عزيزة علي

عمان- ترى الناقدة الدكتورة عالية صالح أن سرديات مدينة القدس هي كتابة مواجهة ومقاومة، وتمثيل ابستيمولوجي واجتماعي وسياسي، وهي شاشة كبرى تُظهر واقع الاحتلال وأنماط معايشة الناس لهذا الواقع.
وتشير صالح في مقدمة كتابها “تمثيلات القدس-دراسات في الرواية العربية في ضوء البلاغة الحديثة”، الصادر عن دار الصايل للنشر والتوزيع، الى ان كتابها يقدم روايات عدة عملت على تمثيل العوالم الممكنة لفضاء مدينة القدس ببلاغة تجعل القارىء ينخرطُ فيها عقلاً ووجدانا، ممررة أفكارها وقيمها عن طريق الكنايات والاستعارات والتقابلات وغيرها. مشابكة الأصوات وموصلة أفكارا وايدلوجيا.
وتوضح المؤلفة ان الروائيين قدموا القدس في أبنية بلاغية فاعلة على مستوى الرؤية والأداة، قدموها مكانا وهوية متنازع عليها، مظهرين كيانها الاجتماعي، ومعبرين عن مقوماتها الثقافية وقيمها الأخلاقية والجمالية، سكانها الأصليون واعون على تميز القدس عند كل أتباع الديانات الثلاث، تهوي إليها أفئدتهم، وتمثل لهم خصوصية وتجليا وعبقرية، ووطنا للعيش ووطنا للروح، واعين كونها وطنا خاصا وعاما في الوقت ذاته، وطنا خاصا لساكنيها، ووطنا عاما لزائريها، وبتوافق الخاص والعام تشكلت هوية القدس، هوية فاتحة ذراعيها لكل البشر دون تمييز.
وتقول الصالح إن الرواية هي عبارة عن تمثيلات بلاغية لصيقة بالحياة، ولا يمكن الحديث عن البلاغة بمعزل عن الحياة. وإذا كانت كلمة “الحياة” تحيل على معان متعددة، منها: العصر، والبيئة، والذات، وروح الإنسان، والحرية، فالباحث معني باستجلاء البلاغة الممثلة للقيم الإنسانية الجمالية الرفيعة.
وترى المؤلفة أن التحليل البلاغي لا يتوقف عند وضع القواعد والتحديدات والإحصاء والوصف الكلي، بل يتعدى إلى مقدار التمثيل الحيوي القيمي. فلا قيمة للظاهرة البلاغية دون ارتباطها بما تولده من فكر ومعنى، فهي ليست ظاهرة جمالية معزولة عن سياقها الاجتماعي والسياسي والثقافي.
وتتحدث صالح عن أنواع التنكيل الذي يمارسه الاحتلال لمعاقبة المقاومين من خلال سجنهم والتنكيل بهم، وتغيير معالم هويتهم الجسدية، وتغيير هوية إقامتهم في أمكنة جبرية هي السجن.
وتشير الى ان الاحتلال غير هوية المساجد والكنائس وأعطاها هويات جديدة: اصطبلات، ملاه، مطاعم. وهويات مكانية جديدة: مستوطنات محت هويات قرى عربية تم تدميرها.
وتؤكد المؤلفة أن للقدس هويتها المعرّفة لكل الأديان؛ فلها هوية معمارية تكشف عن العراقة والتنوع والجمال، وهوية اجتماعية تبرز التآخي والتعايش الحميم بين الناس، لافتة الى ان الاحتلال الصهيوني ينتهك قداسة القدس، ويفرض عليها وعلى سكانها أجواء مشحونة بالضيق والقهر والقمع والمنع، أجواء تحتاج إلى تمثيل بلاغي يعبّر عن المأساة التي حلت بالقدس، لذلك يجب علينا كشف ما يقوم به هذا الاحتلال من تزوير لهويّة القدس”المكان”.
وخلصت صالح الى انه منذ العام 1948 وما قبله عمل المحتل الصهيوني على تهويد القدس ولتحقيق ذلك؛ وُجه الإعلام الصهيوني القدس بأنها عاصمة أرضهم الموعودة. ما جعل الأدباء الصهاينة، بعد احتلال فلسطين العام 1948، يتخذون القدس أيقونة مركزية في أعمالهم الإبداعية من شعر ونثر ومسرح. وعمل الأدباء الوافدون من لغات وثقافات وقوميات مختلفة على توظيف أساطيرهم التوراتية في الأبنية الروائية، ليتمّ التعاملُ مع القدس بيئة مقدّسة لليهود ويُنزع عنها أيُّ وجودٍ عربيٍّ، إسلاميٍّ تحديداً، ليحلّ مكانَه أبطالُ أساطير العهد القديم.