في معرضه «ذكريات من زمن فات» «طوغان»… رحلة في الوعي المصري من الحرب العالمية حتى الثورة

القاهرة ـ «القدس العربي»: يعتبر فن الكاريكاتير من أصعب الفنون البصرية، فكل لوحة تحمل رسالة تغني عن الكثير من الكلمات والعبارات الإنشائية، إضافة إلى مدى تفاعل هذا الفن من الجمهور، والدرجة الكبيرة التي يحظى بها بين الناس، وبذلك يصبح أقرب الفون التشكيلية جماهيرية، وهو ما يؤدي لجعله فناً يحتك مباشرة بالحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للجماعات البشرية، مُعبّراً عن آمالها، وناقداً لكل ما يُعوّق هذه الأحلام. يُقام حالياً في غاليري (بيكاسو) وحتى 14 تشرين الأول/ أكتوبر معرضاً لفنان الكاريكاتير الأشهر «أحمد طوغان»، بمناسبة بلوغه الـ 88، والذي جاء بعنوان «ذكريات من زمن فات»، ليضم أشهر أعمال طوغان، ويستعرض مسيرته الفنية في لوحات منذ عام 1940، وحتى ثورة الـ 25 من كانون الثاني/ يناير 2011. والتي من خلالها نستعرض حال مصر طوال تلك الفترة، سواء سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً، بانوراما شاملة لحياة مصر والمصريين تغني عن الكثير من المقالات والمؤلفات، رسائل قصيرة ناقدة ونافذة تعلق وتؤرخ لهذه الأحداث في حِس نقدي ساخر.

في معرضه «ذكريات من زمن فات» «طوغان»… رحلة في الوعي المصري من الحرب العالمية حتى الثورة

[wpcc-script type=”633293620684c5b5f422b9d8-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: يعتبر فن الكاريكاتير من أصعب الفنون البصرية، فكل لوحة تحمل رسالة تغني عن الكثير من الكلمات والعبارات الإنشائية، إضافة إلى مدى تفاعل هذا الفن من الجمهور، والدرجة الكبيرة التي يحظى بها بين الناس، وبذلك يصبح أقرب الفون التشكيلية جماهيرية، وهو ما يؤدي لجعله فناً يحتك مباشرة بالحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للجماعات البشرية، مُعبّراً عن آمالها، وناقداً لكل ما يُعوّق هذه الأحلام. يُقام حالياً في غاليري (بيكاسو) وحتى 14 تشرين الأول/ أكتوبر معرضاً لفنان الكاريكاتير الأشهر «أحمد طوغان»، بمناسبة بلوغه الـ 88، والذي جاء بعنوان «ذكريات من زمن فات»، ليضم أشهر أعمال طوغان، ويستعرض مسيرته الفنية في لوحات منذ عام 1940، وحتى ثورة الـ 25 من كانون الثاني/ يناير 2011. والتي من خلالها نستعرض حال مصر طوال تلك الفترة، سواء سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً، بانوراما شاملة لحياة مصر والمصريين تغني عن الكثير من المقالات والمؤلفات، رسائل قصيرة ناقدة ونافذة تعلق وتؤرخ لهذه الأحداث في حِس نقدي ساخر.
ولد (أحمد طوغان) في العام 1926، وبدأ مشواره الفني إبان الحرب العالمية الثانية، برسم لوحات وأعمال تندد بالاحتلال البريطاني وترحب بمكاسب الألمان وقتها- كحال الكثير من المصريين- وكان ذلك عبارة عن رد فعل منه تجاه أعمال بعض رسامي الكاريكاتير الذين جلبهم الإنكليز للقاهرة، للسخرية من الألمان، وبالتالي يبدأ مشوار (طوغان) في السير ضد التيار وحتى الوقت الحالي. رحب بالثورة ضد فاروق، ووقف ضدها حينما حادت عن أفكارها، وكلفه موقفه هذا الفصل من العمل، هذا الأمر الذي تكرر قبل ثورة الـ 25 من كانون الثاني/ يناير، حينما انتقدت أعماله الأوضاع السيئة في عهد (مبارك)، وخاصة حينما اعتبرته إسرائيل على قائمة الشخصيات المُعادية للسامية، فصدر قرار بتسريحه عن العمل في جريدة الجمهورية، التي التحق بها قبل تأسيسها بشكل رسمي، وجاء هذا القرار في العام 2009. ثم عاد بعد ثورة كانون الثاني/ يناير ليُشارك ويُعبّر عن فرحة المصريين وحالهم بعد النجاح في إسقاط النظام- بغض النظر عم النتائج بعد ذلك- وطوال هذه الرحلة الممتدة لم يُحسب (طوغان) على أي حزب سياسي أو تيار بعينه، رغم المكاسب الكثيرة التي كان من الممكن تحقيقها، إذا انتسب لهذا الحزب أو ذاك، وادّعى نضالات زائفة كالكثيرين الذين يصمّون آذاننا ليل نهار عن مشوار نضالهم الوهمي.

الرسم وأشياء أخرى

لم يكتف (طوغان) بأعماله الفنية الواعية، بل وصلت درجة تفاعله مع الأحداث السياسية والاجتماعية إلى المُشاركة الفعلية… كعلاقته المتينة بالفدائيين وقت الاحتلال الانجليزي والمشاركة في بعض الأعمال معهم، من ناحية أخرى نجده يشترك مع شباب المُقاومة الفسطينية، ويسجل بريشته كل أحداث حرب 1948، ثم يكتب مؤلفه «دور الكاريكاتير في قضية فلسطين»- وقتها لم يكن هناك تلفزيون للقيام بمهمة الترويج لفكر معين، سواء بقبوله أو رفضه- ثم حوّل منزله إلى مقر لإدارة الثورة الجزائرية من القاهرة، وكانت نتيجة التفاعل مع ثوارها أن أصدر كتابه «أيام المجد في وهران»، وصولاً إلى حرب اليمن، التي أصدر عنها 7 كتب.

توثيق الحياة المصرية

تعتبر رسومات (طوغان) توثيقاً للحياة المصرية على مدار زمن طويل، تفاصيل الأعمال تكشف الكثير عن هذه الحياة بكل مشكلاتها وصراعاتها، إضافة إلى أفراحها وأحزانها، كتاب واحد طويل يمكن قراءته واكتشاف تفاصيل غابت، حياة القرى وطبيعة السلطة فيها، المدينة وشخوصها، الأوضاع الاجتماعية والتقاليد البالية، من مثقف القرية الذي يستطيع قراءة الجورنال، وبث الأخبار للمتحلقين حوله، ثم زواج القاصرات في القرى، لجهل أو لموقف اقتصادي مترد، نظراً لوفاة عائل الأسرة، التي تتصدر صورته عمق المشهد، والشارة السوداء على إطار الصورة، تفسر الحدث، وصولاً إلى الطقوس والاحتفالات الشعبية كرقص النساء في جلسة تخصهن فقط احتفالاً بزواج إحدى الفتيات، واحتفالية كعك العيد، التي يقدّرها المصريون حق قدرها، ولا يمكن أن يكون العيد بدونها، كذلك مظاهر بعض الألعاب وأساليب الترفيه في الشارع المصري كاستعراض (القرداتي) الذي يتحلق حوله المارة ويتوقفون لمُشاهدة رقصات وألعاب أحد القرود. حتى في اللقطات التي تصور شارع مصري قديم، والطبيعة الاجتماعية لسكانه.. من رجل يرتدي الطربوش، وامرأة ترتدي الزي المصري- الملاءة اللف- وبعض من أصحاب الجلابيب يجلسون على المقهى لمُشاهدة المارة. تفاصيل لم تعد تدركها الذاكرة إلا من خلال أفلام الأبيض والأسود، أو حتى حكايات الجدات الراحلات.
أما على المستوى السياسي فتبدأ اللوحات بجندي ألماني، يقف بجسد ضخم في صدارة اللوحه، والجنود الإنكليز يفرون في رعب، ثم تسجيل حدث محاصرة القوات البريطانية لقصر عابدين، وصولاً إلى حرب اليمن والقضاء على الحكم الرجعي شبه الإلهي بها، وحتى مظاهر الفساد في التسعينات من الوساطة والمحسوبية والرشاوى، إلى تسجيل اللحظات الأخيرة قبل سقوط نظام مبارك، وهذا الحشد من مختلفي الفئات والأعمار، الذي توحدت كلمته في وجوب رحيل ذلك النظام وسقوطه.
رحلة طويلة وشاقة في رصد التفاصيل، والإيحاء بحكاياتها المُستترة خلف كل لقطة من قصة أو حدث تاريخي، إلى التساؤل عن شخصية ما تجدها في رسم هنا أو هناك…
مَن هذه الفتاة المنزوية في أقصى اللوحة، ومَن هذا الرجل والأغلال في يديه، ماذا فعل وكيف سينجو؟! فالحكاية والدراما أحد أركان رسومات (طوغان) بخلاف الفضاء التشكيلي… من نسِب أحجام الشخوص، وعلاقتها المكانية في اللوحة، وتعبيرات الوجوه، التي تعكس حالتها النفسية ووضعها الاجتماعي. فيلم طويل عن مصر يمتد لأكثر من 60 سنة، حصيلة رحلة (طوغان) الفنية.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *