يبدو أن الانفتاح الهائل الذي جلبته لنا الحضارة الحديثة، والتقدم العلمي والتقني المذهل لم يتوقف أثره على المنافع فقط، وإنما تجاوزها إلى المضار بل والمصائب..
الطفرة في وسائل التواصل الاجتماعي كان من تأثيرها أنها سهلت سبل الاختلاط بين الشباب والشابات، ومكنت الكثيرين من نصب الشباك وحوك المؤامرات، وما تزال الأيام تأتي لنا بالفاجعة تلو الفاجعة، والمصيبة بعد أختها.. ولا تزال كثير من بناتنا مخدوعات على رغم كثرة ما يمر بأسماعهن من المآسي.
قصة أخرى يرويها أحد المشايخ الكرام وهو يجيب على سؤال من إحدى الشابات تبحث عن حل لمشكلة إحدى صويحباتها التي وقعت فيما حذرنا منه مئات بل آلاف المرات، وكتبنا فيه وحوله كثيرا من القالات. فجاءت تلطم خدها، وتسفي التراب فوق رأسها:
يقول الشيخ خالد الرفاعي:
لا جديد مع الأسف أيتها الابنة الكريمة في قصة صديقتك، إلا في أشخاص القصة، أما الحكاية فقديمةٌ متكررةٌ من أزمان متباعدةٍ في كل عصر؛ أنَّ فتاة ساذجةً تُصَدِّق وغدًا خبيثَ النفس، وتخرج معه دون علم أهلها، فيسلبها عفتها، ثم يولي هاربًا، ويَظُنُّ – قاتله الله – أنه فلت من عقاب الله تعالى، وكلا واللهِ فكل إنسان مجزيٌّ بعمله.
قضى الله أن البغي يصرع أهله … … وأن على الباغي تدور الدوائر
ولا يملك الإنسانُ في مثل هذه المواقف إلا الاسترجاع، وصِدْق الضراعة إلى المنتقم الجبار، أنْ يصبَّ جامَّ غضبه على ذلك الظالم، ثم يعتبر بالحكاية مَن أراد الله به الخير، وتمضي سادرةً في غيِّها كلُّ حمقاء لا تعتبر ولا تصدق الكبار ونصائح الأهل والمصلحين في كلِّ زمانٍ حتى تقعَ في الفخِّ، فتندم حينها ندامة الكُسَعِيّ، ولا عزاءَ حينها للمُغَفّلات مِن الفتيات اللاتي وضعن الثقة في غير مَوْضِعها.
والحاصلُ أنَّ قصة صديقتك نفس القصة القديمة مع كل فتاةٍ ألْقَتْ زمام أمرها لذئبٍ حقيرٍ بشريٍّ مُستهتر بالأعراض، لا يراقب ربًّا، ولا يَرْعَى حُرمة، والله الموعد، وهو القادر سبحانه أن يحيطَ به من أركانه الست، وتظلم حياته هو وأمثاله.
لا عذر للمخدوعات
ولكن كيفما قلنا، فلا عذر لصاحبتك؛ فهذا الوغدُ وأمثاله مهما بلغ فجوره، فلا يتمكَّن مِن كل ما كان حتى تتساهلَ الفتاة، وهذا ما فعلتْه صديقتك، فخرجت معه مِن دون علم أسرتها وسافرتْ، وبدهي أنها دخلتْ معه أحد الشقق برغبتها، والعجيبُ أنها أحداثٌ مُتكررةٌ بنفس العبارات في المسلسلات العربية التي ترَبَّى عليها الصغيرُ، وشاب عليها الكبيرُ، إلا مَن رحم الله تعالى، فلْتَلُم نفسها، فمنها أُتِيت، ويداها أوكتا وفُوها نفخ ونفسُها الجاني، فعلامَ الصراخ؟ وقال تعالى: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ)[آل عمران: 182].
حُكي في كُتُب الأدب أن قومًا خَرَجُوا إلى الصيد في يوم حارّ، إذ عَرَضَتْ لهم أم عامر، وهي الضبع، فطَرَدُوها حتى ألجؤوها إلى خباء أعرابي، فاقتحمتْه، فخرج إليهم الأعرابي، وقال: ما شأنكم؟ قالوا: صَيْدُنا وطَريدتنا، فَقَال: كلا، والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت قائم سيفي بيدي، قَال: فرجَعُوا وتركوه، وقام إلى لقحة فحلَبَهَا وماء فقرب منها، فأقبلت تَلِغ مرة في هذا ومرة في هذا، حتى عاشتْ واستراحتْ، فبينا الأعرابي نائم في جَوْف بيته إذ وثبتْ عليه فبقرتْ بطنه، وشربت دَمَه وتركته، فجاء ابن عم له يطلبه، فإذا هو بَقِيرٌ في بيته، فالتفتَ إلى موضع الضبع فلم يرَها، فقال: صاحبتي والله، فأخَذ قوسَه وكنانته واتبعها، فلم يزلْ حتى أدركها فقتلَها، وأنشأ يقول:
ومن يصنع المعروف مع غير أهله .. .. يلاقي الذي لاقى مجير ام عامر
أدام لهــا حـين استجــارت بقــربــه .. .. لهــا محــض ألبان القاح الدرائر
وأسمـــنها حتى إذا مــا تكـــامـلــت .. .. فرتـــه بأنـيــاب لهـــا وأظــافــر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من .. يجود بمعروف على غير شـــاكر
فإذا كان هذا في صُنع المعروف في غير أهله، فكيف بِمَن فعل ما يضاد المعروف مع أصحاب طباع السوء والخيانة؟
فعلى كل فتاة مسلمة تطيع ربها وتحب نبيها، وتخاف على عرضها وشرفها وسمعة أهلها أن تتعظ وتأخذ العبرة من غيرها قبل أن تعض أنامل الندم، وتبكي دما وتندم ولات حين مندم، وقد قيل قديما “على نفسها جنت براقش”.