قيمة الوقت: كم يستحق وقتك حقاً؟

ليست كلُّ استخدامات الوقت متساوية، ويمكن أن تُحدِث هذه الحقيقة البسيطة فارقاً كبيراً في الحياة؛ إذ يجني الناس الذين يقضون وقتهم في القيام بعملٍ مربحٍ أكثر مزيداً من المال، في حين يبني الأشخاص الذين يقضون وقتهم في الاستثمار مع الآخرين علاقاتٍ أفضل. تشرح هذه المقالة كيفية معرفة قيمة وقتك، واستخدام تلك المعلومات لقضاء وقتك بشكلٍ أكثر فعالية؛ إذ يبدأ فهم كيفية تحقيق أقصى استفادةٍ من وقتك بمعرفة قيمته.

Share your love

ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب الأميركي “جيمس كلير” (James Clear)، مؤلِّف كتاب “العادات الذَّرِّيَّة”؛ والذي يحدِّثنا فيه عن القيمة الحقيقة للوقت.

يتمتع الأشخاص الذين يقضون وقتهم في العمل في مهنةٍ سهلةٍ بمزيدٍ من الحرية، بينما يساهم الأشخاص الذين يقضون وقتهم في العمل في المشاريع عالية التأثير بشكلٍ أكبر في المجتمع؛ وسواءً أكنت تريد مزيداً من الثروة، أم الصداقة، أم الحرية، أم التأثير؛ يتعلَّق الأمر كلُّه بكيفية قضاء وقتك وتقديره.

ربَّما تريد كلَّ الأشياء المذكورة أعلاه من: الصداقة والحرية والتأثير والصحة، وغيرها أيضاً؛ ولكن لا يمكنك الحصول على كلِّ شيءٍ في وقتٍ واحد؛ لذلك تحتاج إلى فهم كيفية إدارة المقارنات التي تواجهها بشكلٍ فعَّالٍ يومياً.

تشرح هذه المقالة كيفية معرفة قيمة وقتك، واستخدام تلك المعلومات لقضاء وقتك بشكلٍ أكثر فعالية؛ إذ يبدأ فهم كيفية تحقيق أقصى استفادةٍ من وقتك بمعرفة قيمته.

قيمة الوقت: ما قيمة ساعةٍ واحدة؟

كُنتُ أتسوَّق لشراء حقيبة سفرٍ صغيرةٍ قبل بضعة أسابيع من بدء كتابة هذا المقال، وقد وجدت بعد الكثير من البحث واحدةً أعجبتني، وبسعرٍ معقول؛ ولكن كانت هناك مشكلةٌ واحدة، فقد كانت الحقيبة من صنع شركةٍ في المملكة المتحدة، وتبلغ تكلفة شحنها إلى الولايات المتحدة 45 دولاراً.

لقد أوقفتني على الفور فكرة دفع 45 دولاراً لشحن حقيبةٍ بقيمة 19 دولاراً؛ لذلك بحثت عن متاجر البيع بالتجزئة، وكان للشركة مقرٌّ في مدينة نيويورك، وكنت أخطِّط بالفعل لزيارة المدينة بعد بضع أسابيع؛ لذا بحثت عن موقع المتجر، وأدركت أنَّ الذهاب إلى المتجر خلال رحلتي يستغرق ساعةً واحدة.

هل يجب عليَّ توفير الوقت ودفع 45 دولاراً لشحن الحقيبة إلي؟ أم عليَّ توفير المال وقضاء ساعةٍ واحدةٍ من وقتي في أخذها شخصياً؟ لم يكن لدي أيُّ فكرةٍ عمَّا إذا كان الذهاب إلى المتجر أم دفع رسومٍ إضافيةٍ للشحن هو أفضل استثمارٍ لوقتي ومالي.

معضلة الوقت مقابل المال:

لدينا جميعاً مقياسٌ داخليٌّ على مستوىً ما لمقدار وقتنا، فعلى سبيل المثال: إذا عرض شخصٌ ما أن يدفع لك 0.07 دولارٍ مقابل ساعة عملٍ واحدة، فسوف ترفض على الفور؛ في حين لو عرض شخصٌ أن يدفع لك 700 دولارٍ مقابل ساعة عملٍ واحدة، فستقبل من فورك.

إنَّه لمن السهل معرفة ما إذا كانت المَهمَّة تستحق وقتك أم لا؛ ولكن مع تقدُّمك نحو منتصف نطاق القيمة الزمنية، يصبح من غير الواضح ما إذا كانت مَهمَّة معينة تستحق وقتك أم لا؛ وهذه هي المشكلة، أن تعيش معظم الحياة في المنطقة الرمادية من القيمة الزمنية.

فمثلاً:

  • هل يجب عليك شراء رحلةٍ دون توقف، وتوفير ساعتين من وقتك؟ أم الحصول على رحلةٍ مع التوقف وتوفير 90 دولاراً من مالك؟
  • هل يجب أن تدفع للمراهق في الجوار 20 دولاراً لجزِّ العشب في حديقة منزلك حتَّى تحصل على ساعةٍ إضافيةٍ مجانيةٍ في عطلة نهاية الأسبوع؟
  • هل يجب أن تقضي وقتك هذا الأسبوع في العمل مع عميلٍ يدفع لك 2000 دولارٍ على الفور؟ أم في العمل على فكرةِ عملٍ يمكن أن تُكسِبَكَ 20000 دولارٍ خلال العام المقبل؟

نحن نقوم بخيارات مثل هذه كلَّ يوم، لكنَّ معظم الناس يبنون قراراتهم وفق مشاعرهم أو تخميناتهم، ولا يحسبون ما يستأهله وقتهم فعلاً؛ فلكلِّ شخصٍ قيمةٌ لساعةٍ من وقته، ولكنَّ عدداً قليلاً جداً من الأشخاص يمكنهم إخبارك بالفعل ما هو هذا الرقم؛ ولم أكن مختلفاً كثيراً عنهم حتَّى وقتٍ قريب.

كيف تحسب القيمة الحقيقية لوقتك؟

دفعتني معضلة وقتي مقابل المال إلى التواصل مع كلِّ خبيرٍ يمكن أن أجده حول هذا الموضوع، فتحدَّثت مع رواد الأعمال، ومستشاري الإنتاجية، والمدربين التنفيذيين، وحتَّى لاعبي الورق المحترفين حول أفضل الطرائق لتحديد مقدار وقتي، وكيفية اتخاذ قراراتٍ أفضل بناءً على تلك المعلومات.

تتبَّعت بعد ذلك كلَّ ساعةٍ قضيتها على مدى ثلاثة أشهر، وحسبت قيمة كلِّ ساعةٍ باستخدام ست معادلاتٍ مختلفة، ثمَّ لخَّصت كلَّ هذا البحث والتجريب في عمليةٍ بسيطةٍ إلى حدٍّ ما، والتي سأشرحها الآن.

ينقسم الجزء المتبقي من هذه المقالة إلى قسمين اثنين:

  • الجزء الأول سريعٌ وسهل: يغطِّي هذا الجزء كلَّ ما يحتاجه معظم الناس، وسيساعدك في غضون 15 دقيقة في وضع تقديرٍ معقولٍ لقيمة وقتك، وستكون قادراً على اتخاذ قراراتٍ مستنيرةٍ بسبب ذلك؛ لذا أُوصِي الجميع بقراءته.
  • الجزء الثاني مستهلِكٌ للوقت ولكنَّه قيِّم: سيجد رجال الأعمال والمديرون التنفيذيون على وجه الخصوص، الجزء الثاني مفيداً؛ إذ يساعدك في تقييم القيمة المتوقَّعة لاستخداماتٍ مختلفةٍ للوقت، كي تتمكَّن من اتخاذ قراراتٍ استراتيجيةً أفضل، والتي تؤتي ثمارها على المدى الطويل.

الجزء الأول: طرائق الدخل المُحقَّقة

سنبدأ باستخدام طرائق الدخل المحقَّقة لحساب قيمة وقتك، حيث تستند هذه الحسابات على الدخل الذي تلقَّيته بالفعل (أو تحقِّقه) فقط، وقد جاءت من هنا تسمية “طرائق الدخل المحقَّقة”.

ستساعدك هذه الحسابات في اتخاذ قراراتٍ أفضل حول كيفية إنفاق الأموال على عمليات الشراء اليومية؛ تحتاج للبدء إلى معرفة اثنين من المدخلات:

  • مقدار الوقت الذي تقضيه في كسب المال.
  • مقدار المال الذي تجنيه خلال تلك الفترة من الوقت.

فلنتحدث إذاً عن كيفية قياس هذين العاملين وإيجاد تقديرٍ سريعٍ لقيمة وقتك.

الخطوة 1: كيفية تتبُّع وقتك

الخطوة الأولى هي قياسُ إجمالي الوقت الذي تستثمره لكسب المال، وليس فقط الساعات التي تعمل فيها فعلياً؛ فعلى سبيل المثال: إذا كنت تقضي ساعةً واحدةً في التنقل للعمل كلَّ يوم، وثماني ساعاتٍ في العمل، فستتكلف تسع ساعاتٍ لكسب المال في ذلك اليوم؛ وبالمثل، يجب أن تضيف أيَّ وقتٍ تقضيه في العمل على شيءٍ ثانوي، مثل: الوقت الذي تقضيه في توصيل أطفالك إلى الحضانة أثناء ذهابك للعمل.

نحاول باستخدام هذه الأرقام الحصول على صورةٍ كاملةٍ عن إجمالي الوقت الذي تستثمره كلَّ عامٍ لكسب المال.

إذا كنت تعاني من أجل التوصُّل إلى تقديرٍ لوقتك، فأنت لست وحدك؛ إذ ينتاب الغموضُ معظم الناس حول كيفية انقضاء 24 ساعةً كلّ يوم؛ فإذا كنت غير واثقٍ من مقدار الوقت الذي تقضيه في العمل، أوصيك باعتبار عدد ساعات العمل هي 2500 ساعة عمل في السنة كنقطة بداية (أي حوالي 250 يوم عمل فعلي في السنة).

إليكَ السبب: لنفترض أنَّك تقضي 10 ساعاتٍ يومياً في العمل، أو في الذهاب إلى العمل، أو في القيام بمهام تتعلَّق بالعمل؛ فمع أسبوع عملٍ لمدة خمسة أيام، سيكون عدد ساعات عملك 50 ساعةً في الأسبوع؛ وإذا كنت تعمل 50 أسبوعاً في السنة، مع إجازةٍ لمدة أسبوعين، فيعني هذا 2500 ساعةٍ في السنة. سأترك الأمر لك لإجراء تعديلاتٍ بناءً على ظروفك الخاصة، ولكن بالنسبة إلى معظم الموظفين أو رواد الأعمال بدوامٍ كامل، أعتقد أنَّ 2500 ساعةٍ ستصل بك إلى النتيجة الصحيحة.

تتبَّع الوقت: كيف فَعَلْتُ ذلك؟

أقضي معظم وقتي كرائد أعمالٍ عبر الإنترنت في العمل على الكمبيوتر؛ وعندما بدأت قياس وقتي، ثبَّتُّ أداةً برمجيةً تسمَّى (RescueTime).

يسجِّل برنامج (RescueTime) مقدار الوقت الذي أقضيه بالضبط في كلِّ مَهمَّة، مثل: مقدار الوقت الذي أقضيه في قراءة كلِّ موقع ويب، أو في استخدام كلِّ برنامج، وتصفُّح الوسائط الاجتماعية، وما إلى ذلك.

بعد أن جمَّعت بياناتٍ لثلاثة أشهر، أحصيتُ أرقاماً من تطبيقاتٍ أخرى لتقريب تقديراتي، فعلى سبيل المثال: أضفت كلَّ وقتي في الاستماع إلى “تطبيق أوديبل” (Audible) لتقدير الوقت الذي أمضيته في قراءة الكتب.

وجدت باستخدام الأرقام من (RescueTime)، وبعض التقديرات المعقولة؛ أنَّني أقضي حوالي 2742 ساعةَ عملٍ في السنة؛ ونظراً إلى تقسيم (RescueTime) لكلِّ فئةٍ على حِدَة، تمكَّنت أيضاً من تجميع وقتي في مجالاتٍ محددة، مثل: الكتابة، والقراءة، وتصميم مواقع الويب، والتسويق، وما إلى ذلك.

لا يعدُّ هذا التقسيم التفصيلي ضرورياً، ولكنَّه سيكون مفيداً خلال الجزء الثاني من هذه المقالة؛ وكلُّ ما تحتاجه في الوقت الحالي هو تقديرٌ معقولٌ لإجمالي عدد الساعات التي تقضيها لكسب المال كلَّ عام.

الخطوة 2: كيفية حساب مقدار المال الذي تجنيه

العامل الثاني الذي تحتاج إلى معرفته هو مقدار المال الذي كسبته خلال الوقت الذي قضيته في العمل، وهذا بسيطٌ للغاية؛ فإذا كنت عاملاً بالساعة أو موظفاً بأجر، فما عليك سوى إلقاء نظرةٍ على آخر راتبٍ لك، وضربه بعدد الرواتب التي تجنيها سنوياً؛ وإذا لم يتغيَّر راتبك كثيراً هذا العام، يمكنك أيضاً إلقاء نظرةٍ على الإقرار الضريبي الخاصِّ بك من العام الماضي، واستخدام هذا الرقم فقط.

يجب عليك أيضاً تضمين الأموال من الأعمال الجانبية والأعمال الحرّة (فريلانس)؛ لأنَّ الوقت الذي تقضيه في هذه الأنشطة مدرجٌ في الخطوة الأولى.

الرقم الذي نحاول حسابه هو راتبك الذي ستأخذه معك إلى منزلك (صافي دخلك)، وهذا هو مقدار المال الذي تبقَّى بعد خصم الضرائب؛ إذ تُقتَطَع الضرائب بالنسبة إلى معظم الموظفين من رواتبهم؛ لذا فإنَّ راتبك الذي تحصل عليه بشكله النهائي، هو في الأساس ما تحصل عليه لمحفظتك؛ وإذا كنت صاحب عمل، فيجب عليك خصم الضرائب ومصاريف الأعمال من إجمالي الإيرادات.

تتبُّع المال: كيف فَعَلْتُ ذلك؟

أنا أستخدم خدمةً مخصَّصةً لتتبُّع دخل ونفقات عملي (خدمة إدارة الحسابات عبر الإنترنت)؛ حيث تسحب البيانات تلقائياً من حسابات شركتي، ثمَّ يُجمِّع البرنامج كلَّ شيءٍ في كشوفٍ ماليةٍ جاهزةٍ للضرائب، ويمكنني من خلال بضع نقراتٍ معرفة مقدار المال الذي كسبته خلال الشهر أو الربع سنة أو السنة السابقة.

إذا كنت رائد أعمالٍ أيضاً، فأُوصيك باستخدام الأرباح السنوية لهذه الحسابات؛ لأنَّ دخل الشركات الصغيرة يمكن أن يتذبذب -بشكلٍ كبير أحياناً- من شهرٍ إلى آخر، ويساعد النظر إلى أرباحك على مدى فترةٍ زمنيةٍ أطول في توفير قيمةٍ أكثر واقعيةً لوقتك.

الخطوة 3: احسب قيمة وقتك

أخيراً، قسِّم إجمالي أموالك المكتسبة (الخطوة الثانية) على إجمالي الوقت الذي تقضيه (الخطوة الأولى).

على سبيل المثال: لنفترض أنَّك تقضي 2500 ساعةً سنوياً في كسب المال:

  • إذا جنيت 12.316 دولاراً في السنة، فيساوي وقتك 4.93 دولاراً في الساعة؛ وهذا هو خط الفقر لعام 2014 للفرد في الولايات المتحدة.
  • إذا جنيت 46.226 دولاراً في السنة، فيساوي وقتك 18.49 دولاراً في الساعة؛ وهذا هو متوسط ​​الدخل لعام 2014 للنساء في الولايات المتحدة.
  • إذا جنيت 62455 دولاراً في السنة، فيساوي وقتك 24.98 دولاراً في الساعة؛ وهذا هو متوسط ​​الدخل لعام 2014 للرجال في الولايات المتحدة.
  • إذا جنيت 100.000 دولارٍ في السنة، فيساوي وقتك 40.00 دولاراً في الساعة.
  • إذا كنت تجني 1.000.000 دولارٍ في السنة، فيساوي وقتك 400.00 دولاراً في الساعة.

تفترض كلُّ هذه الأرقام أنَّك تعمل 2500 ساعةٍ في السنة، وإنَّه لمن الواضح أنَّ الأرقام ستتغيَّر إذا كنت تعمل ساعاتٍ أكثر أو ساعاتٍ أقل.

هل هذه الأرقام دقيقة؟

عندما حسبتُ هذه الأرقام لأوّل مرةٍ فوجئت، فقد كانت قيمة ساعةٍ من وقتي أقلَّ بكثيرٍ ممَّا اعتقدت أنَّها ستكون.

فكِّر في عدد العاملين المستقلين الذين يتقاضون 40 دولاراً في الساعة، لكن لا يجنون 100.000 دولارٍ سنوياً؛ أو ضع في اعتبارك عدد المستشارين الذين يتقاضون 400 دولارٍ في الساعة، لكن لا يجنون 1.000.000 دولارٍ سنوياً.

كيف يمكن أن يكون هذا صحيحاً؟

الجواب هو أنَّ هؤلاء الناس يجنون فقط 40 دولاراً في الساعة، أو 400 دولاراً في الساعة لبعض ساعاتهم، وليس لكلِّها؛ وعندما نقسِّم إجمالي دخلهم على إجمالي الوقت الذي يقضونه في العمل، تكون قيمة كلِّ ساعةٍ أقلَّ بكثيرٍ ممَّا يتقاضونه مقابل ساعة عملٍ معيَّنة.

علاوةً على ذلك، ورغم أنَّنا قد نعرف ما نتقاضاه في الساعة، فنادراً ما نحسب مقدار الوقت الذي يستغرقه كسب المال خارج ساعات العمل لدينا؛ ونحصل من خلال حساب مدة الوقت الذي نستثمر فيه لكسب المال على صورةٍ أوضح عن قيمة وقتنا في الواقع، والتي عادةً ما تكون أقلَّ بكثيرٍ ممَّا سنحصل عليه مقابل ساعةٍ من العمل في وظيفتنا.

الآن، وإذا كان حالك كحالي، فأنت تريد التحقُّق من دقة هذا الحساب الأول؛ لذا هناك بعض الطرائق السريعة للتحقُّق ممَّا إذا كانت قيمة الساعة الخاصَّة بك دقيقة، فدعنا نحسبها الآن.

الضوابط والتوازنات:

تسمَّى الطريقة التي استخدمناها للتو لحساب قيمة الوقت طريقة “الأجر المقبوض”؛ لأنَّها تعتمد على ما تدفعه، وهناك نوعان آخران من طرائق الدخل التي يمكننا استخدامها للتحقُّق من دقة صافي الأجر الذي تجنيه، وسأشرحها بإيجازٍ أدناه.

  • طريقة سعر السوق: هي المعدَّل الذي يمكن أن تتوقَّع أن تكسبه إذا عيَّنتك شركةٌ أخرى للحصول على وظيفةٍ كنت مؤهَّلاً لأدائها، فعلى سبيل المثال: أقضي الكثير من وقتي في الكتابة، لذلك يمكن أن أُعيَّنَ في وظيفة كاتب محتوى؛ كما أقضي الوقت أيضاً في تنمية الأعمال التجارية، لذلك ربما أُعيَّن في وظيفة تطوير الأعمال؛ لذا بحثت عن الراتب لكلِّ دورٍ كنتُ مؤهلاً له، ثمَّ قسمته على عدد الساعات التي أعمل بها للحصول على تقديرٍ آخرَ لقيمة وقتي. يمكنك التفكير في هذه الطريقة لحساب قيمة وقتك في سوق العمل.
  • الطريقة القائمة على التكلفة: وهي السعر الذي تدفعه لشخصٍ آخر للقيام بالعمل الذي تقوم به. بعبارةٍ أخرى: تخيَّل أنَّك ربُّ العمل، وعليك تعيين شخصٍ للقيام بعملك.

لقد بدأت بتقسيم وظيفتي إلى مهام محدَّدة، مثل: الكتابة، والتسويق، وما إلى ذلك؛ وتقدير مقدار الوقت الذي أمضيته في كلِّ مَهمَّة، ثمَّ دقَّقت فيما سأكون على استعدادٍ لدفعه لأداء هذه المَهمَّة بدوامٍ كامل، وحسبت بعد ذلك متوسط جميع المهام للتوصُّل إلى المعدَّل العامِّ الذي سأكون على استعدادٍ لدفعه ليقوم ذلك الشخص بعملِ ما أقوم به كلَّ يوم؛ وأخيراً، قسَّمت ما كنت على استعدادٍ لدفعه من خلال إجمالي عدد ساعات العمل.

ما إن حصلت على أرقام لجميع الطرائق الثلاث، حسبت متوسط ​​قيمة وقتي.

لقد أكملنا الآن الجزء الأول، وتمكَّنا باستخدام الحسابات المذكورة أعلاه من تحديد تقييم سريعٍ ودقيقٍ لقيمة وقتك، ويمكننا الآن تضييق نطاق عدم اليقين واتخاذ قراراتٍ أفضل.

على سبيل المثال:

  • إذا كنت تعلم أنَّ وقتك يساوي 25 دولاراً في الساعة، فلا يجب عليك الانتظار في الطابور لمدة 30 دقيقة للحصول على بطاقة هدايا بقيمة 10 دولارات.
  • إذا كنت تعلم أنَّ وقتك يساوي 60 دولاراً في الساعة، فيجب عليك دائماً دفع 49 دولاراً للشحن، بدلاً من قضاء ساعةٍ واحدةٍ في التسوق من المتجر.
  • إذا كنت تعلم أنَّ وقتك يساوي 80 دولاراً في الساعة، فعليك دائماً شراء الرحلة المباشرة التي توفِّر لك ساعتين، حتَّى إذا كانت تكلِّف 150 دولاراً أكثر من الرحلة مع تَوَقُّف.

بمجرَّد أن تعرف مقدار وقتك بالدولار والسنتات، يمكنك اتخاذ قراراتٍ أفضل يوميَّاً.

نعلم في هذه المرحلة أنَّ وقتك يستحقُّ على الأقل الرقم الذي حسبته في الجزء الأول؛ لأنَّ طرائق الدخل المحقَّقة تمثِّل فقط الدخل الذي كسبته بالفعل.

هل أنت مستعدٌّ لمعرفة ما إذا كان وقتك يستحقُّ بالفعل أكثر؟ فلنتعمق إذاً في الجزء الثاني.

الجزء الثاني: طرائق القيمة المتوقَّعة

يقودنا هذا إلى الطريقة الثانية لحساب قيمة وقتك: طرائق القيمة المتوقَّعة، حيث تستند هذه الحسابات إلى القيمة التي تتوقَّع أن تخلقها ساعةُ عملٍ معيَّنة على المدى الطويل.

يمكن أن تساعدك طرائق القيمة المتوقعة في اتخاذ قراراتٍ استراتيجية كبيرة حول المكان الأمثل لتخصيص وقتك، والإجابة عن كلٍّ من هذه التساؤلات:

  • ما المشاريع التي يجب أن تركِّز عليها أعمالك هذا العام؟
  • ما استخدامات الوقت غير الفعَّالة التي يجب التخلُّص منها في روتين عملك اليومي؟
  • هل يجب أن تبدأ مشروعاً تجارياً يمكن أن يؤتي ثماراً كبيرةً خلال عشر سنوات، رغم أنَّك لن تجني أيَّ أموالٍ على الفور؟ أم أنَّه من الأفضل أن تعمل في وظيفةٍ مستقرةٍ بدخل موثوق؟
  • ما أفضل طريقةٍ لإدارة هذه الخيارات؟

لنبدأ بأبسط نوعٍ من طريقة القيمة المتوقعة:

طريقة النمو المتعدِّد:

هناك طريقةٌ بسيطةٌ لحساب القيمة المتوقَّعة لقراراتك، خذ صافي دخلك من العام السابق واضربه بمضاعف نموٍّ معقول.

يكمن السرُّ في اختيار مضاعف نموٍّ معقول، فعلى سبيل المثال: تضاعف نشاطي التجاري من العام الماضي إلى هذا العام، لذلك اخترت ضربه باثنين باعتباره مضاعف النمو. يمكننا باستخدام هذه الطريقة أن نقول: “ستستمرُّ إجراءاتك من هذا العام في النمو خلال الاثني عشر شهراً القادمة، لذا فإنَّ القيمة الحقيقية لوقتك أعلى بالفعل ممَّا يشير إليه دخلك المحقَّق اليوم”.

تعدُّ طريقة النمو المتعدِّد طريقةً سهلةً لتقدير كيف ستؤتي ثمار العمل الذي تقوم به اليوم على المدى الطويل، ولكنَّها لا تخبرك أيّ شيءٍ حول كيفية استخدام وقتك بشكلٍ أكثر فعالية؛ لذلك نحتاج إلى استخدام طريقة القيمة المتوقَّعة الكاملة.

طريقة القيمة المتوقَّعة:

هي الطريقة النهائية والأكثر صعوبةً لحساب قيمة الوقت، وسأحاول شرحها بأبسط طريقةٍ ممكنة. إليكَ الطريقة:

  • قسِّم وقتك حسب المَهمَّة: كلَّما كنت أكثر تفصيلاً حول كلِّ استخدامٍ للوقت، كان بإمكانك التمييز بين المهام التي تحقِّق أكبر قيمة.
  • ابحث عن وحدة قياسٍ تربط المهام التي تعمل عليها بالدخل الذي تجنيه: بالنسبة إلى معظم أصحاب الأعمال، يعني هذا أنَّك بحاجةٍ إلى معرفة قيمة “العميل المحتمل” في عملك. أنا أستخدم في حالتي الخاصة خدمة مشتركي البريد الإلكتروني؛ لأنَّني أعرف متوسط ​​القيمة الدائمة لمشتركٍ جديدٍ في البريد الإلكتروني، كما يمكنني ربط معظم مهامي للحصول على مزيدٍ من المشتركين بالبريد الإلكتروني بطريقةٍ أو بأخرى.
  • قدِّر قيمة كلِّ مَهمَّة: لنفترض أنَّني أُمضِي ساعةً واحدةً في العمل على مَهمَّةٍ تجلب 50 مشتركاً جديداً في البريد الإلكتروني، فإذا كانت القيمة الدائمة لكلِّ مشتركٍ هي دولارٌ واحد، فإنَّ القيمة المتوقعة لهذه المهمة هي 50 دولاراً في الساعة. كرِّر هذا النوع من تقدير القيمة المتوقَّعة لكلِّ مَهمَّةٍ تعمل عليها.
  • أضف كلّ القيم المتوقعة معاً لتحديد إجمالي القيمة المتوقَّعة لوقتك.
  • أضف متغيِّراتٍ إضافية حسب الرغبة: يمكن أن تكون طرائق القيمة المتوقعة معقَّدةً عندما تبدأ بحسابها، فيمكنك حساب عوامل مثل: مقدار السعادة التي تجلبها مَهمَّةٌ معيَّنةٌ لحياتك، أو مدى احتمالية استمرار مكاسب هذه الساعة من العمل لسنواتٍ من الآن.

تتميَّز حسابات القيمة المتوقعة بأنَّها فرديةٌ للغاية، ومن المحتمل أن تضطر إلى التعامل مع المعادلات لبعض الوقت لجعلها تعمل من أجلك.

ومرةً أخرى، أعتقد أنَّه من الأسهل رؤية ذلك يعمل بشكلٍ رقمي، لذلك أنشئ جميع العوامل المتضمنة في هذا الحساب ضمن جدول بيانات للقيمة الزمنية الخاص بك.

ملاحظاتٌ إضافية:

هناك الكثير من الأفكار التي تدور خلف الكواليس في هذه الحسابات، وفيما يلي بعض العوامل الإضافية التي أتذكَّرها عند التفكير في قيمة الوقت:

النجاح المضلِّل: لا تُضِع وقتك في النجاح في الشيء الخاطئ، إذ من السهل فهم قيمة وقتك، لكنَّك بحاجةٍ إلى معرفة ما تريده من الحياة للحصول على الفكرة الأكثر دقةً لقيمته.

يلاحق الكثير من الناس المال أو السلطة؛ لأنَّ كلَّ مَنْ حولهم يفعلون الشيء نفسه؛ لكن ماذا لو لم يكن هذا ما تريده حقاً؟ يمكنك بالتأكيد العثور على طرائق لزيادة قيمة وقتك، ولكن ماذا لو كنت تفضِّل الحصول على وقت فراغٍ أكثر من مزيدٍ من المال؟

المقايضات والإضافات الانتهازية: صُنِّف بيل غيتس كأغنى شخصٍ في العالم أكثر من اثنتي عشرة مرة، واحتل في عام 2015 المرتبة الأولى مرةً أخرى بصافي ثروةٍ تقدَّر بـ 72.7 مليار دولار، ووفقاً لأحد المحلِّلين: “بقيمة 72 مليار دولار، فإنَّ معدل العائد يكون 6٪، لذا سيكسب غيتس ما يقرب من 114.16 دولاراً في الثانية الواحدة. لذا إن أوقع بيل ورقة مئة دولارٍ أرضاً، فمن غير المجدي بالنسبة إليه إضاعة الوقت في التقاطها لأنّها قد تستغرق معه أكثر من ثانيةٍ واحدةٍ لإعادة التقاطها”.

ورغم أنَّ ذلك مثيرٌ للاهتمام وقابلٌ للاقتباس، فإنَّ فكرة أنَّه لا يستأهل الأمر أن ينحني جيتس ويحصل على ورقةٍ نقديةٍ بقيمة 100 دولار من على الأرض غير صحيحة. لماذا؟ لأنَّ الحصول على 100 دولارٍ لا يمنع غيتس من كسب 114.16 دولاراً في الوقت نفسه، حيث سيُدفَع هذا المبلغ له سواءً التقط المئة دولارٍ من على الأرض أم لا. وفي الواقع، من خلال التقاط بيل غيتس للـ 100 دولار، سيكسب جيتس 214.16 دولاراً خلال تلك الثانية المحددة، بدلاً من 114.16 دولاراً المعتادة.

ولا يعدُّ الحصول على ورقةٍ نقديةٍ بقيمة 100 دولارٍ مقايضةً تمنع بيل جيتس من كسب المال، بل إنَّها إضافةٌ على رأس المال الذي يكسبه بالفعل.

تشير الإضافة الانتهازية إلى الخيارات التي من شأنها أن تقلِّل من قيمة وقتك إذا قضيت كلَّ وقتك عليها، ولكنَّها تزيد من قيمة وقتك إذا قمت بها في لحظاتٍ “انتهازية”.

وقت الفراغ غير القابل للتفاوض: أحد مخاطر حساب قيمة الوقت هو أنَّ الأمر ينتهي بك إلى إقناع نفسك بالعمل في ساعةٍ “منتجة” أخرى، بحيث تزيد القيمة الإجمالية لوقتك؛ ووفقاً لمقالةٍ في صحيفة وول ستريت جورنال (Wall Street Journal): “يقول بعض الباحثين أنَّ تحديد قيمةٍ اقتصاديةٍ للوقت قد يؤدِّي إلى الإضرار بجودة حياة الناس”؛ كما ويقول “جيفري فيفر” (Jeffrey Pfeffer)، أستاذ السلوك التنظيمي في كلية الدراسات العليا في إدارة الأعمال بجامعة ستانفورد: “إنَّ أولئك الذين يُشجَّعون على التركيز على قيمة الوقت بالدولار فقط، يميلون إلى الشعور بنفاد الصبر والضغط؛ كما أنَّهم يعملون أكثر، ويقضون وقتاً أقلَّ في أنشطة مثل: التطوع أو الاستمتاع بالموسيقى”.

لقد قرَّرتُ من ناحيتي أن أتتبَّع وقتي الحرَّ لمعرفة عدد الساعات التي كنت أصرفها على الترفيه مقابل عدد ساعات العمل، ولكنَّني لم أكن لأضع قيمةً بالدولار في ذلك الوقت؛ واخترت بدلاً من ذلك أن أقول أنَّ وقت فراغي غير قابلٍ للتفاوض، وبهذا فإنَّ الحصول على ساعاتٍ حرَّةٍ يمكنني فيها الاسترخاء وتنفيس الضغط أتاح لي أن أكون فعَّالاً خلال ساعات العمل المتبقية.

أنت بحاجةٍ إلى تقدير وقت فراغك، ووقت التوقف عن العمل، والأنشطة الترفيهية التي توفِّر لك الصحة والعافية الكاملة لحياتك.

هل يجب أن تعمل لساعةٍ أخرى؟ أتساءل عمَّا إذا كان عليك العمل ساعةً أخرى؟

إليكَ قاعدةً عامة جيدةً تعلَّمتها من “سيباستيان مارشال” (Sebastian Marshall): “فكِّر في كلِّ ساعةٍ من يومك، من التاسعة صباحاً وحتَّى العاشرة صباحاً، ومن العاشرة صباحاً إلى الحادية عشرة صباحاً، وما إلى ذلك. في المتوسط​، هل تتخذ صافي قراراتٍ إيجابيةٍ أو سلبيةٍ خلال تلك الساعة؟ على سبيل المثال: إذا كنت تعمل في وقتٍ متأخر، فهل تؤدِّي ساعة بين الساعة 9 مساءً و10 مساءً إلى نتائج إيجابيةٍ في المتوسط؟ أم تتضمَّن تلك الساعة أخطاء أكثر من الإنجازات؟ هل تتضمَّن تلك الساعة المماطلة أكثر من الإنتاجية؟ إذا كانت ساعةً سلبيةً صافيةً في المتوسط​​، فعليك التوقُّف عن العمل في تلك الساعة، إذ يُرهقك العمل المُجِدُّ على مشروعٍ حتَّى الساعة التالية من العمل أكثر ممَّا يجعلك تنتج شيئاً ذا قيمة.

السعادة والمعنى: إذا أردت، يمكنك حساب عوامل، مثل: مقدار السعادة أو المعنى الذي تضيفه المَهمَّة إلى حياتك؛ ومع ذلك، قرَّرتُ بدلاً من بناء هذه المتغيرات في معادلتي الفعلية، تصنيفها لكلِّ مَهمَّةٍ من 1 إلى 10، بناءً على مدى إنجازها بالنسبة إِلَيّ؛ ولم أستخدم هذه التصنيفات في أيِّ معادلات، لكنَّها يمكن أن تكون بمثابة فاصلٍ بين المهام القريبة في القيمة المتوقعة.

ختاماً:

إنَّ حساب القيمة الحقيقية للوقت هو في الواقع أصعب بكثيرٍ ممَّا يبدو، وأقوى بكثيرٍ ممَّا يبدو، فمن المحتمل أن تتغيَّر قيمة وقتك كلَّ عام، وربَّما بفترةٍ أسرع من ذلك، والأساليب التي حددتها في هذه المقالة مرنةٌ وقابلةٌ للتكيف.

عندما تقضي وقتاً أطول في منطقةٍ معينة أو تكسب مزيداً من الدخل، يمكنك ببساطةٍ إدخال الأرقام الجديدة في جدول البيانات الذي قُمْتَ بإنشائه والحصول على قيمةٍ محدَّثةٍ لوقتك.

لذا آمل أن تظلَّ الاستراتيجية التي شاركتها هنا مفيدةً لك مع مرور الوقت.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!