قراءة نقدية في أعمال الفنان التشكيلي رضوان دلولي
[wpcc-script type=”a3b86a63cc41beb1ee7123a8-text/javascript”]
على غرار المعرض التشكيلي الذي نظمته مديرية وزارة الثقافة بمراكش للفنان القدير رضوان دلولي برواق باب دكالة بمراكش، حيث أثثت لوحاته الجميلة فضاء المعرض، اتضح أن التجربة التشكيلية للفنان التشكيلي رضوان دلولي ترتكز على نمط تعبيري، يمتح مقوماته من الانفعال الباطني حيث تتبدى أعماله كوصف يعبر عن معان نفسية أو ذهنية.
وبالرغم من انزياحه أحيانا نحو المبهم، إلا أنه يصنع أشكالا تعبيرية، يصيغها في اللون الواحد، ويردفه بجنسه لينسج منهما المادة التعبيرية. ثم يشكل منها مواد رمزية وعلاماتية معقدة، فيعمد إلى روابط علائقية يكثف بها الفضاء فتتراءى بين كتل من الرموز والعلامات والألوان، ويعمد من خلال عملية البناء الى إنتاج توليف بين مختلف العناصر المكونة لأعماله، خصوصا وأنه يجمع في اللوحة الواحدة بين مجموعة من المتجانسات على مستوى اللون والأشكال، فهو إما يجمع بين الأصفر والأخضر أو الأحمر والوردي أو بين ألوان دافئة ثم يطبعها بمساحات محجبة نوعا ما، وبذلك يفصح عن التراكمات الرمزية، والأشكال والدلالات العميقة، والعلامات الأيقونية، التي تنبثق من صيغ أعماله ككل، والتي تؤصل في عمقها لفلسفة قيمية تستجيب لضرورات العمل حتى يتفاعل مع المتلقي والثقافة التشكيلية التفاعلية. وهو ما يجعله يلتجئ إلى الثقافة الكولاجية في إطار تجارب الميكسد، اقترانا بما يسوغه من مواد مختلطة الوسائط ليجعل منها موضوعا بنائيا، يرتكز على الخفة والتدرج، فهو يركز بأسلوبه هذا على رصد مناحي كثيرة من التصورات والمخالجات، و يفضل أيضا الاشتغال في المنحى الكولاجي التعبيري على مساحات متوسطة وبأشكال مثيرة، ويسعى إلى العناية الدقيقة بالقيم الجمالية، مما يمنحه مجالا واسعا لمقاربة موضوعاته البنائية المركزية بالمنحى الجمالي. فيسخر لذلك مجموعة من الوسائل المتنوعة والمفردات الفنية المختلفة بحركات يبسط أشكالها بكميات مخففة في الفضاء. وبذلك فإن القاعدة الفنية لديه هي صورة متعددة الدلالات تتحقق فيها أشكال وعلامات بتقنيات جديدة، لكنه في المنظور النقدي، يشكل لبسا ولغزا حين تتداخل مجموعة من الأشياء المنفصلة، وتتركب مع أشياء ليست من جنسها، مما يضع اللون والأشكال والعلامات والملصقات في مفارقة، ويحيل إلى إشارات غامضة. علما أن فن الكولاج يحتاج أساسا للترابط، فكلما قوي الترابط بين العناصر المكونة للعمل كلما اتضحت الصورة الكولاجية التشكيلية، لكن الفنان رضوان بتجربته الرائقة يقارب بين مكونات العمل بنوع من التدقيق والانتقاء، خصوصا وأن كل السياقات المشكلة للفضاء تتسم بوجود وشائج قائمة بين المادة الفنية والعناصر والموضوع. وهو ما ينم عن إفرازات دلالية قوية، بل ويجعل العمل ككل أيقونا مرتبطا باستدراجات يتحكم فيها الخطاب الكولاجي الذي يوجه الموضوع، وتعضده التقنية الجديدة التي تبني الصورة وفق صور متباينة، وعلى طبقات تزرع الحركة في اللوحة، مما يمنح العمل خصوبته مع بداية التشكل، ويحقق الوصل بين مختلف المفردات، ويروم كل التأويلات والقراءات الممكنة التي يحفها المنطق. خصوصا وأن أعماله تمتح مقوماتها من التراث العربي المغربي.
إن خاصية التعدد العلاماتي والرمزي والإيحائي والإشارات في نسيجه التشكيلي، تحدث حركات متتالية قادرة على تغيير المنحى التعبيري والانزياح به نحو تعددية القراءة، فهو يبلور العملية الإبداعية وفق خاصيات جديدة وأساليب معاصرة في التعبير، وإنه أيضا يؤثث لمعجم دلالي يجول بالمتلقي في عمق الصورة التعبيرية بصيغ إشكالية جمالية متعددة – فإشكالية الجمال تدعم المجال التعبيري المعاصر- ينسج على إثرها جملة من الجدليات وفق علاقات بين مختلف الألوان والرموز والعلامات، تصل درجة عالية من التوازن، وهو بذلك يحرر أعماله من كل القيود ويعبر بتلقائية، ويبني جسر التفاعل مع الأشكال الغامضة، والتي هي في جوهرها أدوات أيقونية تتفاعل مع نظام الفضاء التعبيري في أنساق دلالية متلائمة ومنسجمة فيما بينها، تطاوع الحس الانفعالي، وتصوراته التي يحملها اللون والشكل وطريقة توظيفهما مع ملصقات متنوعة ووثائق مختلفة، وهو ما تفسره التعددية المتناسقة وفق مقاربات لونية تعبيرية، وتقنية موفقة، تفصح عنها الاستعمالات اللونية والخامات، وهي تبرز قدرته التحكمية في الفضاء، وتنم عن تلقائيته في الانجاز. كما أن الربط بين العناصر المكونة للأعمال، والربط بين مجموعة من العناصر المتباينة، والاستخدامات التحولية، وبسط نوع من الانسجام بين الكتل والأشكال والرموز والعلامات، يعتبر تركا للجاهز، وصيغة لتحديث الأسلوب الذي يقود إلى عوالم توجه الطريقة التعبيرية لدى المبدع رضوان.
إن الطرق التوظيفية تلائم ماهية العمل على مستوى الشكل والمضمون، كما أن هناك وشائج بين العلامات وجمالياتها وجماليات الصور، ثم إن جماليات العمل ككل تطبعها علاقات ونسب مرهفة، لأن كل حركيات هذا العمل، وأشكاله وكتله، وتركيباته، وصوره، وكل أساليبه التنغيمية، تفرز جماليات في نسق حسي بصري، وتثير حركة نوعية، الشيء الذي يكشف عن نوع من التوازن الابداعي الشامل، فهو يستطيع بمهارته العالية، أن يخلق انسجاما بين كل العناصر المكونة للوحة عن طريق تداخل الاشكال والصور والعلامات في الفضاء اللوني بطبقات، ثم يعمد لتشكيل ذلك وفق تصوراته التي تطوع كل عناصر العمل المصففة والمنظمة بشكل محكم للانصهار في كتلة كولاجية معاصرة، بتموقعاتها الدقيقة، وتناسقها البديع. وهي عوالم تشكيلية تكشف عن جمالية العمل، وعن بلاغة الفنان المبدع رضوان، وقدرته الإبداعية المتحررة والمرنة، والمتفاعلة مع مختلف الأشكال والصور والألوان، وتشييئها وفق رؤيته الطليقة، مما يجعل أعماله تتسم بالقيم التعبيرية والجمالية. إنها حمولة مكثفة الخصائص التشكيلية الفريدة.