قصة الصحابي معاذ بن جبل

قصة الصحابي معاذ بن جبل

هو أبو عبد الرحمن، معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري الخزرجي، كان طويلا حسن الشعر عظيم العينين، أبيض براق الثنايا لم يولد له قط ، شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى الجند من اليمن يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام ويقضي بينهم.
وقال أبو نعيم في الحلية: إمام الفقهاء وكنز العلماء، شهد العقبة وبدرا والمشاهد، وكان من أفضل شباب الأنصار حلما وحياء وسخاء، وكان جميلا وسيما وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر والزهري عن بن كعب بن مالك: كان معاذ شابا جميلا سمحا، لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه. إسلامه:
أسلم معاذ رضي الله عنه وهو ابن ثمان عشرة سنة، وخرج إلى اليمن بعد أن غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك وهو ابن ثمان وعشرين سنة.
كان من قراء الصحابة، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: استقرئوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتى بأمتى أبو بكر، وأشدهم في الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينا وأمين هذة الأمة أبو عبيدة بن الجراح.
وعن فروة بن نوفل الأشجعي قال: قال بن مسعود: إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا، فقلت في نفسي: غلط أبو عبد الرحمن إنما قال الله عز وجل: “إن إبراهيم كان أمة قانتا لله”، قال: أتدري ما الأمة وما القانت؟ فقلت: الله أعلم، قال: الأمة الذي يُعلّم الخير، والقانت المطيع لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك كان معاذ بن جبل، كان مُعلّم الخير وكان مطيعا لله ولرسوله.
عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: كان معاذ بن جبل رضي الله عنه شابا حليما سمحا، من أفضل شباب قومه، ولم يكن يمسك شيئا، فلم يزل يدان حتى أغرق ماله كله في الدين  فأتى النبي صلى الله عليه وسلم غرماؤه، فلو تركوا أحدا من أجل أحد لتركوا معاذ من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فباع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله حتى قام معاذ بغير شيء.

 شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم له بالصلاح:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، وبئس الرجل حتى عد سبعة.

يحادث الشيطان ويعترك معه:

عن أبي الأسود الديلي قال: قلت لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: حدثني عن قصة الشيطان حين أخذته، فقال: جعلني رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقة المسلمين، فجعلت الثمر في غرفة فوجدت فيه نقصانا، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا الشيطان يأخذه، قال: فدخلت الغرفة فأغلقت الباب عليّ، فجاءت ظلمة عظيمة فغشيت الباب، ثم تصور في صورة فيل ثم تصور في صورة أخرى فدخل من شق الباب، فشددت إزاري عليّ، فجعل يأكل من التمر.
قال: فوثبت إليه فضبطته فالتقت يداي عليه، فقلت: ياعدو الله، فقال: خل عني فإني كبير ذو عيال كثير، وأنا فقير وأنا من جن نصيبين، وكانت لنا هذه القرية قبل أن يبعث صاحبكم فلما بعث أخرجنا عنها، فخل عني فلن أعود إليك فخليت عنه.
وجاء جبريل عليه السلام فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فنادى مناديه: أين معاذ بن جبل؟ فقمت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك يا معاذ؟ فأخبرته فقال: أما أنه سيعود فعاد.
قال: فدخلت الغرفة وأغلقت عليّ الباب، فدخل من شق الباب فجعل يأكل من التمر، فصنعت به كما صنعت في المرة الأولى، فقال: خل عني فإني لن أعود إليك، فقلت: يا عدو الله، ألم تقل لا أعود؟ قال: فإني لن أعود، وآية ذلك على أن لا يقرأ أحد منكم خاتمة البقرة، فدخل أحد منا في بيته تلك الليلة.
عن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب.
عن الصنابحي عن معاذ بن جبل أنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بيدي فقال لي: يا معاذ، والله إني لأحبك، فقلت: بأبي أنت وأمي والله إني لأحبك.
قال: يا معاذ، إني أوصيك: لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأوصى بذلك معاذ الصنابحي، وأوصى به الصنابحي أبا عبد الرحمن الحبلي، وأوصى به أبو عبد الرحمن عقبة بن مسلم.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أراد سفرا فقال: يا نبي الله أوصني، قال: اعبد الله لا تشرك به شيئا، قال: يا نبي الله، زدني، قال: إذا أسأت فأحسن، قال: يا رسول الله، زدني، قال: استقم وليحسن خلقك.

عن أبي وائل عن معاذ بن جبل قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله، ألا تخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج البيت، ثم قال:أدلك على أبواب الخير:
الصوم جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة، وصلاة الرجل من جوف الليل، ثم قرأ: “تتجافى جنوبهم عن المضاجع – حتى – جزاء بما كانوا يعملون” ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروه سنامه؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال:
رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: اكفف عليك هذا، فقلت: يا رسول الله، أوإنا لمأخوذون بما نتكلم؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم – أو قال على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم؟.

قربه من الرسول صلى الله عليه وسلم:

لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:( استقرئـوا القرآن من أربعـة:( من ابن مسعـود وسالم مولى أبي حذيفـة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل ) وقوله – صلى الله عليه وسلم-:( وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل)
قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-:( يا مُعاذ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة: اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن عبادتك ) ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـق فقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله:( كيف أصبحت يا معاذ؟) قال:( أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله ) قال النبي:( إن لكل حق حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟) قال معاذ:( ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي، ولا أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيره، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابه، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون، وأهل النار في النار يُعَذّبون ) فقال له الرسول:( عرفتَ فالزم)

فضله:

لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه:( لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر). ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال:( إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيف، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام).
دخل ( عائذ الله بن عبد الله ) المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر فيحدثنا ويقول:( فجلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء، وهو أشَبُّ القوم سِنّ، فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه:( من أنت يا عبد الله؟)قال:( أنا معاذ بن جبل )
ويقول ( أبو مسلم الخولاني ):(دخلت مسجد حمص فإذا جماعة من الكهول يتوسّطهم شاب برّاق الثنايا صامت لا يتكلم، فإذا امْتَرَى القوم في شيء تَوَجَّهوا إليه يسألونه، فقلت لجليس لي:( من هذ؟) قال:( مُعاذ بن جبل ) فوقع في نفسي حُبُّه ).
كما قال ( شهر بن حَوْشَب ):( كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل، نظروا إليه هيبة له).

حُبّ العلم:

وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول:( تعلموا ماشئتـم أن تتعلمو، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا )وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس، يقول الأسود بن هلال:( كُنّا نمشي مع مُعاذ، فقال لن: اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة ).

طهارته:

مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل في اليمن، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله، ولم ينتظر عمر بل نهض مسرعا الى معاذ وأخبره، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة، ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه، وتركه عمر وانصرف، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول:( لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء، أخشى على نفسي الغرق، حتى جئت فخلصتني يا عمر )وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر:( لا آخذ منك شيئاً )فنظر عمر الى معاذ وقال له:( الآن حَلَّ وطاب )فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحد، لو علم أنه أخذه بغير حق.

أمانته وورعه:

كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام وعاد الى زوجـه بحلسه (ما يوضع على ظهر الدابة) الذي خرج به فقالت له امرأته:( أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم؟) فقال معاذ:( لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي )فقالت امرأته:( لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك )وشاعت ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر فأرسل الى معاذ وسأله:(أنا أرسلت معك رقيبا)فقال:( يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا وقصدت بالرقيب الله عزوجل )فأعطاه عمر شيئا وقال:( أرضها به).

معلما ثم واليا للشام:

وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- أرسل اليه واليه على الشام يقول:( يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم)فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-فلما مات أمير الشام ( أبو عبيدة ) استخلفه أمير المؤمنين على الشام، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيب، وكان عمر بن الخطاب يقول:( لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي: لماذا استخلفته؟لقلت: سمعت نبيك يقول: إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم )وهذا رأيه على خلافة المسلمين جميعا.

نبذة من مواعظه وكلامه:

عن أبي إدريس الخولاني أن معاذ بن جبل قال إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق والصغير والكبير والأحمر والأسود فيوشك قائل أن يقول ما لي أقرأ على الناس القرآن فلا يتبعوني عليه فما أظنهم يتبعوني عليه حتى أبتدع لهم غيره إياكم وإياكم وما ابتدع، فإن ما ابتدع ضلالة وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان يقول علي في الحكيم كلمة الضلالة، وقد يقول المنافق كلمة الحق فاقبلوا الحق فإن على الحق نورًا، قالوا: وما يدرينا رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة؟ قال هي كلمة تنكرونها منه وتقولون ما هذه فلا يثنكم فإنه يوشك أن يفيء ويراجع بعض ما تعرفون.

وعن عبد الله بن سلمة قال: قال رجل لمعاذ بن جبل: علمني، قال وهل أنت مطيعي قال: إني على طاعتك لحريص قال: صم وأفطر، وصل ونم، واكتسب ولا تأثم، ولا تموتن إلا وأنت مسلم، وإياك ودعوة المظلوم.

وعن معاوية بن قرة قال: قال معاذ بن جبل لابنه: يا بني، إذا صليت فصل صلاة مودع لا تظن أنك تعود إليها أبدًا واعلم يا بني أن المؤمن يموت بين حسنتين: حسنة قدمها وحسنة أخرها. وعن أبي إدريس الخولاني قال: قال معاذ: إنك تجالس قومًا لا محالة يخوضون في الحديث، فإذا رأيتهم غفلوا فارغب إلى ربك عند ذلك رغبات. رواهما الإمام أحمد.

ومن أقواله رضي الله عنه:

عن يزيد بن أبي مريم قال: مر عمر بمعاذ بن جبل فقال: ما قوام هذه الأمة؟ قال معاذ:

ثلاث وهن المنجيات: الإخلاص، وهو الفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها، والصلاة وهي الملة، والطاعة وهي العصمة، فقال عمر: صدقت.

عن ربيعة بن يزيد قال: قال معاذ بن جبل:

يفتح القرآن على الناس حتى يقرأه المرأة والصبي والرجل، فيقول الرجل: قد قرأت القرآن فلم أتبع، والله لأقومن به فيهم لعلي أتبع، فيقوم به فيهم فلا يتبع فيقول: قد قرأت القرآن فلم أتبع وقد قمت به فيهم فلم أتبع، لأحتظرن في بيتي مسجدا لعلي أتبع، فيحتظر في بيته مسجدا فلا يتبع، فيقول: قد قرأت القرآن فلم أتبع، وقمت به فيهم فلم أتبع، وقد احتظرت في بيتي مسجدا فلم أتبع، والله لآتينهم بحديث لا يجدونه في كتاب الله ولم يسمعوه عن رسول الله لعلي أتبع، قال معاذ: فإياكم وما جاء به؛ فإن ما جاء به ضلالة.

وفاته:

عن يزيد بن عميرة أن معاذ بن جبل لما حضرته الوفاة قالوا: يا أبا عبد الرحمن، أوصنا، قال: أجلسونى ثم قال: إن العمل والإيمان مظانهما من التمسهما وجدهما، والعلم والإيمان مكانهما من التمسهما وجدهما، فالتمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم؛،  فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة.

ولما وقع الطاعون بالشام قال معاذ: اللهم أدخل على آل معاذ نصيبهم من هذا، فطعنت له امرأتان فماتتا، ثم طعن ابنه عبد الرحمن فمات، ثم طعن معاذ بن جبل فجعل يغشى عليه فإذا أفاق قال: اللهم غمني غمك فوعزتك إنك لتعلم أني أحبك، ثم يغشى عليه فإذا أفاق قال مثل ذلك.

وقال عمرو بن قيس: إن معاذ بن جبل لما حضره الموت قال: انظروا أصبحنا؟ فقيل:لم نصبح، حتى أتي فقيل: أصبحنا، فقال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار، مرحبا بالموت مرحبا زائر حبيب جاء على فاقة.

اللهم تعلم أني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك، إني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمإ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.
مات سنة ثمان عشرة وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، في طاعون عمواس، و قبره رضي الله عنه بقصير خالد من عمل دمشق.