نتابع معكم توضيح بعض المحاور التي تسببت بتفريط بعض الناس في الصلاة، ومن أولها الجهل بمكانة الصلاة وأهميتها.
فمن صور الجهل أيضاً عدم معرفة أحكام الصلاة في وسائل السفر، كالجهل بأحكام الصلاة في الطائرة أو السفينة أو القطار، فلا يدري أغلب هؤلاء أيصلي في الطائرة مثلا أم لا، وكيف يصلي في هذه الحالة.
الحواجز الكثيرة التي تحول بين تاركي الصلاة وبين مصادر تعلم الدين والتأثر بمواعظه:
وهي كثيرة، مثل الأغاني والمسلسلات والأفلام التي تسرق الأوقات، ويؤدي إدمان مشاهدتها إلى بلادة الحس، وضعف الإيمان، وذهاب طاقة العقل فيما لا ينفع، فإذا جاء وقت الصلاة كانت ثقيلة على النفس، وقد نهانا الله – تعالى – عن مثل تلك الحواجز التي تصد عن الصلاة فقال – سبحانه – عن الخمر والميسر: “إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ” [المائدة: 91].
ومن الحواجز التي تحول بين تاركي الصلاة وبين إقامتها عدم مراعاة نظام الحياة في المجتمع لإقامة الصلاة، ففي أغلب المجتمعات لا تُراعى أوقات الصلاة ولا تدخل في حساب أصحاب العمل، أو المخططين في بناء المؤسسات، أو المشرفين على إقامة المؤتمرات أو الحفلات أو المهرجانات أو البرامج، فهناك كثير من المنشآت الكبيرة كالمصانع البعيدة، أو الجامعات، لا يوجد بها مساجد، وإنما يجتهد بعض الناس في تجهيز بعض الأماكن الصغيرة لتكون مصلى، في حين أن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ حينما قدم المدينة كأن أول عمل قام به هو بناء المسجد.
ويشتكي كثير من العمال في الورش والمصانع الصغيرة والمحلات التجارية لرفض أصحاب الأعمال خروجهم لصلاة الجماعة، أو ضيق بعضهم ممن يصلي في العمل، ويردد أصحاب العمل لهم كثيراً عبارة “العمل عبادة” ليثنوهم عن الذهاب لصلاة الجماعة في المسجد، وكأنهم يحبون أن يتصفوا بصفة أبي جهل الذي كان ينهى الرسول _صلى الله عليه وسلم_ عن الصلاة، فقال الله – تعالى – عنه: “أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى{9} عَبْداً إِذَا صَلَّى{10} أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى{11} أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى{12} أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى{13} أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى{14}” سورة العلق.
الضعف الذي طرأ على دور الأسرة في تربية الأبناء على الصلاة:
أما دور الأسرة في تربية أبنائها على الصلاة، فهو لدى فئات كثيرة من المجتمع غير موجود، وإلا لما وجدنا ذلك الإهمال والتفريط الكبير في الصلاة لدى كثير من الشباب، مع أن الله _تعالى_ حمل الأسرة مسؤولية تربية أبنائها على الصلاة بتكليف صريح، فقال – تعالى -: “وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى” [طه: 132]، وأمر الرسول _صلى الله عليه وسلم_ الأسرة أمراً واضحاً بتعليم أبنائها الصلاة، فقال _صلى الله عليه وسلم_: “مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين”، أخرجه أحمد. ولقد كان من حرص إبراهيم _عليه السلام_ على تربية أسرته على الصلاة أنه كان يدعو الله _تعالى_ لهم أن يكونوا من المحافظين عليها، ليس هم فقط بل هم وذريته من بعدهم، قال – تعالى – حكاية عن إبراهيم _عليه السلام_: “رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء” [إبراهيم: 40].
ولكل فئة من فئات المجتمع أسبابها في إهمال التربية على الصلاة، فهناك أسر تهمل بسبب الجهل، أو بسبب الثراء لكثرة ما يقدمونه لأبنائهم من ملهيات تسرق كل أوقاتهم وطاقاتهم، فلا يتوافر للأبناء الجو التربوي اللازم ليتعودوا المحافظة على الصلاة. وهناك أسر تهمل تربية أبنائها على الصلاة بسبب أنها هي نفسها لا تصلي، وقد تعرض دور الأسرة إلى مراحل كثيرة من التحطيم، لأسباب كثيرة، منها كثرة المؤثرات الخارجية كالقنوات الفضائية، ومقاهي الإنترنت، ومنها ظهور وسائل الاتصال الحديثة التي توقع بعض الشباب في انحرافات تلهي عن إقامة الصلاة، ولهذا كله أثر سلبي أدى إلى ضعف دور الأسرة في تربية أبنائها على الصلاة.
محاربة النظم العلمانية للدين:
وهذا واضح وبيّن في عدد غير قليل من الدول التي ينتهج نظامها النهج العلماني، ويتكئ على قضية محاربة الإرهاب والتطرف ليحارب كل ما يمت للتدين بصلة، فكثير من الناس في بعض هذه الدول مثلاً يخافون من ارتياد المساجد، حتى صار بعض الشباب ينفر من المساجد، أو ينفره أهله خوفاً عليه؛ لأنه يعرف أن ارتيادها قد يؤدي لاعتقاله لمجرد الاشتباه في انتسابه لجماعة دينية. في تركيا مثلاً – كما ذكر بعضهم هناك – أن الصلاة في معسكرات الجيش لا يسمح بها، ولمخابرات الجيش أساليب لمعرفة المصلي من غير المصلي، منها التواء البنطلون في موضع الركبة بسبب الجلوس للتشهد.
وفي الجامعات في بعض الدول يعرف بعض الطلبة أن هناك من يتجسس عليهم ليعرف من يرتاد المسجد بانتظام، ومن ثم يكتب في تقريره أنه من المنتسبين للجماعات. حتى في السجون، والتي توضع على أبوابها في بعض البلاد عبارة السجن إصلاح وتأهيل، لا تتوفر فيه النظم الإدارية أو المكانية التي تيسر للموجودين فيه الصلاة بيسر، هذا فضلاً عن المعتقلات المعدة للتعذيب، وليست هذه النظم ببعيدة عما كان يفعله فرعون بموسى عليه السلام وقومه، حين كان يمنعهم من الصلاة ويخوفهم حتى أمرهم الله _تعالى_ بالصلاة في بيوتهم سراً، قال _تعالى_: “وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ” [يونس: 87].
دور الدعاة المأمول:
لا شك أن الدعاة يقومون بدور كبير في توعية الناس بأهمية المحافظة على الصلاة، ولكن الحديث هنا عن فئات لا يصلها صوت الداعي، أو لا تؤثر فيها أساليب الدعوة المعتادة، وهي فئات عريضة من الناس، وبناء على ما سبق ذكره من أسباب فإن الجهود ينبغي أن توجه إلى هذه الفئات على نطاق واسع، ويكون هناك سعي حثيث لإزالة العقبات من أمامها وحل مشكلاتها لتقيم الصلاة، لا أن يقتصر الأمر على الموعظة والترهيب والترغيب فحسب، وهذه بعض المقترحات لمعالجة هذه المشكلة:
– الاهتمام بالمناطق الشعبية، والأسواق، والقرى والأرياف، وتجمعات الشباب، والتجمعات الصناعية؛ لأن هذه الأماكن هي التي يقع فيها التفريط في الصلاة بين الناس أكثر من غيرها.
– معرفة أسباب التفريط في الصلاة لدى الفئة التي يتوجه إليها الداعية، ومحاولة معالجتها، والبحث عن الحلول الشرعية لهم، واختيار الوسائل المناسبة في دعوتهم وتعليمهم.
– تصحيح المفهومات لدى الناس فيما يتعلق بالصلاة ومكانتها في الإيمان ومنزلتها في الدين، وبيان أهميتها في استقامة الفرد، وفوائدها الإيمانية والتربوية والاجتماعية، ودورها في بناء الشخصية الصالحة وبناء المجتمع القوي.
– تفعيل دور الفرد في الدعوة إلى الصلاة، وأهمية قيامه بدعوة المحيطين به في المجتمع إلى الصلاة؛ بدءاً من الأسرة، إلى زملاء الدراسة أو العمل أو الجيران.
– نشر فقه الصلاة، والتركيز على الجوانب العملية المرتبطة بأحوال الناس في حياتهم اليومية، وإزالة العقبات التي تواجههم في إقامتها.