قانون الكارما: كما تدِين تُدَان

"كيف يسير هذا الكون؟ وهل هناك ما يُسمَّى صدفة؟"، "ماذا لو أنَّ حظَّنا السَّيء مسؤولٌ عن جذب تلك الأحداث السلبية والقاسية إلى حياتنا؟ أم أنَّ القضية أعمق بكثيرٍ من مجرَّد حظ؟". تجتاح هذه الأسئلة وغيرها أدمغتنا، محفِّزةً إيَّاها على البحث والسَّعي، في محاولةٍ للوصول إلى مقاربةٍ بسيطةٍ لفهم قانونٍ من قوانين الكون: "قانون الكارما". فما هو هذا القانون؟ وكيف يؤثِّر في علاقاتنا الإنسانية؟ هذا ما سنتعرَّف عليه من خلال هذا المقال.

Share your love

تجتاح هذه الأسئلة وغيرها أدمغتنا، محفِّزةً إيَّاها على البحث والسَّعي، في محاولةٍ للوصول إلى مقاربةٍ بسيطةٍ لفهم قانونٍ من قوانين الكون: “قانون الكارما”. فما هو هذا القانون؟ وكيف يؤثِّر في علاقاتنا الإنسانية؟ هذا ما سنتعرَّف عليه من خلال هذا المقال.

قانون الكارما:

هو أحد القوانين الإلهية، والذي يُسهِم في تخفيف الضيق والارتباك الحاصل في حياة الإنسان.

نستطيع أن نقول أنَّ “الكارما”: فتح الشخص لبوابةٍ طاقية، وحصوله على نتائج تلك البوابة. بمعنى آخر: هي حصادٌ طاقيٌّ لشيءٍ ما حدث بوعيٍ من الإنسان، أو من دون وعيٍ منه.

على سبيل المثال: قام لاعب كرة قدمٍ مشهورٌ جداً، ولديه مقدرةٌ هائلةٌ على جذب انتباه الناس، بالتسويق لمنتجٍ غذائيٍّ يضرُّ بصحة النَّاس ويُؤثِّر سلبياً في وعيهم. ماذا سيحصل لهذا اللاعب؟

حقيقة الأمر، وبناءً على قانون كارما، فسيجذب اللاعب إلى حياته الكثير من المواقف والأشخاص والأحداث التي ستقلِّل من وعيه، وتجلب له الضيق والأذى بمقدار الضيق والأذى الذي سبَّبه لهؤلاء الناس. أي أنَّه حصد ما فعل، سواءً أكان تصرُّفه بوعي منه، أم بدون وعي.

فالموضوع عبارةٌ عن تغذيةٍ راجعة؛ لذلك كلَّما شعرت بالضيق وعدم الراحة، اسأل نفسك: “ما هي الملفات الطاقية التي تفتحها بوعيٍ منك أو بدون وعي، والتي تُفجِّر تلك الأحاسيس التي تعيشها؟”.

الكارما والعلاقات مع الآخرين:

تعدُّ العلاقات البشرية الناجحة سبباً رئيساً من أسباب السَّعادة؛ لذلك هدف كلِّ إنسانٍ: الوصول إلى تواصلٍ فعَّالٍ مع الآخرين، بحيث يُثمر نتائج مُرضيةً لكلا الطرفين.

إنَّ عدم حصول الأفراد على الهدف المنشود من العلاقة، مثل: أب يفتقد إلى تقدير أبنائه، وزوجة تنتظر الحنان من زوجها؛ سيولِّد مشاعرَ حزنٍ ومعاناةً وضيقاً نفسيَّاً كبير. فما الذي يوصل الأشخاص إلى هذه المرحلة؟ سنعرف ذلك من خلال معرفتنا أسباب الكارما السلبية في العلاقات.

أسباب الكارما السلبية في العلاقات:

1. السخرية والتهكُّم على الآخرين:

يعتمد الكثير من الأشخاص أسلوب السخرية والتهكم كطريقةٍ من طرائق الدعابة ونشر البهجة وكسر الحواجز بين الأفراد، غير واعين إلى الأذى النفسي الكبير الذي يخلقه هذا الأسلوب في نفوس الأشخاص المتعرِّضين له.

من يتَّبع هكذا أساليب سيقع في مشكلاتٍ من درجة الألم ذاتها التي ألحقها بالأشخاص.

2. قتل الحب:

لطالما نسمع أشخاصاً يقولون: “أنا لا أثق بالآخرين”، “أنا لا أؤمن بالحب”. إنَّ وصول هؤلاء الأشخاص إلى هكذا مشاعر وأفكار يفضح ممارساتهم الخاطئة مع الآخرين، فالشخص الذي اعتاد التَّلاعب بالمشاعر، وادعاء وصوله إلى حالة الحب دون أن يكون قد أحسَّه فعلياً، واستسهال العلاقة العاطفية، والتفكير فيها من باب قضاء الوقت الجميل لا من باب الالتزام والصدق في التعامل والنية الطبية لبناء أسرةٍ سليمةٍ وناضجة؛ يفقد ثقته بكلِّ شيء، ويعاني كثيراً، وبدرجة الألم ذاتها التي سبَّبها للأشخاص الذين كانوا معه.

3. التَّفرقة:

يدخل الكثير من الأشخاص بين زوجين أو حبيبين أو صديقين بنيَّة تخريب العلاقة، أو قد يدخل بعضهم بنيَّة الإصلاح، إلَّا أنَّ نصائحهم تؤدِّي إلى التفرقة.

سيعاني من ويلاتٍ كبيرةٍ مَن يدخل بين شخصين بنيَّة الخراب، على سبيل المثال: المرأة التي تُدمِّر زواج صديقتها وتتزوَّج من زوج صديقتها؛ ستعاني من مشكلاتٍ كبيرة، فهي حرقت قلب صديقتها، وفكَّكت الأسرة، ودمَّرت نفوس الأطفال؛ وقد تخسر عملها الجيد، أو تفقد علاقتها مع شخصٍ قريب (أمَّها مثلاً)، أو تصبح وحيدةً جداً، أو تسوء علاقاتها أكثر فأكثر.

4. التسبُّب في الشك:

يثير الكثير من الناس مشاعر الشك لدى الآخرين، على سبيل المثال: تزرع صديقةٌ ما مشاعر الشك في قلب صديقتها عن شريك حياتها، والذي يضطر للسفر كثيراً نتيجة طبيعة عمله؛ فتقول لها بأنَّه ليس أهلاً للثقة، وأنَّه إنسانٌ لعوبٌ وغير مخلص.

سيعاني كثيراً كلُّ مَن يقوم بإثارة شكوك أحدٍ تجاه شخصٍ آخر.

5. الغيبة والنميمة:

من أشنع الأفعال فعل الغيبة والنّميمة، ونتائج الكارما هنا غير محدودة، فليس لدى أيِّ شخصٍ الحق في التكلُّم بكلمةٍ سيئةٍ عن الآخر، فإطلاق الأحكام ليس من مهامنا، لأنَّ الله وحده مَن يطلق الأحكام، أو القاضي على أرض الواقع.

سيُصاب الإنسان الذي يمسّ كرامات الناس وأعراضهم بمشكلاتٍ وخيمةٍ جداً، بمقدار الأذى الذي سبَّبه للآخرين.

6. سرقة العلاقات:

يُحلِّل الكثير من الأشخاص سرقة شيءٍ ما يمتلكه الآخر، بحجَّة أنَّ الآخر لا يستحقُّه، غير واعين أنَّه لا يوجد شيءٌ في الكون يُبرِّر أذى الآخر واقتناص شيءٍ منه، مثل أن يرتقي شخصٌ ما في عمله على حساب زميله، وذلك من خلال تشويه صورة زميله عند المدير، والتشكيك في مهنيَّته.

مَن يفعل ذلك لن يُبارِك الله له في أيِّ شيءٍ يقوم به، وسيجد المشكلات تنهال عليه من كلِّ صوب.

7. التحريض بين الزوجين:

يقوم الكثير من الأشخاص -ومنهم مدرِّبو التنمية البشرية- بإعطاء خطواتٍ سريعةٍ لكشف خيانة الزوج أو الزوجة، دون مناقشة الموضوع بطريقةٍ عميقةٍ وإعطاء حلولٍ مفيدة؛ ممَّا يبرمج عقول الزوجين على الخيانة.

سيصيب مَن يفعلون ذلك -حتَّى من دون وعيٍ منهم- ضيقٌ نفسيٌّ واضطرابات.

كيف أدفع عني الكارما السلبية في العلاقات، وأصل إلى علاقاتٍ ناجحة؟

1. لا تقع في وهم الماضي:

تأكَّد من أنَّ الماضي قد انتهى، فلا تلُمْ نفسك عمَّا سبق من تصرُّفات، بل ابدأ صفحةً جديدةً من حياتك مِلؤُها القبول والرَّغبة بالتطور والتحسُّن في علاقاتك. فإنَّ جلد الذات لن يؤدِّي إلى حلِّ المشكلات.

2. حدِّد الهدف من العلاقات:

حدِّد هدفاً سامياً لكلِّ علاقةِ من علاقاتك، وإيَّاك أن تتبنَّى “الأخذ” كهدفٍ لكَ من علاقتك مع شخصٍ ما، فالإنسان الذي يحوِّل علاقته من مستوىً متوازنٍ ويُحقِّق الرضا للطرفين، إلى علاقةٍ مبنيةٍ على امتصاص الطاقة من الآخر؛ سيُدمِّر علاقته بالتأكيد، وسينفضُّ الناس من حوله وينبذونه.

3. كُن واعياً:

يقع الكثير من الأشخاص في وهم الوعي، مُفضِّلين الانفصال عن علاقاتهم؛ لأنّها لا ترتقي إلى مستوى وعيهم، غير مدركين أنَّ الوعي الحقيقي لا يعني أن يسكن الإنسان برجه العاجي وينظر إلى الناس على أنَّهم أقل منه؛ بل يعني الانخراط في المجتمع، والعمل على تطويره وتحسينه، وزرع المفاهيم الحقيقية للإنسانية.

يدرك الشخص الواعي اختلافات الوعي بين فئات المجتمع، فلا يدخل في مشكلاتٍ مع أحد، مؤمناً أنَّ الحلَّ يكمن في تقبُّل واحتواء اختلاف الآخر.

ويمتنع الشخص الواعي عن إطلاق الأحكام بحقِّ الآخرين، مدركاً أنَّ هذا الحق يخصُّ الله وحده.

4. كُن مبادراً:

هدف كلِّ إنسانٍ من أيِّ علاقةٍ له: الوصول إلى السعادة. كُن مبادراً ولا تنتظر الطرف الآخر لكي يتحرَّك خطوةً ما باتجاهك، فمثلاً: لا تنتظر والدتك لكي تأتي وتعتذر منك، بل بادر أنت واعتذر؛ فليس الهامُّ من الذي يجب أن يعتذر من الآخر، الهامُّ هو إصلاح العلاقة والحفاظ عليها، فكم من علاقاتٍ قُطِعَت بسبب “الإيجو” (Ego)؛ لذا اكسر الإيجو والبرستيج والمظاهر، وكن صادقاً ومبادراً ومتسامحاً.

كن متأكِّداً أنَّ التغيير الحقيقي يبدأ من ذاتك، فلا تنتظر تغيير الآخرين. كن الأقوى وابدأ بنفسك.

5. تبصَّر الرسالة من كلِّ علاقة فاشلة:

لكي تصل إلى حالة التوازن المرجوة في علاقاتك مع الآخرين، عليكَ أن تعي الرسالة الكامنة وراء كلِّ خيبة أملٍ وشجارٍ وسوء فهمٍ حصل في علاقاتك السابقة؛ وأن تؤمن أنَّك تعرَّضت إلى تلك الأحداث من أجل مساعدتك في تطوير نفسك وصقلها بصفاتٍ جديدةٍ أكثر عمقاً وغنى؛ أو تؤمن بأنَّها كانت نوعاً من سداد الدَّين، كونك قد أخطأت مع أشخاصٍ معيَّنين.

6. افصل الشخص عن التصرُّف:

يقع الكثير من الأشخاص في فخ الشخصنة، فيبدؤون بإطلاق الأحكام على الآخرين، محوِّلين العلاقات إلى حرائق. عوضاً عن ذلك، عليهم اتباع أسلوب الحوار والنقاش، وليس أسلوب الهجوم والعدوانية، وأن يكون الحديث عن تصرُّفات الشخص دون المساس به شخصياً وإلقاء الصفات المؤذية بحقِّه؛ ممَّا سيؤدِّي إلى نتائج مثمرةٍ جداً.

7. ساعد الآخرين:

عليكَ تقديم أفضل النَّصائح إلى الشريكين المتخاصمين، وذلك عند طلبهم منك المساعدة، ولا تقترب منهما من تلقاء ذاتك، فقد تؤدِّي نصيحتك إلى تفرقةِ فيما بينهما دون وعيٍ منك.

8. تصدَّق بنيَّة إصلاح العلاقات:

تصدَّق من دخلك الشهري على نيَّة إصلاح العلاقات، كأن تساعد زوجاً ما في اتباع دورةٍ تدريبيةٍ فيما يخص “التعامل السليم والمتوازن بين الأزواج”. سينعكس تصرفك هذا خيراً ومتعةً على علاقاتك.

الخلاصة:

يُبنَى الكون على نظامٍ دقيقٍ وعادل، ولا يترك مجالاً للصدفة أو العشوائية؛ وإنَّ كل ما يحصل يحصل لسببٍ ما، ولهدفٍ ما. لذا، راقب أفعالك وتصرُّفاتك، واسأل نفسك يومياً عن أهدافك، وآمن أنَّ كلَّ أمرٍ إيجابيٍّ تقدِّمه يعود عليك، والعكس صحيح. من شأن ذلك أن يحميك من الكارما السلبيّة، وأن يُشعِل قلبك بالمحبَّة والرضا والإيجابيَّة.

 

المصادر:  1 ، 2

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!