‘);
}

الأنبياء والرسل عليهم السلام

خلق الله تعالى البشر ولم يتركهم هملاً تائهين على وجوههم لا يميّزون الحقّ من الباطل، بل بعث إليهم الأنبياء والرسل، وجعل الجنّة جزاءً لمن اتّبع الرسل، والنار لمن عصاهم وتكبّر عليهم؛ ولذلك فإنّ أفضل البشر على الإطلاق هم الأنبياء والرسل، فهم الذين بذلوا حياتهم في الدعوة إلى الله تعالى، وإخراج الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن وحل الفساد وسوء الخُلق إلى حياة الصلاح والإصلاح، كما في قول الله تعالى عن الصالحين من آل إبراهيم عليه السّلام: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)،[١] ومن الجدير بالذكر أنّ كلّ الأنبياء والرسل بدأوا دعوتهم بالنداء إلى توحيد الله تعالى ونبذ الشرك، والتحذير من خطر الوقوع فيه، فكان كلّ رسولٍ يقول لقومه: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ)،[٢] وكانت دعوتهم تشمل الملأ من القوم وعامتهم؛ لأنّ هدفهم صلاح الناس جميعاً.[٣]

قصة قوم سيدنا صالح عليه السلام

قوم صالح عليه السلام

قوم صالح -عليه السّلام- هم قومٌ من العرب العاربة، واسم قبيلتهم ثمود، وقد عاشت ثمود في منطقة الحجر الواقعة في شمال الجزيرة العربية وبالتحديد بين الحجاز والشام، ومن أهمّ ما كان يميز هذه القبيلة؛ التقدّم الحضاري في كافة المجالات، فقد كانوا متقدمين في مجال العمارة، حيث أنشأوا المساكن الفاخرة، وكانوا ينتقلون في الشتاء للسكن في بيوت نحتوها داخل الجبال، وفي الصيف يسكنون بيوتاً أقاموها في المرتفعات الجبليّة، وتقدموا في مجال الزراعة أيضاً حيث أقاموا مزارع النخيل والنباتات المختلفة، وعيون الماء، وجنات الثمار، بالإضافة إلى تطورهم العلمي والصناعي الذي يدلّ على قوتهم العقليّة الكبيرة، فقد ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم، حيث قال: (وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)،[٤] والمقصود بمستبصرين؛ أنّ لديهم القدرة على النظر والبصر والتدبّر، وكانوا على مستوى رفيعٍ من المدنيّة، حيث أقاموا مجلساً مكوناً من تسعة أشخاصٍ؛ ليقود قبيلتهم سياسياً، ويدفعهم إلى الأمام، وعلى الرغم ممّا أكرمهم الله تعالى به من النعم والخيرات، ومنها القوّة العقليّة، إلّا أنّهم لم يستخدموها في معرفة الحقّ واتباعه، وإنّما استخدموها في اتّباع أهوائهم وتحقيق شهواتهم، فكانوا من أتباع الشيطان، وعبدوا الأصنام من دون الله تعالى، بالإضافة إلى أنّ مجلس قيادتهم المكون من تسعة أشخاص قد ضلّلهم وأبعدهم عن الهدى واتّباع الحقّ، كما قال تعالى: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)،[٥] فكانت النتيجة فسادهم أخلاقياً ودينيّاً، كما قال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)،[٦] حيث أسرفوا في الملذات والفساد، وبالغ كبرائهم بالكبر والغرور، فبعث الله تعالى صالحاً عليه السّلام؛ ليدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى وإخلاص العبودية له سبحانه، حيث قال تعالى: (وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ)،[٧] فما كان جوابهم من الدعوة إلّا أن سخروا واستهزءوا وأصروا على كفرهم.[٨]