إن الأطفال كالورقة البيضاء و الوالدين و الأسرة المحيطة هم من يسطرون قيها محتواها و مضمونها و كلنا يعرف المقولة الشهيرة التي تقول “كل إناء ينضح بما فيه” فالطريقة التي يتعامل بها الوالدين مع الطفل هي نفس طريقته في التعامل مع الأشخاص خارج الأسرة , واليوم سنتحدث عن شئ مضر جدا يقوم به الوالدين أثناء تربيتهم لأطفالهم و هو “ذم الطفل عند القيام بسلوك سئ”.
لا تنتقدني:
فمن الأسس التربوية الهامة جدا عدم ذم الطفل نفسه و عدم وصفه بصفات سيئة ولكن إن قام بسلوك سئ و غير مؤدب أو غير مستحب يذم الوالدين السلوك نفسه و لا يوجهوا أي ذم للطفل نفسه , لأن تكرار وصف الطفل بصفة سيئة ستجعله يقنع نفسه أنه هكذا , فلا فائدة من المحاولات للإقلاع عن هذا السلوك السئ , وكما ذكرنا تفصيلا في مقال سابق إن شخصية الطفل تتشكل بإنتهاء عامه الخامس , نعم فملامح شخصيته التي ستلزمه طوال حياته قد تكونت خطوطها العريضة و ملامحها العامة و سيمضي باقي عمره بهذه الشخصية التي بناها مع والديه بالمنزل , فإن كان الوالدان دائما يصفوه بصفة غير جيدة سيترسخ لديه أن هذه الصفة صفة أساسية من صفاته و سيشكل شخصيته على هذا الأساس.
مثال:
طفل دائما يهمل نظافة أشياؤه و أدواته و لعبه و ملابسه فدخلت علي الأم رقم 1 و قالت له “أنت دايما مهمل و مش منظم و لازم أنا اللي أنظفلك حاجاتك ليه على طول مهمل كده في كل أمورك أنت سلوكك سئ أنت و أنت و أنت” أما الأم رقم 2 دخلت عليه و قالت:”يا ابني أنت ولد منظم و مرتب بس شكلك نسيت تلم اللعب النهاردة إيه كل دول تعالى رتب معايا أنا أكثر شئ يعجبني فيك أنك منظم و بتحب حاجاتك دائما في مكانها لكن لما تكون كل اللعب على الأرض كده دي حاجة مش كويسة و شكل المكان بيبقى مش مرتب”. إذا نظرنا للطفل بعد عشر سنوات سنجد أن الطفل الذي تعامل مع الأم رقم 1 أصبح أكثر إهمالا و فوضى في كل جوانب حياته و الأم مازالت تعاني , لأنها بكل سهولة رسخت في ذهنه إنه مهمل , و بنى شخصيته و هو معتقد أنه مهمل و متأكد من ذلك فالأم قالت له ذلك و أكدت عليه فماذا يفعل بكل براءة صدقها.
لكن الطفل الذي تعامل مع الأم رقم 2 سيصبح أفضل حالا في التنظيم و الترتيب , فحتى إن لم يصبح منظم و مرتب 100 % فهو مقتنع إنه ليس مهمل بل منظم و تعلم أيضا أن الإهمال صفة سيئة و هو بعيد عنها أو يحاول ذلك , و السبب في ذلك إن الأم في البداية كانت تنتقد السلوك الخاطئ و ليس الطفل نفسه , بل يجب على الوالدين القيام بالعكس فإن كان الطفل عنيد يقولوا له إنت ولد مطيع و هذه أفضل صفة تعجبنا فيك لكن العناد هذا سلوك سئ و غير لائق , وبهذا يكون الوالدان قد ضربوا عصفوران بحجر واحد : فهم علموا الطفل – أثناء تكوين شخصيته في سنواته الأولى – أنه منظم و مطيع و نظيف ثم اتخذوا أول خطوة في طريقهم نحو تعديل سلوك العناد الذي ربما يقوم به الطفل .
لا تنظروا تحت أقدامكم:
فربما تجدوا أن أسلوب ذم الطفل أثر فيه في موقف معين لكن هذا لا يعني أنه أثر فيه كثيرا أو أنه أثر فيه بالإيجاب بل عليكم النظر لبعيد و لا تنظروا تحت أقدامكم فقط بل يوجد أمامكم طريق طويل مع أطفالكم فكل ما تقولوه لهم الآن سيؤثر حتما عليهم حتى لو لم تظهر آثاره اليوم ستظهر في المستقبل القريب , فتعلموا أن تنتقدوا السلوك و ليس الطفل. فببعض التغييرات البسيطة في أسلوب التعامل مع الأطفال قد يحدث فارق كبير جدا في سلوكهم و تكوين شخصيتهم , فقبل قول أي شئ لطفلكم عليكم بالتفكير مرتين لتعرفوا هل ما تقولوه سيؤثر بالسلب أم بالإيجاب في شخصية طفلكم , وفكروا جيدا كيف تريدون شخصية طفلكم؟