‘);
}
صحة حديث صيام يوم عرفة وفضله
يومُ عرفة هو اليوم التاسعِ من ذي الحجّة، هو اليوم الذي يقفُ فيه الحاجّ في عرفة في ذلك الموقف المهيب العظيم والذي تقشعر له الأبدان، وأمَّا ما ورد في شأنِ صِّيام يوم عرفة؛ فقد قالَ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ثَلَاثٌ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، فَهذا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ)،[١] وهو حديثٌ صحيح ويدلّ على استحباب صوم عرفة.[٢]
وأمَّا بالنسبة للحاجّ فلا يُستحب له صيام يوم عرفة؛ وسبب ذلك المشاق والصّعاب التي يتكبّدها في هذا اليوم، ولأنّ عليه عبادات أخرى في حقّه مثل الوقوف بعرفة والدُّعاء، لذا يُستحب عدم الصّيام له حتى يتقوَّى على العبادة في هذا اليوم، وهذا ما فعله النَّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وهو أيضاً قول الجمهورِ من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهذا الحكم بعدم استحباب صيام يوم عرفة إنّما يكون في حق الحاجّ الذي وقف في عرفة نهاراً، وأمَّا من وقف فيها ليلاً فيُسنُّ له الصِّيام،[٢] والصِّيام الواجب هو صِّيام شهر رمضان المبارك، أو صيام قضاء النذر وغيره من الكفارات، أمَّا غيره من الصيام فهو مستحب، وإن كان صيام أيام عن غيرها أكثر استحباباً، مثل يوم عرفة؛ فهو أشدُّ استحباباً، وأكثرُ أجراً، وآكد الأيام صياماً لغير الحاجّ.[٣]
وقد سُئِلَ أبو قتادة -رضي الله عنه- عن أجر يوم عرفة وأجر يوم عاشوراء؛ فقال إنَّ صيام يوم عرفة يُكفّر الله به السنة السابقة والسنة الحاليَّة، وأمَّا صيام يوم عاشوراء فيكفِّر الله به عن السنة الماضية فقط،[٤] وعنه أيضاً -رضي الله عنه- أنَّ رجلاً سأل النَّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كيف نصوم؛ فأخبره -عليه الصّلاة والسّلام- بأنَّ أفضل الصِّيام صيام يوم عرفة؛ فهو يُكفّر سنة قبل وسنة بعد، يليه صيام يوم عاشوراء؛ إذ إنَّه يكفِّر سنة قبل.[٥]
‘);
}
شرح حديث صيام يوم عرفة
وقد جاء في الحديث الآخر الصّحيح سؤال سيدنا عمر -رضي الله عنه- عن صيام يوم عرفة، فردّ عليه النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ)،[٦][٧] ومعنى قوله -عليه الصّلاة والسّلام: “أحتسبُ على الله” أي أرجو من الله، وقوله: “أن يُكفِّر”، أي أن يكونَ صيام هذا اليوم كفَّارة للخطايا الصغيرة للسنة الماضية، وللصغائر في السنة المُقبلة،[٨] والتّكفير هنا جاءت مُشدّدة، وهي بمعنى السِتر وإزالة هذه الذنوب عن العبد، والمقصود بالذّنوب هنا هي صغائر الذنوب دون الكبائر، وحتى إن لم يكن له صغائر للسنة الحاليَّة؛ فإنَّ الله يحفظه من إتيان الصغائر، أو يرحمه ويعطيه من الأجر بقدر كفارته لو كان عليه ذنوب، والمراد بهذا أنَّ الله -تعالى- لا يترك له هذا الأجر ولا يُضيع صيامه هباءً منثوراً.[٩]
فضل يوم عرفة للحاج وغير الحاج
ليوم عرفة فضائل عدة؛ منها أنَّ هذا اليوم هو أكثر الأيام التي يعتقُ الله عباد الصائمين القائمين من النَّار، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)،[١٠] وفي هذا اليوم العظيم نزلت الآية الكريمة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )،[١١] ومن فضائل صيام هذا اليوم لغير الحاجّ غُفران الذنوب الصغائر لسنة قبل وسنة بعد، كما أنَّ أجر الأعمال فيها أفضل من الجهاد،[١٢] وهذا اليوم واحد من عشر أيامٍ كان النَّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يحرص على التَّعبد فيها إلى أن توفّاه الله، وهي أيام عيد عند المسلمين، وهذه الأيام العشر بما فيها يوم عرفة هي أفضل أيام الصِّيام على الإطلاق.[١٣]
كما ويُستحبُّ في الأيام العشر من ذي الحجة على وجه العموم -ويوم عرفة على وجه الخصوص- أن يُكثر العبد من الأعمال الحسنة من صومٍ، وصلاة نفلٍ، وذكر لله -تعالى-، واستغفارٍ، وصدقةٍ يتقرَّب بها العبدُ من ربِّه،[١٤] ويضاف إلى ذلك استحباب إظهار التكبير في يوم عرفة؛ لكونه يوماً من أيام العيد عند المسلمين،[١٥] كما ينزل الله -تعالى- في هذا اليوم للسّماء الدّنيا ويُباهي الملائكة بعباده، وإلى جانب ذلك كله فإنَّ يوم عرفة هو خير يوم يدعو فيه المسلم لنفسه ولغيره.[١٦]
حكم صيام يوم عرفة للحاج وغير الحاج
لا يُستحبُّ للحاج صيامُ يوم عرفة؛ وعلّة ذلك ما يتضمّنه هذا اليوم من مشقَّة كبيرة، وقد ورد أنَّ قوماً من الحجيج اشتكوا من صيام يوم عرفة، وعندما علِم النبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك شرب في ذلك اليوم، ولم يُعلم عن الصحابة أثناء حجّهم أيضاً أنّهم صاموا، وهذا هو مذهب الجمهور في المسألة، ولكن لمن وجد في نفسه القدرة على الصيام فيستطيع ذلك ولا حرج عليه، مع أنَّ الأولى الاقتداء بهديِّ النَّبيِّ -صلَى الله عليه وسلَم-،[١٧] وأمَّا لغير الحاجّ؛ فصوم هذا اليوم سُنَّة مؤكدة، وهو يكفِّر سنة مضت وسنة باقية، ويُسن فيه العمل الصَّالح، ومن هذا العمل الصَّوم.[١٨][١٩]
المراجع
- ↑رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبو قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم:1162، صحيح.
- ^أبعبدالله الطَّيار (1433)، كتاب الفقه الميسر (الطبعة 2)، الرياض-السعودية:مدار الوطن للنشر، صفحة 17، جزء 3. بتصرّف.
- ↑شحاته صقر، كتاب رأس السنة هل نحتفل، الاسكندرية-مصر:دار الخلفاء الراشدين، صفحة 118، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ابن الملقن (1406)، كتاب تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج (الطبعة 1)، مكة–السعودية:دار حراء، صفحة 107، جزء 2. بتصرّف.
- ↑الروداني، محمد بن سليمان المغربي (1418)، كتاب جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد (الطبعة 1)، الكويت:دار ابن كثير، صفحة 509، جزء 1. بتصرّف.
- ↑رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم:1162 ، صحيح.
- ↑ابن الملك (1433)، كتاب شرح المصابيح لابن الملك (الطبعة 1)، صفحة 540، جزء 2. بتصرّف.
- ↑محمد الأمين الهرري (1430)، كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (الطبعة 1)، مكة المكرمة-السعودية: دار المنهاج – دار طوق النجاة ، صفحة 178، جزء 13. بتصرّف.
- ↑مظهر الدين الزيداني (1433)، كتاب المفاتيح في شرح المصابيح (الطبعة 1)، صفحة 41، جزء 3. بتصرّف.
- ↑رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم:1348، صحيح.
- ↑سورة المائدة، آية:3
- ↑مجموعة من المؤلفين (1433)، كتاب الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 222، جزء 2. بتصرّف.
- ↑سيد سابق (1397)، كتاب فقه السنَّة (الطبعة 3)، بيروت-لبنان:دار الكتاب العربي، صفحة 450، جزء 1. بتصرّف.
- ↑مجموعة من المؤلفين (1430)، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 658، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ابن رجب الحنبلي (1417)، كتاب فتح الباري لابن رجب (الطبعة 1)، المدينة النبوية:دار الغرباء الاثرية، صفحة 31، جزء 9. بتصرّف.
- ↑مجموعة من المؤلفين (1404)، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، الكويت:دار السلاسل، صفحة 315-316، جزء 45. بتصرّف.
- ↑كمال بن السيد سالم (2003)، كتاب صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، مصر:المكتبة التوفيقية، صفحة 137، جزء 2. بتصرّف.
- ↑محمد صالح المنجد (2009)، كتاب موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 1008، جزء 1. بتصرّف.
- ↑وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (الطبعة 4)، سوريا:دار الفكر، صفحة 1641، جزء 3. بتصرّف.