على خلفية قرار محكمة العدل الأوروبية الذي ينتقص من السيادة المغربية على كامل ترابه: لابد من العودة إلى دروس التصويت على موركو 2026 ولا بديل عن تقوية الجبهة الداخلية و إحياء حلم المغرب الكبير

د. طارق ليساوي

و عدت القراء الكرام في نهاية مقال ” الحرية بنظري أولى من الخبز.. إليكم الأسباب” بتخصيص مقال منفصل أحلل فيه أبعاد التصعيد الجزائري، وكيف ينبغي للمغرب مواجهة هذه الهجمة الشرسة على مصالحه وأمنه القومي ووحدته الترابية ، فبموضوعية شديدة بعض مواقف الجزائر في الفترة الأخيرة، كان فيها تعسف شديد و مجانبة للصواب بحق المغرب… وقد تلقيت بالأمس دعوة لإجراء مقابلة على قناة فضائية عربية بغرض التعليق على قرار محكمة العدل الأوروبية بإلغاء اتفاقيتين تجاريتين مع المغرب تشملان منتجات من الصحراء…فقد قضت يوم الأربعاء 29 شتنبر 2021 ، محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ بإيقاف سريان الاتفاقات التجارية المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب والتي تشمل منتجات زراعية وسمكية ، بسبب أنه تم إبرامها بدون قبول سكان منطقة متنازع عليها.. وكانت جبهة البوليساريو قد عارضت الاتفاقين في السابق، واشترطت الحصول على موافقة الشعب الصحراوي قبل إبرامهما، كما رفعت دعوى أمام محكمة أوروبية مطالبة بإبطالهما… وفور صدور الحكم، وصفته الجبهة “بالنصر الكبير للشعب الصحراوي”…

الواقع أني رفضت المقابلة لأن الخط التحريري للقناة التي أفضل عدم ذكر إسمها، عليه اكثر من سؤال… وانا شخصيا من أهل المطبخ الإعلامي بمعنى ولد الدار وأعلم جيدا الأجندات الإعلامية و الرسائل المشفرة خاصة لبعض القنوات الخليجية.. وربما ستعلمون الأسباب في وسط المقال.

أما موقفي من قرار محكمة العدل الأوروبية فهو بالنسبة لي إنتكاسة، وفشل ذريع للدبلوماسية المغربية… وعلى خلاف ما يتم ترويجه من نجاح دبلوماسي خارق في تحقيق إعتراف أمريكي بمغربية الصحراء، تبين ان هذا الاعتراف لا قيمة عملية له، صحيح أن إدارة بايدن لم تلغي الإعتراف بشكل رسمي لكنها تجاهلته عمليا، و لم تفعله بل تركت الملف للأمم المتحدة، و لم تقدم على إلغاء الإعتراف خشية من تراجع المغرب عن اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني، و بنظري أن المغرب عليه إعادة النظر جديا في قرار التطبيع و الذي كان في مقابل اعتراف بسيادة المغرب الكاملة على الصحراء، والذي تبين مع الأيام انه مجرد حبر على ورق، فلا ينبغي أن ننكر أن التطبيع مع الصهاينة أضر بملف الصحراء، الذي إقترب عمليا من الحل النهائي عندما تم طرح مبادرة الجهوية الموسعة أو الحكم الذاتي …

المغرب الأن يمر بأزمة خانقة على المستوى الخارجي، و لابد من تعديل أليات العمل، فهناك توجه عدائي ضد وحدة المملكة، و من نعتقدهم حلفائنا في الواقع يستفيدون من خيرات المغرب لكن لا يدعمونه إطلاقا ، النموذج فرنسا فهي عمليا تقود الإتحاد الأوروبي، لكن موقفها الظاهر هو الحياد، لكنها في الواقع تلعب على الحبلين…

هذا الكلام أقوله و اتحمل مسؤوليته، المغرب اليوم في أمس الحاجة لتقوية الجبهة الداخلية، الدمقرطة و إطلاق الحريات العامة و إطلاق سراح سجناء الرأي مطلب لابد منه…لأن هناك شيء ما يحاك في الخفاء …التصعيد الغير مفهوم من قبل الجزائر، قرار محكمة العدل الاوروبية، الذي يشكل خنجرا مسموما في سيادة المغرب على كامل ترابه.. موقف بعض بلدان الخليج المشبوه و الذي لا ينبغي الاعتماد على وعودهم، و علينا إسترجاع حدث التصويت ضد المغرب بمناسبة ملف موروكو 2026، حينذاك صوتت بلدان خليجية لصالح الملف المشترك أمريكا- المكسيك-كندا …بل بعضهم إحتفل بمناسبة فشل المغرب في الظفر بشرف تنظيم كأس العالم 2026…مع العلم أن الجزائر دعمت رسميا ملف المغرب و ساندته بوضوح شديد… و قد صرحت في حينه في مقال رأي نشر بجريدة رأي اليوم اللندية بتاريخ 14-06-2018 ويحمل هذا العنوان” من دروس التصويت على موركو2026 : فشل النموذج التنموي المغربي..وضرورة إحياء حلم المغرب الكبير…”

“.. فقد أسفرت النتائج عن تصويت كاسح لصالح الملف الثلاثي (أمريكا كندا المكسيك)، الذي حصل على 134 صوتا، بينما الملف المغربي حصل على 65 صوتا، ولم يصوت للمغرب أغلب بلدان الخليج باستثناء قطر واليمن و سلطنة عمان، بينما كانت أصوات بلدان المغرب العربي لفائدة المغرب ، الواقع أن النتيجة مؤلمة لعموم الشعب المغربي، وإهانة لهذا البلد الذي قدم ترشيحه لرابع مرة..لكن ينبغي على المغاربة أن يقفوا عند هذا الحدث و يستخلصوا منه العبر، بدل توجيه الاتهام للبلدان التي صوتت للملف المنافس…

فموقف بلدان الخليج خاصة السعودية و الإمارات جاء منطقيا و كان متوقعا، فمن لم يتورع في التلاعب بمصير بلدان الربيع العربي وتدمير مستقبلها و انتقالها الديموقراطي وسفك دمائها لأنها عبرت عن رغبتها في الانعتاق من قيود الاستبداد، إنهم دمروا بلدانا وشردوا شعوبا حماية لعروشهم المحمية أصلا بمظلة أمريكية..

فهم اختاروا التصويت لصالح سيدهم وولي نعمهم، وعلينا طبعا أن نفرق بين الحكام و الشعوب، فهذه الأخيرة تعيش تحت وطأة استبداد غاشم، وتقييد للحرية منقطع النظير، فالبلاد التي تسجن مواطنيها على تغريدة في تويتر تدعوا للمصالحة مع قطر أو وقف نزيف الدم في اليمن، من العبث المراهنة عليها في دعم تنمية أو كسب قضية…

 أيها السادة..قلت أكثر من مرة أن البلاد تعيش تحث وطأة فساد سياسي، و أوليغارشية لا تفكر أو تخطط لمصلحة الغالبية من الشعب، وإنما تخطط لمصلحتها، فالبلاد تعاني عجزا تنمويا كبيرا، فالتعليم سيء و الخدمات الصحية رديئة، والبنية التحتية دون المستوى المطلوب..و الاقتصاد المغربي في غالبه اقتصاد غير منظم، ولازال مرتبطا بالتقلبات المناخية، و الاستقرار السياسي و الأمن الاجتماعي هش، فالبلاد شهدت في السنوات الأخيرة احتجاجات شعبية كبيرة، وسببها الفقر والتهميش والفساد السياسي و الاحتكار الاقتصادي.. فحراك الريف لازال قادته وراء قضبان السجون و نفس الأمر حراك جرادة وغيرة…

المنهجية التي تم إعتمادها في الترويج لملف موركو 2026 هي ذاتها التي تم اعتمادها لحل ملف الوحدة الترابية للمملكة ، فالقائمين على ملف موركو 2026 يحاولون إقناع البلدان بالتصويت للمغرب، فإذا بالبلاد أنذاك تعيش تحث وقع حملة مقاطعة تجاوزت شهرتها حدود البلاد، وأصبحت قصاصة إخبارية مجانية على وسائل الإعلام الدولية..قصاصة تلخص حال المغرب، وتعطي صورة عن نموذج تنموي هش، يركز على المظهر ويهمل الجوهر، نموذج تسويقي تفنذه المؤشرات الاقتصادية و الإجتماعية…

نتمنى أن يدرك الشعب المغربي، أن القائمين على إدارة البلاد دون المستوى المطلوب، و لا يتمتعون بالدراية و الكفاءة لتحقيق إقلاع تنموي أو وضع مخطط تنموي طموح يخرج البلاد من أزمتها و تخلفها…ففي ظل عالم مفتوح وقائم على المنافسة، والبقاء للأصلح و الأفيد، لم يعد من المقبول تغليب الولاء على الكفاءة ، و مصالح الأشخاص على مصالح الشعب و الوطن..فعلينا إعادة ترتيب البيت الداخلي، فلا محيد عن إقامة نظام حكم ديموقراطي يحاسب المسيء و يجازي المحسن، نظام يحترم إرادة الناس ويعبر عن تطلعاتهم و معاناتهم، نظام لا يحمي الفساد و المفسدين ويغض الطرف عن نهب ثروات البلاد و العباد…

وأيضا من الدروس المستفادة من نتائج تصويت موروكو 2026 ، أن بلدان المغرب العربي كانت مع المغرب و في مقدمة الداعمين، الجزائر حكومة و شعبا.. فعلى المغرب ان يعيد حساباته السياسية، فالتحالف مع الجزائر وباقي بلدان المغرب الكبير لن يعود إلا بالنفع على المغرب وباقي شعوب المنطقة.. فالطريق للتنمية و الإقلاع الاقتصادي و الاستقرار السياسي و الاجتماعي، يمر عبر بوابة العمل الجاد والرصين وتبني الحلول الواقعية بدلا من سياسة الأوهام..

وفي الختام، ذكرت أن عزائنا هو الموقف المشرف للجزائر و تونس و ليبيا و موريتانيا فالعمل على توحيد هذه البلاد في كيان سياسي و إقتصادي جامع … خير من الجري وراء سراب التظاهرات الكبري التي تنهك ميزانية البلاد ولا طائل منها.. بل إن ضررها أكثر من نفعها..لاسيما و أن الملف المنافس كان ملف وحدوي إقليمي، فهل الولايات المتحدة او كندا لا تتوفر على الموارد المالية و البنية التحتية الكافية، لتنظيم المونديال بشكل منفرد…

و بصدق شديد هذا الكلام الذي قلته سنة 2018 يصلح لإدارة المرحلة الراهنة، فدبلوماسية شراء الولاءات و تقديم الامتيازات السخية، لبعض الدول الغربية و الشرقية على أمل دعم المغرب في طي ملف الصحراء، لم تعد تجدي لأن الحل بنظري داخلي ، و بداية الحل العودة لاستكمال ماتم التعهد به في الخطاب الملكي ل 9 مارس، و تصفير السجون من معتقلي الرأي و على رأسهم نشطاء حراك الريف و الإعتذار لهم .. المصالحة الوطنية و إطلاق حرية النقد و المساءلة الخطوة الأولى في التصدي للمؤامرات الخارجية، و السعي نحو دعم الجهوية الاقتصادية و الثقافية و التدبيرية في الأقاليم الجنوبية و بكامل التراب الوطني.. ..

بل إعتبروا كلامي نوع من السريالية او التخاريف و قل ما شئت، فإني أرى أن الهجمة الشرسة على الوحدة الترابية ، تتطلب قدر كبير من الوطنية و جبهة داخلية قوية و حكومة وحدة وطنية بعيدا عن مخرجات انتخابات 8 شتنبر، و البرغماتية السياسية و الدبلوماسية الذكية و الفعالة تقتضي تعيين وزير خارجية من الأقاليم الجنوبية، هل تعلمون ما مدى الفوائد التي يمكن تحقيقها من مثل هذا القرار … فهذا القرار بمثابة جواب عملي على أن الصحراويين غير مضطهدين و أن جبهة البوليساريو لا تعبر عن الحقيقة و لا تمثل اغلبية الصحراويين ، و لما لا يكون مثلا “عبد الرحيم بوعيدة” وزيرا لخارجية المملكة المغربية، و تفعيل الجهوية و توحيد الجبهة الداخلية مطلب ضروري لمواجهة التحديات التي يفرضها الجوار الجغرافي… بل سأقول لكم أن بلدية هرهورة التي أقطن بها يرأس مجلس بلديتها مواطن من الأقاليم الجنوبية، و “هرهورة” بالنسبة للقراء من غير المغاربة تبعد عن الرباط العاصمة بحوالي13 كلم، بل إن شركائي في الشركة التي أترأس مجلس إدارتها ينحدرون من الصحراء فأي اضطهاد هذا؟ و تفاديا للإطالة سنكمل هذا النقاش في مقال موالي إن شاء الله تعالى .. والله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..

*إعلامي وأكاديمي مغربي متخصص في الاقتصاد الصيني والشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية والسياسات العامة..

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *