عزيزة علي

عمان – قال الروائي السعودي عبده خال “إن الطفولة هي الخزان الحقيقي للروائي، الذي يبقى ينهل منه طوال حياته، محاولاً تقديم تفسيرات متعددة لكينونته”.
وأضاف خال، في المحاضرة التي حملت عنوان “العودة إلى أحجية الطفولة”، وأدارتها الروائية الأردنية سميحة خريس “عشت 5 سنوات في قريتي، إلا أني خرجت منها وأنا أحمل أكثر من مائة أسطورة، وعندما كبرت وجدت أن تلك الأساطير التي أحملها هي من أعمدة الإرث الإنساني الحكائي”.
ووصف خال “الكلمة”، بأنها “النقيض وضده”؛ حيث جاءت ملونة الوجود، كلمة سفحت كل الألوان مانحة ذاتها “المعنى والصوت واللون”، وتنبهنا لكيفية خروجها ومتى تقال ومعناها ولم يتنبه أحد أن لكل مفردة لونها الخاص، ومع تنوعها تنوعت ألوانها.. كان هذا التميز والتفرد حاضرا في القرآن؛ إذ لا توجد فيه كلمة مترادفة فكل كلمة متفردة بذاتها وبلونها الخاص.
وتابع خال حديثه حول “الكلمة”، قائلا “ظلت تتوالد عبر العصور تمنحنا معانيها وألوانها وكنا غافلين عن بهجة ألوانها.. نقطف المعنى ونسمع الصوت ونغفل عن لون بشرتها، فاللون حد فاصل بين الكلمة والأخرى، فكما كانت ألوان البشر تصنيفا وذات دلالات عديدة، جاءت الكلمات تحمل ألوانها لتخلق دلالاتها اللونية وتقوم بدور الحد الفاصل ما بين المفردة ومثيلاتها”.
وعن روايته “ترمي بشرر” الفائزة بجائزة البوكر، قال خال “ترمي بشرر رواية محظوظة كونها فازت بجائزة عالمية، لكنها ليست الأفضل بالنسبة لي، فكل رواية كتبتها أحبها وأحب شخصياتها وأحزن عندما أنتهي من كتابتها”.
واعتبر خال أن للكتابة متعة ذاتية ورغبة داخلية تتحول إلى محاولات استرجاع ماض، فلا يستطيع كاتب أن يقول كيف أو لماذا يكتب، فلحظة الكتابة هي أشبه بلحظة العاشق لامرأة، هي تتدلل عليه في ظهورها واختبائها وهو يبقى واقفا تحت نافذتها ينتظر أن تطل عليه.
وبين خال أن هاجسه الأوحد هو إخراج الشخوص من المناطق القلقة والمحرمة، التي لا يرضى عنها المجتمع، لتعبر عما تريد من دون خوف أو قلق من هذه المحرمات التي يفرضها عليها واقع اجتماعي وسياسي وديني مؤقت.
وخلص خال إلى أنه حين تهطل علينا مفردة الموت سوداء معتمة لا نجد لونا لما بعدها لغيب التجربة.. فالموت مفردة أغلقت أبوابها بدوننا ولهذا كانت ألوان ما بعد الموت محمولة بمعرفتنا الدنيوية من خلال مفردات ملونة ومتسعة باتساع الخيال.
وبدورها، قالت خريس خلال تقديمها المحاضرة “عبده خال يعد من أبرز الروائيين الذين يحتلون صدارة الحركة الروائية السعودية، وما يميزه عن الآخرين أنه صاحب مشروع يسعى إلى أن يكون متكاملا من ناحيتي السرد والبحث في الذاكرة الشعبية”.
وأشارت خريس إلى أنه في العام 2015، رمى خال في البحيرة العربية الراكدة، روايته “ترمي بشرر” السعودية، إلا أن الرواية التي حازت على جائزة البوكر كانت بداية الالتفاف الواسع لتجربة خال، فأعماله السابقة التي صدرت في السعودية شكلت حالة مختلفة ونشرت في دور نشر في بيروت وألمانيا ولندن، فظلت في نطاق تناول شريحة المثقفين العرب.
ورأت خريس أن خال فتح بابا على البوح الجريء قبل أن تنهمر موضة روايات المكاشفة، وكان عليه أن يدفع ثمنا فادحا ويتلقى اتصالا من كل صوب وحدب، ومضى وحيدا في ذلك الدرب قبل أن تفتح كتاباته الجريئة الباب للكتابة التي تتبع تلك المدرسة، إعجابا أو تقليدا أو بحثا عن الشهرة أو تماشيا مع المتغيرات بالمجتمع السعودي.
وتابعت خريس حديثها عن خال والإشكالية التي صنعتها كتاباته التي أدهشت النقاد الذين لم يعرفوا كيف يحاكموا نصه فلا هو الكلاسيكي المتعارف عليه، ولا التجريبي الذي ينفض عنه ثوب التقليدية، لافتة الى أن خال وقع تحت أضواء الإعجاب، في الوقت نفسه الذي يحارب فيه تغول الفكر المنغلق، وأحرجت كتابات خال النقاد فهم لا يعرفون اذا كان عليهم الاعتراف به أم إنكاره، أما هو فقد استمر يكتب.
وخلصت خريس إلى أن خال واحد من قلة من المبدعين الذين تشبه أعمالهم شخصياتهم فهو الذي يرفع صوته طلبا للتجديد، في زمن كان فيه التجديد تجديفا، وهو الذي يواجه بجسده النحيل هجوم جهات كثيرة متسلطة وقادرة، كما كان له في كل تفاصيل الحياة آراء مخالفة للسائد.