في تشبيه قيس سعيد بالقذافي. ليتهم عيروه بما هو عار

 

سفيان بن مصطفى بنحسين

لا يخفي الرئيس التونسي اليوم ولا قبل حركته التصحيحية المتزامنة مع الهبّة الشعبية ولا حتى قبل توليه دفة الرئاسة رفضه لنظام الحكم التمثيلي، وقد سبق له التعبير مرارا عن مشروع الديمقراطية المباشرة التي يطمح إلى تحقيقها في البلاد والتي تضع ممثل الشعب تحت الرقابة المستمرة من قبل ناخبيه وتخول للمواطنين سحب توكيلاتهم من نائبيهم متى إستشعروا إنحرافا عن وعودهم الإنتخابية، كما تضع مسؤولية تحوير القوانين والفصول بيد الشعب لا بيد ممثليه، قيس سعيد لا يحاول بهذا الطرح صنع العجلة من جديد فالنظرية قديمة قدم الأمم متجددة بتجددها، بداياتها قد تعود إلى “الآغورا” في اليونان القديمة والأغورا هي ساحة كان الأثينيون يجتمعون فيها لإتخاذ القرارات الأساسية في المجتمع الإغريقي، ونراها اليوم في منطقة “نيو انجلد” في الولايات المتحدة وفي سويسرا التي تُعرض فيها التشريعات والقوانين قبل تبنيها من قبل البرلمان على المجتمع المدني وعلى تجمعات المواطنين المفتوحة في الكنتونات لاستطلاع الآراء وتقديم المقترحات.

في كتاب شيق مليء بالأحاسيس وبالأحداث والتحاليل للبريطاني “غراهام غرين” حمل عنوان “لقاء مع الجنرال” تناول الكاتب فترة حكم الزعيم البنمي عمر توريخوس الذي كان صديقا شخصيا له، روى أن بنما في تلك الفترة كانت تعمل بإخلاص وجدّ على زرع الديمقراطية المباشرة وأن الصوت الأعلى كان للجماهير التي بإمكانها سحب الثقة من ممثليها دون إنتظار نهاية ولاياتهم، نحن لا نقول هنا أن هذا النظام هو الأمثل لكننا نشير إلى أنه كان ولا يزال قائما وان العالم ليس فقط أنظمة أوروبا وأمريكا، وأن كومونة باريس كانت أكثر ديمقراطية من بريطانيا وامريكا وأن مشروع اللجان الشعبية للقذافي والتي بات يشيطنها الإعلام العربي قبل الغربي كانت خطوة نحو الطريق الصحيح لم تكتمل لأسباب عدة من بينها فساد بعض المحيطين بالزعيم الراحل، أما تجربتنا في تونس في عشرية ما بعد الربيع فقد آلت فيها النيابة قبل الحركة التصحيحية إلى عرقوب وما مواعيد عرقوب إلا الأباطيل وإلا الأكاذيب.

الزعم أن قيس سعيد يسير نحو مشروع القذافي كلام مجانب للصواب فكما ذكرنا هي تجارب خاضتها أمم كثيرة قبلنا وقبل الجماهيرية الشهيدة، فشلت بعضها ونجحت أخرى، والكفر بالأحزاب وبالتمثيل بدأ يجد صداه في الشارع التونسي بعد أن سئم عبث ممثليه وتمترسهم خلف الحصانة الدستورية لتحويل البلاد إلى أرض مستباحة، أما القذافي الذي حوله أتباع برنار ليفي إلى مادة للتندر فقد كان ثائرا أمميا سيخلده التاريخ، أخطاؤه هي أخطاء رجل عظيم ومعاركه معارك رجل حر، حاربه ريغن والسادات ودُماهُم الخشبية في التشاد وفي أقطار أخرى ثم تكالبت عليه آلة الإستعمار عقودا من الزمن قبل أن يسقط شهيدا في الأرض كما يسقط أبطال الإغريق في الأساطير القديمة. القذافي أحيى الإتحاد الإفريقي وجعل أجواء القارة محرمة على طيران العال الصهيوني وكان سفير قضايا الأمة داخل القارة السمراء مؤمنا أنها عمقنا الإستراتيجي وساحة من ساحات النضال في وجه الإستعمار القديم المتجدد.

ليت سعيد يصبح بحجم معمر القذافي، ليته يكون متعبا بعروبته وإنتمائه الإفريقي والعالم-ثالثي كما كان معمر وسانكارا وعبدالناصر وبن بلة وباتريس لومومبا، ليته يجبر مستعمر الأمس على الإعتذار، ليته يدعم ولو بالكلمة الحرة كل حركات التحرر في العالم، معمر قامة إنسانية وفكرية لا يدرك عظمتها الأقزام الأوغاد، هو إستعارة للمدح لا للهجاء والذم، ومدعاة فخر لا مادة للتهكم، ومن أراد نعت حاكم بالجنون فيكفيه ضرب مثل ملوك القواعد الأجنبية وأكشاك الخليج الذين حاصروا العراق عقدا ونيف قبل التمهيد لغزوه وتدميره أو تشبيه المراد هجاؤه بأردوغان المسلم الوحيد الذي وضع إكليلا من الزهور على قبر هرتزل منظّر الصهيونية، أما سعيد فيتلمس طريقه بثبات حتى الآن لإعلاء كلمة الجماهير في بلاده على كلمة الإئتلاف الحاكم والأحزاب المتخمة بالمال الخليجي، سنقول له أحسنت حين يصيب ونحسبه مصيبا في كل ما ذهب إليه إلى حد كتابة هذه الأسطر وسنقول له أسأت يوم يخرج عن إرادة الشعب، أما الآن فإنه يمثل إرادة الجماهير ويحكم بإسمها ويضرب بسوطها ويشرع بإرادتها.

رحم الله القذافي ولا عزاء لأذناب أمراء أكشاك الخليج وأنصار الناتو والمهللين ل”فزعة ساركوزي”

Benhassen.sofiene@yahoo.fr

تونس

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *