في الزواج السوي ليس مهما لمن يكون القرار بل أن يكون القرار في مصلحة الأسرة، من حق من يستطيع تنفيذ القرار أن ينفرد باتخاذه ، ولكن في إطار الشورى مع الطرف الآخر حين يحكم الفضل والإيثار مؤسسة الزواج تتلاشى الخلافات حول القرار لمن؟
توترات العلاقة الزوجية الخاصة تتخفى وراء الصراع بين الزوجين على إدارة المنزل.
“المركب التي لها رئيسان تغرق” .. مثل شعبي رددته جداتنا، وأمهاتنا، وهمست به الأمهات “العاقلات” في آذان بناتهن يوم زواجهن، فعرَّفن هؤلاء البنات وعلمنهنّ الفارق بين أن يكون لهن رأي في إدارة بيوتهن وبين أن يتشبثن بهذا الرأي ويقاتلن دونه، بين أن يشاركن في صنع القرار الأسري، وأن يرفعن شعار “أنا ومن بعدي الطوفان” ويصممن على أن يكن صاحبات القرار.
المركب ذات الرئيسين تغرق؛ لأنهما سيتنازعان الرئاسة، وسيختلفان على من منهما يمسك بالدفة، وستسقط هذه الدفة من أيديهما معا وتغيب المركب في قاع البحر وهما على سطحها.
في كثير من بيوتنا يتعرض الزواج لخطر الغرق؛ حيث يصبح السؤال: لمن القرار في البيت بلا إجابة أو تضيع إجابته بين الزوجين.
“من صاحب القرار في البيت؟!” سؤال يجب أن يبحثه الزوجان معًا، لا ليصرّ كل منهما على أن يكون هو صاحب القرار، ولكن لتسير حياتهما وفق اتفاق مسبق واضح، وما كان أوله شرطٌ فآخره نور كما يقولون.
انفراد بالقرارات المصيريةsize=3>
على عينة مكونة من عشرين زوجا أجرينا استبيانا كانت نتيجته كالآتي:
– معظم الرجال يقررون أنهم أصحاب القرار، ولكن بالشورى مع الزوجات، وليس استبدادا بالرأي ولا تسلطا بنسبة 74% ، مع إضافة أن رأي الزوجة مجرد رأي استشاري غير ملزم. وبعض الرجال قالوا: إنهم يتركون المسئولية للزوجات ، ليس إهمالاً أو تقصيرًا، وإنما بسبب الانشغال بكسب الرزق، وقال 25% ممن قابتلهم: إن القرارات المصيرية في الأسرة تصدر عنهم وحدهم. بينما قال زوج واحد: أنه لا يأمن أن يترك أولاده لزوجته، فهو الذي يتولى كل مسئولياتهم، ومسئوليات البيت، فيما عدا بعض الأعمال المنزلية النسائية التي لا يجيدها.
من يستطيع تنفيذهsize=3>
بعد استطلاع رأي عدد من السيدات المتزوجات كان إجماع السيدات على أن صاحب القرار هو من يستطيع تنفيذه، سواء كان الزوج أو الزوجة، وليس بالضرورة أن يكون أحدهما هو صاحب القرار على طول الخط، وأن الشورى بين الزوجين لازمة في كل الأمور، فالزوج هو الذي يحدد نوع تعليم الأبناء؛ لأنه هو الذي سينفق على تعليمهن، ولكن ليس معنى ذلك أن يوفر على حساب مستقبل أولاده.
أما عن مسئولية المرأة، فإنها تتركز في موضوع الميزانية، وتحديد احتياجات البيت المادية، ولكن بمشاركة الرجل بالمال فقط وليس بالرأي.
عدد كبير من الزوجات يعانين من عدم المشاركة الفعلية للزوج في اتخاذ القرار، وتهرب بعض الأزواج من هذه المسئولية بسبب عدم إلمامهم بكل ظروف المنزل.
إحدى الزوجات وهي صباح صالح – موظفة – تقر أن القوامة لا تعني الاستبداد، بل المشاركة، وتحمل بعض المسئوليات، وليس كل مسئوليات البيت.
فالزوجة يمكن أن تقوم بإدارة البيت بمفردها؟
– ممكن ولكن المشاركة في الرأي تكون أفضل؛ لأن الزوج مهما ترك المسئولية دائما هو المرجع الأول ، وذلك مع مراعاة أن لكل من الزوجين تخصصه ونطاق مسئولياته، وهناك أشياء يمكن الاختلاف عليها، والرأي لمن يستطيع إقناع الآخر برأيه، وليس الرأي القاطع لأحدهما على طول الخط.
يؤكد يحيي سعد عوض – المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة – أنه من خلال خبرته في قضايا الأسرة يلاحظ أن معظم المشكلات التي تصل إلى حافة الطلاق تنتج عن عدم مراعاة حالة الزوجة النفسية خاصة في حالات الحيض والنفاس والحمل، لما ينتابها من قلق وتوتر واضطرابات، ومن ثم يلزم معاملتها بشيء من المرونة واللين، حتى تستقر حالتها تماما، كما أن توترات العلاقة الزوجية الخاصة تنعكس على كل نواحي الحياة ومن بينها الاختلاف من يتخذ القرار خاصة في بداية الزواج، والمراحل الأولى منه؛ حيث يتطلع كلاهما إلى تلك العلاقة، فإذا تحققت على أرض الواقع، وأشبع كل طرف رغبته بنجاح، فلابد أن يؤدي ذلك إلى نجاح الحياة الزوجية كلها.
وينصح يحيي سعد كل زوجين بتجنب العناد فهو أهم أسباب الفشل بالنسبة للحياة الزوجية; لأن الأمر في إدارة الحياة الزوجية شوري بين الزوجين، وإقناع واقتناع، فإن فشل طريق الشورى، فالأمر موكول للزوج، وتكون على الزوجة الطاعة بعد أن تقوم بواجبها من نصح وإرشاد.
داخل الإدارات المنزليةsize=3>
على اعتبار الأسرة مؤسسة ووحدة إدارية مصغرة متعددة، الزوج هو رئيس مجلس إدارتها، فكيف يمكن توزيع المهام داخل تلك المؤسسة؟
يجيب الدكتور سعيد عبد العال – أستاذ إدارة الأعمال بجامعة الأزهر – فيقول: إن عملية توزيع المهام بين الزوجين تعتمد على شخصية كل منهما، ودرجة التفاهم بينهما على ضرورة المشاركة. كما تعتمد على العوامل المؤثرة في التربية، ومنها عوامل وراثية وعوامل مكتسبة.
ولكن بصفة عامة يمكن القول: بأن الزوج غالبا هو صاحب الموقع الاستراتيجي، وهو صاحب القرار، ولكن هذا لا ينفي أهمية الدور الذي تقوم به الزوجة، خاصة في بعض الأمور التي لا يستطيع الزوج متابعتها، مثل: الميزانية، فالزوجة أفضل من يدبر عملية الإنفاق؛ لأن الزوج مهمته العمل لكسب الرزق، وليس لديه الوقت الكافي لمتابعة أوجه الإنفاق.
ولكن لابد أن ننظر إلى الأسرة على أنها مؤسسة إنسانية تجارية همها الربح والمنفعة، فهي مؤسسة حياتية رأس مالها الأول هو العاطفة القوية بين الزوجين، والتي ولا شك لها تأثيرها القوي في تربية الأبناء.
وأهم قواعد تلك المؤسسة “الإيمان” الذي يزيد الثقة المتبادلة بين الزوجين، وفي النهاية، فليس هناك أفضل من التعبير القرآني الذي عبر عن الحياة الأسرية بالسكن والمودة، ومن القاعدة القرآنية التي تصلح بها حياة المسلمين لا الزوجين فقط “وأمرهم شوري بينهم” .
صراع أم مودةsize=3>
يندهش الدكتور حسن عبد السلام – الأستاذ بجامعة الأزهر – من أن عالم الكائنات الحية من غير الإنسان لا توجد فيه مشكلة الصراع على اتخاذ القرار، ففي عالم الطير والحيوان ـ مثلا ـ لا نجد صراعا بين الذكر والأنثي، بل نجد تكاملاً من أجل المحافظة على النوع.
من هنا كان حرص الإسلام على أن تكون العلاقة الزوجية محكومة بضوابط شرعية وقيم أخلاقية تؤدي في النهاية إلى سيادة الرحمة والود في جميع المعاملات، وفي كل المواقف والحالات. والآية القرآنية التي تشير إلى هذه العلاقة- تدل على هذا المعني قال الله (عز وجل): “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ” [الروم:21]. فالسكن لا يكون إلا في وجود الرحمة والمودة، ولا يتصور السكن – ومن معانيه الهدوء والطمأنينة والراحة وغيرها من المعاني التي يحتاجها الزوج، وتحتاجها الزوجة ـ إذا تعامل الزوجان مع الحياة الزوجية بمنطق الصراع، واكتساب أحد الطرفين ميزات على حساب الطرف الآخر.
وفي ضوء هذا الطرح تتجاوز المعاملة بين الطرفين حدود العدل إلى دائرة الفضل، فكل طرف يحاول أن يبذل ما في وسعه لإسعاد الطرف الآخر، وإشعاره بمعاني السكن والمودة والرحمة المشار إليها في الآية. فتكون العلاقة بينهما علاقة تكاملية، وليست صراعًا وتفاضلاً.
وعلى هذا النحو كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) في خدمة أهله، وكانت زوجاته الطاهرات (رضي الله عنهن) يقدرن ذلك، ويبادلن الرسول (صلى الله عليه وسلم) المشاعر الراقية بالسمع والطاعة والإخلاص.
كما كانت بيوت الصحابة (رضي الله عنهم) تعيش في ظلال التوجيهات القرآنية، والقدوة النبوية.
من القيم التي تنمو بها الحياة وتتجمل – كما يقول د. حسن عبد السلام – : التعاون، وإذا كان الناس جميعا يحتاجون إلى التعاون والبر فيما بينهم، فالمؤسسة الأسرية أولى بهذا التعاون وأحوج إليه بطبيعة الحال، حتى يتحقق لها أكبر قدر من السعادة والخير والبر.
أما الإيثار، ومعناه إنكار الذات وتفضيل الغير على النفس وأداء الواجب، دون النظر إلى المقابل والسماح والتنازل بطيب خاطر عن بعض الحقوق، فهو طوق النجاة الذي يصل بكل أفراد الأسرة إلى شاطئ السعادة، فليس مهما من يتخذ القرار، المهم هل هذا القرار في مصلحة الأسرة أم لا؟
كما أن الزوج حين يعبر لزوجته عن امتنانه لآرائها الطيبة ، حتى لو لم يأخذ بها ، فإنه يؤجر على ذلك.
وينتقد د. حسن عبد السلام غفلة كثير من الناس عن قيمة الكلمة وأثرها، وينتج عن هذه الغفلة كثير من المشكلات التي تؤدي إلى انهيار الحياة الزوجية في بعض الأحيان. وإذا كانت الكلمة الطيبة صدقة، فأحق الناس بها الزوجة من زوجها والعكس تحقيقا لقاعدة الأقربون أولى بالمعروف.
ولنا أن نتوسع في مفهوم الأسرة لتشمل الزوجين والأبناء، وعائلة الزوجين، فالكلمة الطيبة على كل هذه المستويات، يمكن أن تكون مفتاحا لأبواب كثيرة من الخير، ومغلاقًا لأبواب كثيرة من الشر.
ويشير د. حسن إلى أنه إذا لم يستطع الزوجان الوصول إلى مرتبة التطوع والفضل فلتكن الحقوق والواجبات التي جاء بها الشرع الحدود التي ينبغي الوقوف عندها، فيؤدي كل منهما ما عليه تجاه الآخر قربى لله أولا.
قبل أن يغرق
قبل أن يغرق في الزواج السوي ليس مهما لمن يكون القرار بل أن يكون القرار في مصلحة الأسرة من حق من يستطيع تنفيذ القرار أن ينفرد باتخاذه ولكن في إطار الشورى مع الطرف الآخر حين يحكم الفضل والإيثار مؤسسة الزواج تتلاشى الخلافات حول القرار لمنتوترات العلاقة الزوجية الخاصة تتخفى وراء الصراع بين الزوجين على إدارة..
Source: islamweb.net