روتين الحياة اليومية اصبح يتسارع مثل عقرب الثواني في الساعة, وربما اسرع فهو كالسهم الخاطف او الاعصار الذي اصبح يدهس كل دقيقة ولا يبقي لنا وقتا ولا برهة لنتنفس او نرتاح. تتزاحم على عقولنا مشاهد ومشاهد واخبار ومستجدات وهموم ومسئوليات فيجد الانسان نفسه مستهلك تماما في صحته واعصابه وحيويته وكأن بطاريات عقله وراحة باله فارغة. حتى ساعات النوم طالها القلق والتوتر فيجد الانسان الف سبب يدخل عليه القلق اثناء نومه سواء اصوات عالية وتلوث سمعي من زحام الشوارع الذي يدخل حتى غرفة نومه او همومه التي لا تفارقه حتى على السرير او رنات جهازه الهاتفي النقال التي لا تتوقف الا باضطرار الانسان لغلق الجهاز وقت النوم.
وفي بلادنا العربية بالذات طوال العامين الماضيين ازداد الضغط العصبي والتوتر نتيجة للاحداث السياسية الكبيرة التي تمر بها بلادنا والتغييرات والتوتر الكبير الذي تشهده المنطقة ككل مما ادي لوضع غريب ومستجد على اهلنا وشبابنا فاصبحت مشاهد الدمار والقتل والمظاهرات التي كنا نشاهدها في شاشات التلفاز فقط امامنا وامام اعيننا في الشوارع التي كنا نمرح فيها ايام الطفولة, فأدخلت علينا هذه المستجدات القلق والتوتر الى البيوت اكثر واكثر. تغيرت الحياة وتغير اسلوب المعيشة في بلادنا وفي العالم كله, تأثرت الحميمية التي كانت تترابط بها الاسر منذ ربع قرن فقط وتحولت العلاقات الى علاقات افتراضية على الانترنت وهي مهما كانت درجة قوتها تظل اضعف كثيرا من العلاقات التي كانت تربط بيننا وبين الناس في الواقع الحقيقي الملموس.
توتر المجتمع وتوتر الفرد
والتوتر حالة نفسية وجدانية وسطحية أي تصيب نفس الانسان من الداخل ولكنها تظهر على السطح ويعبر عنها الانسان بشكل واضح فتظهر في عصبيته امام الامور التي يواجهها, وتظهر في حركته الزائدة الملحوظة وتظهر في هزات لقدميه بقوة اثناء جلوسه او في عض الشفاه او في قرقعة العظام والاصابع او في قضم الاظافر وغيرها, لعل هذا هو السبب في استخدام المدربين في ملاعب كرة القدم اثناء المباريات المصيرية للبان حتى يمتص التوتر الذي يعانون منه في هذه اللحظات الصعبة. والتوتر قد يصيب مجتمع بأكمله اذا كان يتعرض لنفس المؤثرات العامة التي تصيب بالتوتر والقلق مثل وجود مواجهة للمجتمع ضد عدو خارجي او عدو داخلي مثل جماعات ارهابية مثلا او مكافحة الدولة لعدوى مرضية, لذلك التوتر قد يصيب الشخص الفرد وقد يصيب المجتمع بأكمله, وقد يصيب طائفة محددة من المجتمع اذا كان هناك شيئا ما يسبب لهذه الطائفة قلقا ما.
التوتر عدو التركيز
والتوتر مشكلته مع الانسان او حتى مع المجتمع هو عدم انسجامه مع التركيز على الحقيقة, فالتوتر يصيب الانسان بعدم ادراك الحقائق وتشتت افكاره, فتجد الانسان يرى الامور من منظور ثابت غير مرن ولا يفكر في الامر من الزوايا المختلفة له وبالتالي يعاند ويدافع عن فكرة لمجرد انه مقتنع بها ولا يود الاقتناع بسواها. ومشكلة التوتر ايضا انه يغيب العقل وكأنه مخمور بكل اسف فالانسان يركز طاقته في الكيفية التي يصرف فيها كل هذه الشحنات من التوتر والقلق وبالتالي لا ينشغل بشكل صحيح بالمشكلة او الامر الذي يهتم به وهنا تكمن المشكلة, ولذلك يعاني الطالب المتوتر جدا في فترة الامتحانات.
الطالب والتوتر
التوتر في فترة المذاكرة والتحضير قبل الامتحانات ينقص كثيرا من القدرة على التركيز واختزان المعلومات التي يريد الطالب حفظها في الذاكرة, ويقلل كثيرا من قدرته الايجابية على التحصيل ويزيد من سيطرة الافكار السلبية والمشاعر السلبية من قلق وتوتر على الطالب ولذلك فننصح كل طالب في فترة الامتحانات بالنوم مبكرا والالتزام بالهدوء قدر المستطاع والبعد عن كل ما يسبب القلق والتوتر له فننصحه بالابتعاد عن متابعة نشرات الاخبار والبعد عن التفكير في احتمالية الفشل في الحصول على الدرجات التي يطمح اليها والتركيز فقط على المذاكرة بصدر منفرج وارادة قوية وتوكل على الله.
التخلص من التوتر
طرق عملية في كيفية التخلص من التوتر والاساليب الامثل وخطوات اذا التزمنا بها نستطيع بسهولة ان نتخلص تماما من الاثر السلبي للتوتر ونصبح قادرين على تجاوز اثره والانطلاق بهدوء وبلا اي قلق لتحقيق النجاح.
- أولا: من المهم ان تغير طبيعتك العصبية في حالة اذا ما شعرت بالضغط العصبي والتوتر, وهذا نشرحه بسهولة ان تغير حتى من وضعيتك التي تجلس فيها فاذا كنت واقفا اجلس واسترح, واذا كنت جالسا وتتحدث بعصبية قف وتمشي قليلا في الخارج. والافضل ان تغير بيئتك العصبية نفسها في هذا الوقت أي تغير المكان نفسه وتخرج عنه وتفكر في موضوع اخر غير الذي كنت تتحدث عنه, وتهتم بالحديث مع اشخاص اخرين وهكذا. والتغيير في بيئتك العصبية هذا دوره طبقا لما تقول به الابحاث انه يغير امام حواسك الخمسة كل المثيرات العصبية التي كنت تشعر بها وقت التوتر والضيق وبالتالي يبدأ المخ في تلقي اشارات جديدة مختلفة عن الاشارات الاولى, وبالتالي يبدأ في ترجمتها بشكل مختلف يتناسب معها وياحبذا لو كان المكان الجديد فيه اشياء محببة للنفس مثل ان يكون مكان مفتوح امام البحر او امام مشهد بديع وهذا ما يفسر لنا بكل وضوح لماذا يسعد الانسان ويرتاح عندما يجلس امام البحر او في حديقة خضراء واسعة.
- ثانيا: شعورك بالمنافسة الايجابية شئ جيد للغاية, لكن الشعور الدائم بالمنافسة الشرسة مع الاخرين في اثبات صحة ما تراه وصحة ما تعتقده شئ في منتهي الخطورة فهو يدخلك في دوامات من التوتر والقلق بشكل دائم, فاسترح قليلا ولا تتورط دائما في حلبات للمنافسة حتى لا تتعود على هذا الرتم المضطرب واقتنع انك تستطيع ان تحقق النجاح بدون منافسة احد ويمكنك ان تحول شعورك بالمنافسة مع الغير لنوع من الثقة في اثر التعاون الايجابي على كل منكما. وادعم بداخلك النزوع عن فكرة الفردية ودعم فكرة الفريق دائما فهي الانجح والافضل. وهذه الفكرة هي التي وعاها الغرب المتحضر وبدأ في تطبيقها في كل المجالات ووجدها سببا في انتاج افضل وكفاءة اعلى, ومازلنا نحن نعاني من الفردية في كل شئ بكل اسف.
- ثالثا: حول مشاعرك السلبية الى قدرة ايجابية وتخلص بنفسك من التوتر والقلق والاضطراب, ابدأ بالاشتراك حالا في نشاط خيري تقوم من خلاله بمساعدة الناس الذين يحتاجون للمساعدة ولو بشئ بسيط, فستشعر بكل تأكيد انك تخلصت من التوتر وبدأت تشعر بالسعادة. فالقيام بمساعدة الاخرين من مرضي او اطفال ايتام او مسنين او فقراء ومساكين وغيرهم تدخل عليك الشعور بالرضا عن الحال وتجعلك تقدر حجم النعمة التي انت فيها وحرم غيرك منها, فتجد في نفسك شعورا كبيرا بالسلام الداخلي والهدوء وهذا يعاكس تماما فعل التوتر والقلق الذي قد نعاني منه في كل الاوقات. ومن المهم ان تقوم المؤسسات نفسها بهذا الموضوع بحيث ينضم الفرد الى هذه الانشطة بسهولة ويجد من يشجعه عليها ويقدر فعله ويدعمه
- رابعا: نظم وقتك وتعلم كيفية ادارة الوقت, ابدأ عملك وانت مدرك تماما ما هو المطلوب بالحاح وما هو تستطيع ان تقوم به بعد ذلك وما هو ممكن ارجائه لاخر الوقت, بذلك انت تقلل حجم التوتر الذي يصيبك بسبب احساسك بضغط المسئوليات التي تحملها فوق عاتقك. قارن جيدا بين ان تبدأ عملك بدون تنظيم للوقت فتجد نفسك مشغولا ومتوترا بكم العمل المطلوب منك ان تنجزه, وبين حالك عندما تبدأ يومك بتنظيم وقتك وعملك فتجد انك تعمل في هدوء ولا تعاني من اي توتر او قلق.
- خامسا: لا تقلل من حجم نفسك وقدر نفسك جيدا, لا تتوقع ان يهتم بك الناس ويقدروا عملك قبل ان تقدر انت نفسك اولا, لا تقلل ابدا من حجم انجازك بل من الواجب والضروري ان تسعد بذلك وتتحدث عنه بكل تواضع ولكن بكل اعتزاز. تصالحك مع ذاتك يبعث في الكون طاقة ايجابية تحميك من التوتر والقلق وتدعم ثقتك بنفسك. الفكرة هنا تكمن في ان التوتر جزء كبير من سبب وجوده هو ضعف ثقة الانسان في نفسه وفي قدراته فالطالب متوتر لانه قلق من عدم قدرته على اجتياز امتحان, والعامل متوتر لعدم ثقته في القيام بعمله خير قيام, اما الثقة بالنفس وتقدير الذات هي الباب الذي يأخذك للتخلص من الاثر السلبي لهذا القلق والتوتر تماما والاهم انها لا تتعدي مرحلة الثقة ولا تتجاوز لتصبح غرور.
يمكنك قراء ايضاً :
- كيف تتخلص من التوتر ؟ طرق وأساليب التخلص من التوتر
- كيف تتعامل مع كثرة المسؤوليات وكيف تتخلص من الضغوط ؟
- الافكار السلبية : كيف تتخلص من الافكار السلبية والمشاعر السلبية
- الاكتئاب او الحزن المصطنع : كيف نتخلص من الاكتئاب ؟