قصة من سلوان.. هكذا يعيش أبناء عائلة أبو صبيح محاطين بالمستوطنين

تلخص المقدسية سمر أبو صبيح معاناة عائلتها اليومية من المستوطنين في بلدة سلوان قائلة إنها تعيش “جحيما” يدفعها للزوم منزلها كسجن اختياري كي لا يضعوا أيديهم على أرضها المجاورة.

Share your love

سمر أبو صبيح تقف في أرضها لحمايتها (الجزيرة نت)
سمر أبو صبيح تقف في أرضها ببلدة سلوان لحمايتها من المستوطنين وقوات الاحتلال (الجزيرة)

القدس- إلى بلدة سلوان (جارة المسجد الأقصى) سرنا بحثا عن عائلة أبو صبيح في الحارة الوسطى، وهي التي عاشت مواجهات صاخبة مع المستوطنين دفاعا عن أرضها المهددة بالسلب بعد تسريب ما يجاورها لصالح المستوطنين ووضع اليد عليها في نيسان/أبريل الماضي.

لم يكن الوصول إلى منازل العائلة المحاصرة بالبؤر الاستيطانية سهلا، ففي الطريق إليها تلفت بصر الزائر أعلام إسرائيلية ضخمة ترفرف أعلى البنايات السكنية المسربة لهم، وبنجمة داود المضيئة على واجهات هذه البنايات أيضا.

وهنا يعمل مستوطن بكل ما أوتي من قوة لتثبيت ستار حديدي على الشرفات الخارجية للبؤرة الاستيطانية التي يعيش فيها، فيما يتنقل حراس مسلحون بين البيوت التي يقطنها المستوطنون دون توقف.

ومع الاقتراب من منازل عائلة أبو صبيح يزداد المشهد قتامة، إذ أقيمت في الأرض المستولى عليها غرفتا مراقبة للمستوطنين، وسياج حديدي لتثبيت حدود الأرض المسربة والمتداخلة مع تلك التي تقاتل العائلة بصدورها العارية للدفاع عنها.

الأرض المجاورة التي سربت للمستوطنين قبل أشهر وأسفل الصورة أرض عائلة أبو صبيح التي يسعى المستوطنون وضع اليد عليها الآن (الجزيرة نت)الأرض المجاورة التي سربت للمستوطنين قبل أشهر وفي الأسفل الأرض التي يسعى المستوطنون لمصادرتها (الجزيرة)

امرأة في وجه المستوطنين

سمر أبو صبيح (50 عاما) تقف في خط الدفاع الأول عن الأرض المجاورة لمنزلها، والتي يملكها زوجها وشقيقه، وفي غيابهما عن المنزل للعمل تقارع هذه السيدة المستوطنين وحراسهم وعناصر الشرطة الإسرائيلية لساعات طويلة، لمنعهم من وضع موطئ قدم لهم في الأرض التي تبلغ مساحتها 400 متر مربع.

ومؤخرا، حاول المستوطنون من جديد وضع سلالم حديدية في الأرض، ونُشر مقطع فيديو بشكل واسع على المنصات الاجتماعية لسمر صبيح وهي تطرد المستوطنين المسلحين بكل جرأة من أرضها، لكنهم عادوا بعد ساعتين وأكملوا تثبيت السلالم الحديدية بحماية الشرطة.

وتعود بداية الحكاية هنا -كما تقول سمر- إلى نيسان/أبريل الماضي عندما استفاق 21 فردا من عائلة أبو صبيح على صوت غير اعتيادي، ليكتشفوا أن أحد الأقارب سرّب أرضه للاحتلال، ووجدوا أنفسهم مضطرين للدفاع عن أرضهم المجاورة، والتي حاول المستوطنون منذ اليوم الأول اقتطاع جزء منها لترسيم الحدود بين القطعتين المتداخلتين.

تقول سمر “بعد أيام من التسريب حاول المستوطنون وضع سلالم خشبية تصل بين البؤرة الاستيطانية الواقعة أسفل منزلنا وبين الأرض أعلاها، لكننا أفشلنا ذلك وهدمنا السلالم، ثم أعادوا الكرّة قبل شهر بنصب سلالم حديدية، واستصدرنا أمرا من المحكمة لإزالتها مرة أخرى لأنهم تعدوا على ملكيتنا الخاصة”.

وظنت العائلة أن كابوس الاستيلاء على الأرض انتهى بعد القرار القضائي المقترن تنفيذه بإيداع مبلغ بقيمة 4600 دولار ليصبح ساري المفعول.

لكنها فوجئت بعد هدم السلالم باستدعاء المخابرات الإسرائيلية اثنين من أفرادها للتحقيق، قبل أن يتم اعتقالهما والإفراج عنهما بشرط الإبعاد عن أرضهم لمدة 6 أشهر.

وتجددت الاعتداءات قبل أيام عندما وصل المستوطنون محيط منزل عائلة أبو صبيح بأعداد أكبر بهدف نصب سلالم حديدية ضخمة، وبعدما طردتهم سمر بدقائق عادوا بحماية الشرطة وادعوا أنهم يحملون أمرا قضائيا لشق طريق للمستوطنين.

الشاب المقدسي فادي أبو صبيح (الجزيرة نت)الشاب المقدسي فادي أبو صبيح مبعد عن أرضه المهددة بالمصادرة (الجزيرة)

الجحيم بعينه

وزُرعت أول بؤرة استيطانية بجوار عائلة أبو صبيح قبل 7 أعوام حيث بدأت معاناتها، لكن -كما تسرد ابنتها سمر للجزيرة نت- “تعيش العائلة الجحيم بعينه منذ تسريب الأرض المجاورة، إلى جانب تسريب بنايتين سكنيتين قبل 3 أشهر”.

ويقع أبناء العائلة في مشادات كلامية يومية مع المستوطنين “جراء اعتداءاتهم التي لا تتوقف، واحتفالاتهم وصلواتهم المزعجة لسكان الحي”.

لكن أكثر ما يقلق سمر ونساء العائلة الأخريات انتهاك حرمة منازلهن من كاميرات المراقبة المثبتة حول البؤر الاستيطانية المجاورة، بالإضافة لعيشهن رهن الحبس المنزلي خوفا من اعتداءات المستوطنين في حال غادرن -ولو مؤقتا- لقضاء احتياجاتهن الأساسية.

ويقف ابن العائلة فادي أبو صبيح عاجز الحيلة أمام مشهد مرور عشرات المستوطنين من أرضه، وهو المبعد قسرا عنها، وفي ظل تهديده بدفع غرامة بقيمة 3 آلاف دولار إذا دخل حدودها.

يقول هذا الشاب للجزيرة نت إن الحكومة الإسرائيلية تأتي بأشرس المستوطنين للعيش في البؤر الواقعة بقلب الأحياء المقدسية، وبينما يحاول هؤلاء في البداية اتباع سياسة التغلغل الناعم بين المقدسيين يواجهون بالرفض من أهالي البلدة.

وباتت أقصى أمنيات فادي أن يتمكن من التفرغ لإنجاز رسالة الماجستير في جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس (شمال الضفة الغربية)، والتي لم يتمكن من دخولها منذ جاورهم المستوطنون.

أصحاب الحق

أمام المنزل وحوله لا يتوقف حفيدا سمر (سيلا وبركة) عن الحركة ويتصدران المشهد كلما اقترب المستوطنون من الأرض، فيهرول بركة ذو الأعوام الأربعة إلى جدته قائلا “اليهود دخلوا الأرض”.

تتجند سمر لطردهم، فتنجح أحيانا وتفشل أحيانا أخرى، خاصة مع استدعائهم قوات الشرطة لحمايتهم، لكنها في كل مرة تحث حفيدها على عدم الخوف منهم، وتعلّمه أن العائلة هي صاحبة الحق.

وهنا تصدح أغنية وطنية من مكبرات صوت ضخمة، وتتجول سمر وأحفادها دون توقف بين شجرة زيتون معمرة وشجرة رمان مثمرة، لكنها تتحسر على ثمار العنب المتدلية المحرومة من قطفها بعد تسييج الأرض المسربة، وتقول “زرعتُ وزوجي هذه الشجرة عام 1991 بعد أيام من زواجنا، ومن الآن فصاعدا سيقطف ثمارها الغرباء”.

المستوطنون يستخدمون السلالم التي ثبتوها في أرض عائلة أبو صبيح للتحرك بين البؤر الاستيطانية (الجزيرة نت)المستوطنون يستخدمون السلالم التي ثبتوها في أرض عائلة أبو صبيح للتحرك بين البؤر الاستيطانية (الجزيرة)

غرقت عيناها بالدموع مرارا، لكنها سرعان ما استجمعت قواها وحثت الجميع على التماسك وضرورة العمل والتفاني لحماية الأرض المطلة على المسجد الأقصى وسور القدس التاريخي.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!