بات واضحا أن اختلافات عميقة سنراها ونلمسها إبان مناقشات مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية (التعديلات الدستورية وقانوني الانتخاب والاحزاب)، وبات واضحا أن اطرافا مختلفة تمتلك ملاحظات حول المخرجات، تلك الاطراف بعضها يمتلك رؤى متشددة تجاه تلك الاصلاحات، وبعضها الآخر يرى أن الفرصة مواتية لإصلاحات أوسع وأشمل، وكلاهما يمتلك مبرراته، وبين هذا وذاك هناك أطراف وسطية تدفع تجاه تمرير المخرجات، ومن ثم القفز لنقطة جديدة من توسيع منظور الإصلاح الشامل.
المتوقع أن تشرع اللجنة القانونية النيابية هذا الأسبوع بالتعامل مع مشروع التعديلات الدستورية، وبحسب ما صرح به رئيس اللجنة النيابية فإنه سيتم الاستماع لوجهات نظر فقهاء دستوريين حول التعديلات، ومن ثم الاستماع لآراء مختلفة حولها، وسيكون تحت نظر اللجنة ما أثير من قبل أطراف مختلفة حول الاضافات الحكومية التي حصلت على تعديلات الدستور التي أوصت بها اللجنة الملكية، وخاصة فيما يتعلق بدسترة مجلس الأمن الوطني، حيث من المرجح أن تشهد تلك الاضافة جدلا واسعا سواء من قبل اللجنة القانونية أو تحت القبة، وكان بداية الجدل إبان المناقشات الاولية للتعديلات قبل احالتها الى اللجنة المعنية.
ففي القراءة الاولى لأعضاء مجلس النواب تسببت إضافات الحكومة على مشروع تعديل الدستور، كانت أضيفت لتوصيات أقرتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، تسببت بجدل واسع واستمعنا لمداخلات نيابية ساخنة عكست مزاجا نيابيا حاداً حولها، فقد اعتبرها نواب إفراغاً لدور السلطة التنفيذية والتشريعية، اذ ان الاضافات الحكومية تضمنت استحداث بند لإنشاء مجلس للأمن الوطني والسياسة الخارجية يرأسه جلالة الملك، وبنود أخرى تنص على تعيين جلالته لقاضي القضاة ومفتي المملكة، وإنهاء خدماتهما مباشرة، وكذلك منصب مدير الأمن العام بعد دمج جهازي الدرك والأمن العام، كما تنص المادة 122 من الدستور المعدل المقترح، على أن مجلس الأمن الوطني يضم كلا من رئيس الوزراء ووزير الدفاع، ووزير الخارجية ووزير الداخلية وقائد الجيش، إضافة إلى مدير المخابرات العامة، وعضوين آخرين يعينهما الملك، وتنظم شؤون المجلس بموجب نظام يصدر لهذه الغاية.
الحكومة بررت اضافاتها بلسان وزير الشؤون السياسية والبرلمانية موسى المعايطة من خلال تصريحات صحفية لموقع سي ان ان بالعربي اشار فيها إلى ان الحكومة قامت بالتعديلات في 7 نقاط رئيسة، لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية وخصوصا الأمنية والمتمثلة بتهديدات الإرهاب والنزاعات والصراعات، والتحديات السابقة التي استوجبت وجود آلية عالية المستوى والتنسيق لمواجهة هذه التحديات وإيجاد الحلول المناسبة والحد من آثارها السلبية.
من المعلوم ان التعديلات المقترحة تعتبر المرة الرابعة التي يُعاد فيها فتح الدستور في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني، فقد سبق ان تم تعديل 42 مادة دستورية العام 2011، كما جرى تعديل الدستور في عامي 2014 و2016، ليعاد فتح الدستور هذه المرة لمعالجة 30 بنداً.
المؤشرات الاولية تقول ان الجدل في حال استمرار بعض الاضافات الحكومية سيأخذ خطا تصاعديا، وربما سنسمع مداخلات ساخنة ابان النقاش العام لتعديلات الدستور، وذلك في حال لم يتم التوافق على القفز عن بعض التعديلات التي ادرجتها الحكومة مؤخرا، وسحبها.
بالمجمل فإن المؤمل ان يتم التعامل مع مخرجات اللجنة الملكية من المنظور الاصلاحي الشامل، وان يضع الجميع نصب اعينهم بناء دولة مدنية حديثة نقوم على المواطنة، وتكافؤ الفرص، ودولة المؤسسات والقانون، ونبذ الواسطة والمحسوبية، وألا يحاول البعض اعادة العجلة للوراء والدفاع عن مزايا غير شرعية للبقاء في دائرة الضوء، والاعتماد على الجدل المثار حول بعض الاضافات بغية تعطيلها بالمجمل والقفز عنها، ومثل اولئك نراهم ونسمعهم من خلال مداخلات ومقالات وعبر المتصفح الازرق.