عمان- الغد- يقدم الكاتب الفلسطيني رشيد إغبارية، في مجموعته القصصية “كوابيس الرجل الفراشة”، مجموعة من القصص التي تتراوح مواضيعها بين ما هو شخصي حينًا ووطني حينًا وإنساني حينًا، وتجمعها في الحالات جميعها رؤية نقدية تقدم الحقيقة من دون مجاملة أو تزويق.
جاءت المجموعة التي صدرت عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان في ثلاث وتسعين صفحة من القطع المتوسط، واختيرت لغلافها لوحة من أعمال الفنانة الفلسطينية منال ديب، وأهداها إغبارية إلى زوجته ومسقط رأسه مدينة أم الفحم، في إشارة قد تكون ذات دلالة على اجتماع المرأة والوطن في معنى واحد.
في كلمة على غلاف المجموعة، يقول إغبارية إنه لا يسير بقارئه في هذا العمل فوق أرض مطمئنة؛ إذ يعتمد أن يجوس به خلال تلك المساحات الرخوة التي لا تجعله يشعر بالارتياح، لكنها تمكنه من إدراك واقعه كما هو دون رتوش.
ويضيف الحقيقة التي لا يريدها أن تجافل أحدا هي دائما صادرة؛ لأنها عدسة مكبرة تكشف جوانب الضعف فينا، هذا ما يظهر في غير قصة داخل المجموعة مثل قصة “قشرة بصل”، أو “سر ضلع فلسطين” أو “العدالة الإلهية”، بيد أن هذه الحقيقة تثير في الوقت نفسه ما يمكن أن يعد أملا قادما ينتظرنا في مكان ما من هذا الوجود، كما يظهر في “بلاد الغرب أوطاني” أو “بدلا من رصاصة”.
وفي الحالات جميعها يختلط الخاص بالعام؛ إذ إن جذور المعاناة واحدة واللغة الحادة التي تطرح قضية كنية بحجم قضية فلسطين، تكشف كذلك رؤى شخصية تنتمي إلى الواقع اليومي البسيط؛ فالإنسان في النهاية هو نقطة لقاء العالمين، وفي جزئياته الصغيرة تنطوي أكبر الأسرار.
وفي إحدى قصصه يحاول فهم واقعه، ومازجًا بين العام والخاص في لغة حادة تجسد جذور المعاناة: “كبرتُ على تناقض دائم بين الحلم والواقع (…) وأنا أنتقل بينهم كالفراشة أبحث عن رحيق طاولة التنس ولعبة الشطرنج وأصدقائي المبعثرين بين النوادي تبعًا لانتمائهم العائلي”.
يوازي ذلك قصص أخرى في تناول الواقع العربي في مجمله، وقصص تشير إلى قضايا اجتماعية يومية عادية؛ ففي كل الحالات هو ابن الواقع، ينقله للقارئ عن كثب، لكنه يفجر هذا الواقع من داخله، ويعري مساوئه، ويكشف المسكوت عنه فيه.
ولعل المصارحة والرغبة في وضوح الأشياء هي السبب الذي دعا إغبارية إلى الحدة في غير مكان، غير أن ذلك لم يخفِ تدفق مشاعره من وراء الكلمات، ووعيه بواقع يخصه، ويفرض نفسه عليه بسماته الشخصية والجماعية.
ورشيد إغبارية شاعر وكاتب من فلسطين. صدر له قبل هذه المجموعة: “الغريب في شارع صهيون” قصص، “حلم ليلة خوف” شعر.