توفّرها عند المحبة في الله، بمعنى أن يُحبّ الشخص الآخرين على ما هم عليه دون إفراطٍ ولا تفريطٍ، فلا يجعل الأنبياء آلهة ويُقَدّسهم، ولا يجعل أحد الصالحين نبيّاً وهو ليس كذلك، وقد ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث السبعة الذين يُضلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه: (ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه)،[٤] أي أحبّ كل منهما الآخر محبّةً حقيقيّة، بحيث اشتركا في جنس المحبة الدينيّة وتفرّقا عليها.
  • التناصح بين المتحابّين في الله: فالنصيحة هي دعاء الآخرين لِما فيه صلاحهم، ونهيهم عمّا يُفسدهم، وقيل إنَّ النُصح يعني خلوّ العمل من شوائب الفساد، فالنصيحة لا تُشكل شرطاً من شروط الحب في الله فقط، وإنما تعتبر من واجبات وحقوق المتحابّين في الله، وهي واجبةٌ على كل مسلمٍ لأخيه المسلم، قال -تعالى-: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)،[٥] وقد وردت أحاديث نبويَّة عديدة تُبيّن وجوب التناصح بين المسلمين، منها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ).[٦]
  • التعاون والتكافل بين المتحابّين في الله: يُشكّل التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم بشكلٍ عام لبنةً أساسيةً في بناء المجتمع المسلم، ولا سيّما بين المتحابّين في الله -تعالى-، وقد حثَّ الله -تعالى على التعاون في قوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)،[٧]وتحقيق البرّ اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبّ الله ويرضى من الأقوال والأعمال، والتقوى اسمٌ جامعٌ لترك ما نهى الله -تعالى- عنه، والقيام بما أمر الله به من قولٍ أو عملٍ، والتعاون على ذلك، وقد نُقِلَت عدّة أحاديثٍ نبويَّة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تحثّ على التكافل والتعاون، منها قوله: (تَرَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى).[٨]
  • الصلاح والتقوى بين المتحابّين: يعتبر من شروط المحبة في الله -تعالى- أن يكون المتحابّين من أولياء الله؛ بمعنى أن يتحلّوا بالصلاح والتقوى.
  • المحبّة لله وحده: يعتبر إفراد الله -تعالى- في الغاية والهدف من المحبّة في الله شرطاً مهماً، فلا يُقبَل من المسلم أن يُشرِك معه أهداف أو غايات دنيوية أو عاطفية في الحب في الله.[٩]
  • محبة الخير للآخرين: ينبغي للمتحابّين في الله أن يحبّو الخير لبعضهم، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).[١٠][١١]
  • الالتزام بأداء حقوق المسلمين بين المتحابّين: فهي مما يُعين على زيادة الصّلة والتوادّ بين الناس، ومن هذه الحقوق: ردّ السلام، وقبول الدعوة، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، واتّباع الجنائز، والتبسّم في وجه من يحبّه في الله، وصفاء السريرة تجاهه، ولين الجانب معه، وإعانته على فعل الخير وترك الشر، ومنعه من الظلم والعدوان، وتحذيره من اقتراف المعاصي والمنكرات، والدعاء له بظهر الغيب، وعدم غيبته، والتماس العذر له، والذبّ عن عرضه، وحفظ سرّه، وإسداء النّصح له، وعدم ترويعه أو إيذائه بأيّ نوعٍ من أنواع الأذى، وتقديم الهدية المفيدة له، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ سِتٌّ قيلَ: ما هُنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاكَ فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له، وإذا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ).[١٢][١١]