في الذكرى الثانية لغيابه: يوسف الخطيب: شاعرُ الجنة الضائعة!
[wpcc-script type=”b686ffeaa0518e123d7c9d33-text/javascript”]
تصادف هذه الأيام الذكرى الثانية لرحيل الشاعر العربي الفلسطيني الكبير يوسف الخطيب والذي عرفته الجماهيرُ العربية من خلال تفاعله المتميز في الحياة الثقافية والأدبية والشعرية، مدافعاً عن هوية أمته، وعن قضية وطنه ‘فلسطين’، والذي وافاه الأجل قبل عامين في العاصمة السورية دمشق ووري الثرى فيها يوم 16/6/2011.
ولد الشاعر يوسف الخطيب في بلدة دورا قضاء مدينة الخليل الفلسطينية عام 1931 وتلقى تعليمه الابتدائي في مدارسها، ثم انتقل ليكمل دراسته الثانوية في مدينة الخليل، ثم عمل بعدها لفترة قصيرة في إحدى الصحف المحلية في الأردن قبل أن يتوجه إلى دمشق سنة 1951 حيث التحق بكلية الحقوق بالجامعة السورية التي تخرج منها سنة 1955 بإجازة في الحقوق، ودبلوم اختصاص في الحقوق العامة. وأثناء دراسته الجامعية انتسب يوسف الخطيب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي.
وقد جاءت ولادة الشاعر يوسف الخطيب بعد عامٍ واحد فقط من إعدام شهداء ثورة البراق فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم الذين شنقتهم بريطانيا عام 1930 في سجن عكّا، فعاش طفولته المبكرة مع بدايات الثورة الفلسطينية الكبرى والإضراب الكبير عام1937، وكانت هذه هي نقطة الانطلاق التي تزخر بمفاجآت كبيرة نتيجة الهجمة الصهيونية التي تمّت في ظلّ الاحتلال البريطاني لفلسطين، ومعاهدة سايكس بيكو سيئة الصيت، وكان والده في هذه الفترة قد فرّ هارباً إلى سوريا عبر الأردن خوفاً من الاعتقال بتهمة التكتم على مقاومين فلسطينيين، ويصف الشاعر رحلة والده الاضطراريّة إلى دمشق، ورحلته الإجبارية بعد احتلال وطنه للمدينة نفسها بقوله:-
يقولون كان فتى لاجئاً
إلى خيمة في الربى مُشرعة
تطل بعيدا وراء الحدود
على الجنة الخصبة الممرعة
وكانت له ذكريات هناك
مُجنّحة حلوة ممتعة
وإن كان الظلم قد أحاط بحياة يوسف الخطيب صغيراً، إلا أن والده المناضل كان له أثرٌ كبيرٌ عليه وحرّك فيه مشاعر الثورة والتمرّد، وكان أول الحانين عليه صغيراً، وأعظم الآخذين بيده نحو احتراف الشعر، فقال بهذا الشأن:-
أبتي أظن غسول ذي الأرض من دمنا
وأنّ يداً تعتق للصباح صفاءَ أدمعنا
وإن غدا سيولد من مخاض غُرٍ
فَيرحمُ حزنَ هذا الكون في أحناء أضلعنا
وفي عام 1955 قام طلبة الجامعة السورية بإصدار أول ديوان من شعره بعنوان (العيون الظماء للنور)، وهو عنوان القصيدة التي فاز بها بالجائزة الأولى في مسابقة مجلة الآداب والتي نظمت على مستوى الوطن العربي آنذاك. عمل في الإذاعة الأردنية حتى عام 1957، حيث غادر الأردن عقب أزمة حكومة سليمان النابلسي والتحق بالعمل في الإذاعة السورية. وفي هذه الفترة أصدر ديوانه الثاني بعنوان (عائدون) عام 1959.
وإثر ملاحقة البعثيين له إبان الوحدة السورية المصرية، لجأ إلى بيروت، ومنها إلى هولندا حيث عمل في القسم العربي في إذاعة هولندا العالمية. لكنه عاد إلى العراق إثر ثورة 8 شباط ومنها إلى سوريا حيث استقر فيها بشكل نهائي، وبعد فترة وجيزة من عودته أصدر ديوانه الثالث بعنوان (واحة الجحيم) عام 1964، وفي عام 1965 تولى منصب المدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون. لكنه تخلّى عن الوظيفة الحكومية نهائياً عام 1966، ليؤسس دار فلسطين للثقافة والإعلام والفنون والتي أصدر عنها عدداً من المطبوعات، أهمها إصداره للمذكرة الفلسطينية ما بين الأعوام (1967 – 1976) والتي تُعتبرُ من أبرز إصدارات دار فلسطين، وأكثرها تأثيراً ورسوخاً في الذاكرة، حيث قام الخطيب بتسجيل يوميات القضية الفلسطينية فيها بالاستناد إلى عدد من المراجع الهامة في هذه القضية، وقد دأب على إصدارها لمدة تسع سنوات بخمس لغات عالمية، هي العربية، الإنكليزية، الفرنسية، الإسبانية، والألمانية.
وفي نفس العام الذي ترك فيه الخطيب العمل الحكومي، شارك في أعمال الهيئة التأسيسية (لاتحاد الكتاب العرب) في سوريا، وأسهم في وضع نظامه الأساسي، والداخلي. وفي عام 1968 اختير بإجماع القوى والفعاليات الوطنية الفلسطينية في ذلك الحين، عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني (عن المستقلين)، كما شارك في المؤتمر العام التأسيسي (لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين المنعقد في بيروت) وانتخب نائباً للأمين العام للاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
عام 1968 صدر للشاعر عن دار فلسطين مؤلفاً بعنوان ديوان الوطن المحتل يضم مجموعة من قصائد ودواوين شعراء فلسطين المحتلة عام 1948، أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، إضافة إلى دراسة بقلم الشاعر عن الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة. كما صدرت للشاعر مجموعة قصصية وحيدة بعنوان (عناصر هدامة) عام 1964 عن المكتبة العصرية بلبنان، إضافة إلى سيناريو أدبي بعنوان (مذبحة كفر قاسم)، وقد حرص الخطيب على ترجمة هذا السيناريو إلى كل من الإنكليزية، الفرنسية، والألمانية.
في عام 1988 نشر يوسف الخطيب ديوانين اثنين، أحدهما بعنوان (بالشام أهلي والهوى بغداد) والآخر بعنوان (رأيت الله في غزة) وهما آخر ما صدر للشاعر من دواوين مكتوبة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشاعر أصدر سنة 1983 أول ديوان سمعي في الوطن العربي على أربعة أشرطة كاسيت تحت عنوان (مجنون فلسطين).
واليوم، في الذكرى الثانية لغيابه، يستذكرُ أحرارُ الأمة ومبدعيها قصيدته الرائعة (هذي الملايين) والتي طالما رددّتها الحناجر من المحيط إلى الخليج، والتي يقول في مطلعها:-
أَكادُ أُؤمِنُ، مِن شَكٍّ ومن عَجَبِ
هَذيِ الملايينُ لَيْسَتْ أُمَّةَ العَرَبِ
هَذيِ الملايينُ لم يَدرِ الزمانُ بها
ولا بِذي قارَ شَدَّت رايةَ الغَلَبِ
ولا تَنزَّلَ وَحْيٌ في مَرابِعِها
ولا تَبُوكٌ رَوَتْ منها غَليلَ نَبي
ولا على طَنَفِ اليَرمُوكِ مِن دَمِها
تَوهَّجَ الصبحُ تَيَّاهاً على الحِقَبِ
ولا السَّفِينُ اشتعالٌ في المُحيطِ، ولا
جَوادُ عُقْبَةَ فيهِ جامِحُ الخَبَبِ
أَأُمَّتي، يا شُموخَ الرأسِ مُتلَعَةً
مَن غَلَّ رأسَكِ في الأَقدامِ والرُّكَبِ
أَأَنتِ أَنتِ، أَم الأَرحامُ قاحِلةٌ
وَبُدِّلَتْ، عن أبي ذَرٍّ، أبَا لَهَبِ !!