إيمري ديليفيلي* – (أحوال تركية) 8/4/2020

ثبت أن الآمال بأن وباء كورونا سيغادر تركيا من دون أن يضر بها لا أساس لها من الصحة. فالبلد يتقدم في “تصنيفات” انتشار الوباء، من حيث عدد الإصابات والوفيات، ويحتل الآن المرتبة التاسعة عالمياً من حيث حالات العدوى، متجاوزاً سويسرا في الأيام الأخيرة. وسوف يعتمد تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد التركي على مدة استمرار الوباء في التأثير على البلد وبقية العالم.
جادل العديد من الخبراء الطبيين الأتراك العاملين في الخارج بأن تركيا تتجه إلى أن تصبح مثل إيطاليا وإسبانيا. وليس من المستغرب أن يكون نظراؤهم الأتراك أكثر تحفظا، نظرا للاعتقالات اليومية للأشخاص “الذين ينشرون الذعر في وسائل التواصل الاجتماعية”.
من خلال فهمي للخبراء الأتراك والدوليين، أستطيع القول إن الفيروس لن يفقد تأثيره قبل شهر حزيران (يونيو) على أقرب تقدير، وسوف أستند في طرحي على هذا الافتراض المتفائل.
ربما تكون السياحة هي القطاع الأكثر تضرراً في تركيا. صحيح أنه تم إغلاق شركات الخدمات الأخرى أيضاً، ولكن معظم الفنادق على ساحل بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط موسمية، مما يعني أنها تفتح أبوابها فقط من نهاية نيسان (أبريل) إلى نهاية تشرين الأول (أكتوبر).
وبالنسبة لهذه الفنادق والأعمال الأخرى في هذا القطاع، فإن ضربة “كورونا” جاءت قاضية. فقد أجلت جميع الفنادق في مدينة مرمريس رسمياً مواعيد افتتاحها من نيسان (أبريل) إلى أيار (مايو). لكنها جميعاً تعرف بشكل غير رسمي أنها لن تتمكن من الافتتاح قبل حزيران (يونيو) على أقرب تقدير. كما قررت المجموعات التي لديها العديد من الفنادق أنها ستفتح أحد فنادقها فقط.
وكشفت المحادثات مع مديري الفنادق والبنوك في مرمريس أنه لا يوجد قلق فوري من أن الفنادق والأعمال، مثل موردي المواد الغذائية، التي تعتمد على الفنادق، ستفلس -على الأقل ليس جميعها على الفور. وتعرض البنوك تسهيلات عديدة من خلال تمديد فترات الاستحقاق وتأجيل المدفوعات.
وكشف أحد مديري الفروع المصرفية أن الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الخزانة والمالية، بيرات البيرق، تحدثا إلى الرؤساء التنفيذيين للبنوك عندما أعلنا عن حزمة الإنقاذ الاقتصادي في 18 آذار (مارس)، وشجعوهم على اتباع قيادة البنوك الحكومية في تسهيل التعامل مع الشركات.
أعتقد أن هناك فوائد يمكن جنيها من هذا النموذج الجديد “للإقناع” في صناعة السياسة الاقتصادية التركية؛ حيث تم تطبيقه من قبل لإقناع البنوك بتمديد خطط الائتمان ولإقناع الشركات بخفض أسعارها.
حتى لو لم تفلس الفنادق بشكل جماعي على المدى القصير، سيكون للضغوط الرهيبة التي يعاني منها قطاع السياحة تأثير كبير على الاقتصاد التركي، خاصة وأنه يتم كسب ثلثي عائدات السياحة في تركيا، ويتم الحصول على حصة مماثلة من مساهمتها المباشرة بنسبة 5 بالمائة في الناتج المحلي الإجمالي، في الأشهر الستة من نيسان (أبريل) إلى أيلول (سبتمبر).
ومن المؤكد الآن، أو من شبه المؤكد، أنه لن يتم تحقيق أي دخل خلال هذه الأشهر الستة. وحتى لو تبدد الوباء في شهر حزيران (يونيو)، فلن تنتعش السياحة على الفور، إلى أن تستأنف شركات الطيران رحلاتها ويكتسب الناس بعض الثقة، وبعض المال بشكل تدريجي -أي أن الحياة لن تعود إلى طبيعتها على الفور.
ولذلك، تلقت الفنادق إلغاءات للحجوزات، ليس فقط لشهري نيسان (أبريل) وأيار (مايو)، ولكن طوال فصل الصيف.
أما الجانب المشرق فهو أنه لا يوجد العديد من الإلغاءات لشهري أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر)، بل هناك حجوزات جديدة -في إشارة إلى أن بعض الناس يتوقعون عودة الحياة إلى طبيعتها بحلول الخريف.
ولكن، حتى لو تمتعت الفنادق التركية بموسم مربح -وإنما متأخر، فإن الأسعار تكون أقل في ذلك الوقت من العام، ويمكننا أن نتوقع خسارة ما لا يقل عن 10 مليارات دولار من العملات الأجنبية، الأمر الذي سيعوض انخفاض أسعار النفط من رصيد ميزان المدفوعات.
أضف إلى القائمة 18 مليار دولار من مدفوعات الديون الخارجية قصيرة الأجل المستحقة في الأشهر الثلاثة المقبلة، واستمرار هجرة المستثمرين الأجانب، وأن البنك المركزي قد يستنفذ بالكامل صافي الاحتياطيات، ولن يتحلى بالجرأة الكافية للادعاء بأن تركيا تتجه نحو مشاكل التمويل الخارجي، إن لم يكن التعرض لأزمة ميزان مدفوعات كاملة، خلال أشهر الصيف.
وليس هذا كل شيء. سوف ينضم العاطلون عن العمل في هذا المجال، البالغ عددهم في المجمل أقل من مليون شخص، إلى 4.4 مليون عاطل عن العمل مسبقاً. وبإضافة قطاع السياحة إلى القطاعات الأخرى، سيتضح أن تركيا تتجه نحو أزمة توظيف أيضاً.
لسوء الحظ، وعلى عكس العديد من الدول الأخرى، تعاني تركيا من أزمة ارتفاع معدل البطالة بالفعل: حيث يقل الرقم 13.7 بالمائة الذي تم تسجيله في كانون الأول (ديسمبر) الماضي بمقدار نقطة مئوية واحدة فقط عن أعلى مستوى تم تسجيله خلال فترة الركود العالمي قبل عقد من الزمن. وبدءاً من هذه النقطة المرتفعة، من المرجح أن تصل البطالة إلى أكثر من 20 بالمائة بحلول الصيف.
تعد تركيا أيضًا واحدة من الأسواق الناشئة التي يُرجح أن تتأثر أكثر بتدابير التباعد الاجتماعي. ووفقاً لحسابات شركة البحوث الاقتصادية “كابيتال إيكونومكس”، ستتأثر حصة استهلاك السلع والخدمات في تركيا بفعل التباعد الاجتماعي (مثل النقل العام، الترفيه، والمطاعم، والفنادق)، التي تمثل حوالي 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي واحدة من أعلى المعدلات في عالم الأسواق الناشئة.
لذلك، إذا كانت تركيا قد وقعت في أزمة الوباء في مثل هذه الحالة السيئة، فلماذا يتخذ المسؤولون الحكوميون إجراءات وتدابير واهية؟
من المؤكد أن سياسة بدل العمل قصيرة الأجل؛ حيث تتحمل الدولة جزءاً من أجور الموظفين الذين كانوا سيُفصلون بخلاف ذلك، وكذلك دعم أصحاب الدخل المحدود هي من ضمن التدابير التي تسير في الاتجاه الصحيح، إلى جانب إعلان البنك المركزي عن تدابير عدة أيضاً، لكن المبالغ التي تم ادخارها لن تستطيع تقديم الدعم الكافي لهذه الأعداد الهائلة من العاطلين عن العمل.
بالوقوف عند 100 مليار ليرة (15 مليار دولار)، فإن الحزمة الاقتصادية في تركيا تتضاءل عن تلك الموجودة في دول أخرى، ولا سيما بعد محدودية الموارد المتوفرة لدى الحكومة والبنك المركزي.
ووجدت مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” أن تركيا هي واحدة من الدول الناشئة التي لديها أقل مساحة للسياسة النقدية؛ حيث إن أسعار الفائدة منخفضة جداً مسبقاً، مع وجود الأسعار في الناحية السلبية. وفيما يتعلق بالمساحة المالية، فهي في المعدل المتوسط تقريباً.
إن عدم وجود موارد كافية هو السبب وراء إحجام أردوغان عن المضي قدماً في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، مثل فرض الحظر الكامل: فالدولة ببساطة لا تملك الموارد اللازمة لتأمين الحظر الكامل. وفي الواقع، سمعت من مصادر عدة قريبة من حزب العدالة والتنمية أن هناك توتراً بين وزير الصحة فخر الدين قوجة، الذي يضغط من أجل اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، والبيرق.
كما أن عدم وجود احتياطي كافٍ من الأموال لمكافحة التأثير الاقتصادي لوباء كورونا يترك خياراً واحداً فقط: صندوق النقد الدولي. وكما نعلم، فإن تركيا ليست واحدة من 81 دولة تقدمت بطلب إلى صندوق النقد الدولي، وهو أمر منطقي، نظرا لاستياء أردوغان من المؤسسة، لكنه سوف يلجأ إليه عندما يتضح -ليس للاقتصاديين فحسب، وإنما له وللبيرق أيضا، أنه لا يوجد طريق آخر.

*خبير اقتصادي تركي