صحيفتان فرنسيتان: بين دولة المنبع ودولتي المصب.. سد النهضة وقود لنزاع يهدد بزعزعة استقرار القرن الأفريقي

منذ عام 2011، تحول بناء ما سيصبح قريبا أهم سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في قارة أفريقيا، إلى قلب نزاع ثلاثي يهدد بزعزعة استقرار القرن الأفريقي، بسبب مخاوف مصر والسودان بشأن سد النهضة الإثيوبي.

Share your love

سد النهضة الإثيوبي
سد النهضة الإثيوبي هو الأهم في أفريقيا (مواقع التواصل الاجتماعي)

منذ عام 2011، تحول بناء ما سيصبح قريبا أهم سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في قارة أفريقيا، إلى قلب نزاع ثلاثي يهدد بزعزعة استقرار القرن الأفريقي، بسبب مخاوف مصر على مستقبل نهر النيل الذي تعتمد مواردها المائية عليه بنسبة 90% والذي يقف هذا البناء العملاق في وجه تدفقه، وبسبب قلق السودان الآن على أمن منشآته ما لم تتعاون معه أديس أبابا، وأخيرا بسبب ما ترى فيه إثيوبيا من مشروع موحد لسكانها المهددين بالتفكك، ومن أهمية مصيرية لاقتصادها.

وبعد فترة من المباحثات بين الدول الثلاث، انتهت المفاوضات إلى طريق مسدود، إلا أن مجلس الأمن الدولي سيجتمع اليوم الخميس 8 يوليو/تموز لبحث قضية سد النهضة بناء على طلب من القاهرة والخرطوم اللتين أعلنتا تلقيهما معلومات تشير إلى بدء أديس أبابا -وإن لم تعلن ذلك- التعبئة الثانية للسد عبر “إجراء أحادي الجانب”، وعبرتا عن رفضهما لذلك واعتبرتاه “انتهاكا صارخا للقانون الدولي”.

وفي تقريرين منفصلين، تناولت صحيفة لوموند (Le Monde) ومجلة لوبوان (Le Point) الفرنسيتان هذا الموضوع، مركزتين في البداية على وصف هذا المشروع، إذ قالت لوموند إنه يقع على بعد 15 كيلومترا من الحدود السودانية، ويغطي مساحة قدرها 1874 كيلومترا مربعا، لتضيف لوبوان أن طاقته الإجمالية تبلغ 74 مليار متر مكعب من المياه، مشيرة إلى أهمية استكماله في الموعد المحدد بالنسبة للإثيوبيين وقادتهم.

منظر لسد النهضة (رويترز)

مخاوف متباينة

وقبل يومين من اجتماع مجلس الأمن بشأن هذه القضية، التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري بنظيرته السودانية مريم المهدي في نيويورك، وعبرا في بيان عن “رفضهما الشديد” لمبادرة الملء ودعَوا مجلس الأمن إلى “دعم موقفهما بشأن اتفاق ملزم بشأن ملء السد وتشغيله”، وسيجتمع المجلس اليوم بناء على طلب تونس العضو غير الدائم بالمجلس وممثل العالم العربي باسم مصر والسودان، رغم معارضة إثيوبيا هذا الاجتماع.

وسيطلب مجلس الأمن -حسب مسودة حصلت عليها لوبوان- من “مصر وإثيوبيا والسودان استئناف مفاوضاتهم من أجل التوصل في غضون 6 أشهر إلى نص اتفاق ملزم بشأن ملء السد وإدارته، يضمن قدرة إثيوبيا على توليد الطاقة الكهرومائية من سد النهضة مع تجنب إلحاق أضرار كبيرة بأمن المياه في دولتي المصب”.

ومع أن السودان ومصر -كما تقول لوموند- ترفضان بشدة ما تعتبرانه إجراء أحاديا وتتفقان في انتقاد إثيوبيا، فإن مخاوف البلدين متباينة، إذ إن الخرطوم تخاف على أمن منشآتها القريبة جدا من السد من تدفق مياه لا تتحكم فيه ولا تعرف متى ولا كم سيكون، في حين أن القاهرة تخشى على المدى البعيد من تناقص مياه النيل الذي تعتمد عليه كمورد مائي شبه وحيد، بفعل التحكم في جريانه من خلال سد النهضة الذي لا سلطة لها عليه.

وأشارت لوموند إلى أن السودان، أمام الأمر الواقع، اضطر إلى اتخاذ إجراءات احترازية -كما يقول مدير سد الروصيرص عبد الله عبد الرحمن- وأنهم أطلقوا كميات أقل من المياه، بعد أن كانوا يفتحون بوابات الفيضان للسماح لجميع مياه الأمطار بالمرور في اتجاه مجرى النهر، مما يعني وجود عجز في إنتاج الطاقة الكهرومائية في البلاد، وذلك بسبب التهديد الذي يمثله سد النهضة، حيث “توجد 74 مليار متر مكعب من المياه مخزنة على بُعد 100 كيلومتر من هنا ولا ندري كم سيصل إلينا منها ولا في أي وقت. ليست لدينا معلومات سوى ما نقرؤه في الصحف. نحن في المجهول”.

فرصة ضائعة

وتذكر السلطات السودانية حادثة يوليو/تموز 2020 عندما شرعت إثيوبيا دون سابق إنذار في المرحلة الأولى من ملء خزانها، فانخفض مستوى النيل الأزرق حتى أثر على الإنتاج وتسبب في نقص المياه لمدة 3 أيام في العاصمة، ولذلك “نحن بحاجة إلى تخزين كميات كافية من المياه -كما يقول عبد الرحمن- في حالة توقف الإمداد فجأة”.

بعد شهر واحد من هذه الحادثة، مر السودان بفيضانات غير مسبوقة أودت بحياة حوالي 100 شخص ودمرت أو ألحقت أضرارًا بأكثر من 100 ألف منزل، وقد كان من الممكن، بل وكان ينبغي تجنب ذلك بالتنسيق والحوار، إذ يقول مصطفى الزبير، مدير اللجنة الفنية لإدارة المياه وعضو فريق التفاوض السوداني “كان بإمكان الإثيوبيين إنقاذنا لو أخروا التعبئة الأولى أو أتموها على مراحل”.

ولأن التعاون بين الجيران أمر حيوي، ذكرت لوموند أن السودان “أظهر منذ بدء المفاوضات أنه موافق على بناء السد الإثيوبي”، لأنه يرى فيه فرصة على المدى البعيد لتوليد الكهرباء الرخيصة وللسيطرة على موارده المائية، ويقول المهندس الزراعي عزت طاهر “إن سد النهضة سيفيد الزراعة السودانية”.

ومع أن سد النهضة يمكن أن يفيد الاقتصاد السوداني المتداعي، فإن الخرطوم تطلب اتفاقا ملزما لوضع أحكام فنية معينة على الأقل، إذ يقول وزير الري السوداني ياسر عباس “من المُلح أن نحصل على معلومات هيدرولوجية من المنبع لتشغيل منشآتنا بأمان”، ولكن إثيوبيا ضدها كما تقول لوموند.

وبحسب ياسر عباس، تمت تسوية 90% من الخلافات الفنية خلال المفاوضات، إلا أن “التسييس المفرط للقضية يعقّد المهمة ويدفعنا بعيدا عن الحل”، مشيرا إلى أن “السودان لن يستخدم إلا الوسائل السلمية والقانونية والدبلوماسية”.

واعتبرت لوموند أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أخطأ عندما لم يعط الأولوية لعلاقته مع نظيره السوداني عبد الله حمدوك، وفوّت فرصة مواتية ودون مشاكل، لاستكمال هذا المشروع الذي جعلت منه إثيوبيا حجر الزاوية في تنميتها، والذي سيوفر الكهرباء لثلثي سكانها البالغ عددهم 115 مليون نسمة، بعد استثمار أكثر من 4.6 مليارات دولار.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!