وضع فيروس كورونا المستجد أبناء الجالية المغاربية والمسلمة بفرنسا في حيرة من أمرهم، فهم منهمكون في البحث عن مخرج لأزمة دفن ذويهم في ظل تفاقم مشكلة قلة مربعات الدفن الإسلامية في المقابر الفرنسية واستحالة نقل الجثامين إلى الوطن الأم.
طال فيروس كورونا أبناء الجالية المسلمة المقيمة في فرنسا، لا سيما المغاربة، إذ قطعت السبل بالأموات والأحياء على حد سواء جراء إغلاق الحدود بين أغلب الدول التي تشهد تفشي وباء كوفيد-19 وتلك التي أوصدت الأبواب لمنع انتشاره.
فقد رصدت صحيفة “لوموند” الفرنسية المسائية في مقال نشرته الإثنين قصة عائلة من أصول جزائرية، عانت الأمرين بعد وفاة أحد أفرادها (الجد) البالغ 85 عاما. ونقلت عن محمد، وهو حفيد الراحل، قوله بنبرة ثقيلة متعبة ومحملة بلوعة الفراق، وألم الواقع الجديد: “إنه ألم لا يوصف”. وتوفي جد محمد بعد عشرة أيام على دخول قرار الحجر الصحي في فرنسا حيز التنفيذ في 17 مارس/آذار.
“عقاب مزدوج”
وقال محمد، البالغ 29 عاما: “لم نتمكن من زيارته خلال ثلاثة أيام قضاها في المستشفى، ولا مكالمته هاتفيا.. وحتى بعد وفاته، كان من المستحيل رؤية جسده. لقد كان عقابا مزدوجا”.
وأضاف قرار إغلاق الحدود بين فرنسا وباقي الدول (خارج الاتحاد الأوروبي) زاد من معاناة العائلة، حيث عمت الحيرة أفراد العائلة فيما يخص نقل جثمان الراحل إلى الجزائر. وقال الشاب: “درسنا كافة السيناريوهات الممكنة، في البداية رغبنا في نقل الجثمان عبر طائرة شحن، ثم فكرنا في دفنه هنا في مرحلة أولى على أمل نقل جثمانه إلى الجزائر بعد رفع قرار الحجر الصحي في فرنسا، لكن ديننا لا يسمح بذلك”.
وقررت العائلة في وقت لاحق دفن الراحل في مقبرة بإحدى ضواحي باريس حيث كان يقيم منذ 50 عاما، كما أضافت الصحيفة. لكن القرار حسب محمد كان “غريبا، فجدتي مدفونة هناك في (الجزائر) وجدي هنا. كنا نود دفنهم في نفس المكان”. يضيف محمد لصحيفة “لوموند” الفرنسية.
“وفاة في كل ساعة”
وأوضحت الباحثة في مركز ماكس ويبر في ليون فاليري كوزول لصحيفة “لوموند” أن “نقل المغاربة جثث موتاهم إلى أرض الوطن الأم هو قبل كل شيء خيار يتماشى مع وضع الأشخاص المعنيين أنفسهم، فهم مهاجرون يرجعون إلى حيث جاءوا لأجل إدماجهم في مجتمعهم الأصلي وإصلاح الشرخ في المسارات العائلية الذي تسببت به الهجرة”.
وتقدر الباحثة أن نسبة ترحيل المهاجرين المقيمين في فرنسا بعد وفاتهم إلى بلدانهم الأصلية تتراوح “ما بين 80 و85 بالمئة”، مشيرة أن “حتى من ولدوا هنا [في فرنسا] يعادون إلى وطنهم بعد الوفاة”. من جهتها، قدرت “لوموند” حجم عمليات الترحيل من فرنسا إلى البلدان الأفريقية سنويا بالآلاف.
وفي نفس الشأن، تحدثت “لوموند” إلى صاحب شركة لتنظيم الجنازات الإسلامية في فرنسا اسمه جمال (36 عاما)، ونقلت عنه قوله: “أتلقى كل ساعة تقريبا مكالمة للإعلان عن وفاة جديدة”. وفي وكالتيه بضاحيتي فيتري سور سين ومونتروي بباريس، تسارع العائلات لطلب تنظيم جنازة أو ترحيل الجثمان، لكن دون جدوى. وقال جمال للصحيفة: “دول مثل المغرب وتونس وغينيا ومالي والسنغال وساحل العاج لم تعد تنظم رحلات، وهي ترفض ترحيل المتوفين بمرض كوفيد-19”.
في المقابل، فإن الجزائر هي الوحيدة، في هذه الفترة، التي تسمح بإعادة مواطنيها المتوفين في الخارج، شريطة أن يكون سبب الوفاة غير فيروس كورونا.
مشكلة مربعات دفن المسلمين
وفي ظل غلق الحدود والمطارات والموانئ أمام الرحلات التجارية، تصطدم العائلات التي يقضي أحد أفرادها بسبب فيروس كورونا في فرنسا، بمشكلة قلة مربعات دفن المسلمين في المقابر، حسبما أفادت “لوموند”، التي أشارت إلى أنه وفي 2015، كان عددها 449 مربعا في نحو 36 ألف بلدية فرنسية.
وفي ظل استفحال المشكلة، دعا عميد مسجد باريس ونائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، شمس الدين حفيظ، في تغريدة على حسابه في تويتر، رؤساء البلديات الفرنسية ووزير الداخلية كريستوف كاستنير إلى اتخاذ إجراءات لحل هذه المشكلة.
La @mosqueedeparis appelle l’attention des #maires de France et des #pouvoirs publics, @CCastaner que la création de nouveaux espaces d’inhumation pour les #musulmans est indispensable. Les familles #musulmanes doivent pouvoir inhumer leurs défunts dans le respect de leurs rites
— Hafiz Chems-eddine (@chemshafiz) April 12, 2020
[wpcc-script async src=”https://platform.twitter.com/widgets.js” charset=”utf-8″]
هذا، وأشارت الباحثة فاليري كوزول إلى أن “هذا الوباء يكشف شيئين: عدم المساواة الناجم عن عدم وجود أماكن في مربعات الدفن الدينية في المقابر الفرنسية”، و”أهمية دور الدول في إدارة مسألة دفن الموتى (رعاياها المقيمين في الخارج)”.
وأشارت “لوموند” في مقالها إلى أن تونس والمغرب والجزائر وضعت سياسات ترحيل رعاياها المقيمين في الخارج، من خلال تقديم الدعم في القناصل والسفارات، ناهيك عن وثائق التأمين المقدمة للمهاجرين وعائلاتهم.
وفي السياق، أعلنت السفارة المغربية في فرنسا يوم 3 أبريل/نيسان عن دعم مالي لرعاياها بهدف تسهيل عملية تنظيم الجنازات في فرنسا. أما بالنسبة للمغتربين، فهم يحشدون للمساعدة في تنظيم جنازة المتوفين من خلال حملات التبرع الإلكترونية.
من فرنسا إلى منطقة القبائل
وتمكنت بعض العائلات من ترحيل جثامين ذويها المتوفين في فرنسا رغم الحجر الصحي المفروض وغلق الحدود. ففي 27 مارس/آذار دفن والد فريد في مسقط رأسه بمنطقة القبائل على بعد 200 كيلومتر من الجزائر العاصمة. وسهل عدم إصابة الراحل بفيروس كورونا، إجراءات عملية الترحيل التي أشرفت عليها زوجته وأطفاله التسعة، في منطقة أليس جنوب فرنسا.
وقال فريد للصحيفة الفرنسية المسائية: “كان لدينا خمسة أيام فقط لتنظيم كل شيء ورؤيته مرة أخيرة، لأننا كنا نعلم أنه باختيار الجزائر كموقع للدفن، لن نتمكن من مرافقته”. وأضاف أن استحالة حضور الجنازة وتنظيمها عن بعد زاد الأمور تعقيدا، مشيرا إلى “تبادل الوثائق عبر تطبيق واتساب وقلة المعلومات حول الطائرة”.
وقال فريد أيضا إن “سيارة إسعاف كانت تنتظر في مطار الجزائر العاصمة نقلت جثمان محند (والده) إلى قريته، حيث أشرف أخوته على مراسم الجنازة التي كانت بسيطة ومختصرة”. وختم: “المهم هو أن يستريح بسلام في قريته.. أما نحن، فيمكننا دائما زيارة قبره بعد نهاية الأزمة الصحية”.
أمين زرواطي