
مجد جابر
عمان- اختبارات جديدة يخضع لها الأفراد، وتغير كامل في التفاصيل الحياتية والسلوكيات كافة التي اختبروها يوما، فذلك لم يأت من فراغ، إنما جاء بعد تزايد عدد الأشخاص المصابين بفيروس “كورونا” لعشرات الآلاف، وارتفاع حالات الوفيات بين 50 و80 حالة يوميا، والتفشي المجتمعي “المخيف”؛ كل ذلك أوجد ردة فعل لدى فئة ليست بالقليلة، إذ جعلها تعيش داخل حالة من “الوسواس” والخوف من الآخر، وكأنه “عدو” يهدد الصحة والحياة.
كل ذلك فعله فيروس “كورونا” وأكثر؛ إذ وصل الوسواس لتجنب الاقتراب من الآخرين حتى مع وجود مسافة الأمان، وأصبح هاجسا ملازما لأشخاص يعتبرون أن أي إنسان يقترب منهم بمثابة تهديد واضح وصريح لحياتهم، وينتج عن ذلك اللجوء المضاعف لاستخدام كميات مهولة من التعقيم وبشكل مبالغ به.
ذلك ما يحصل مع فدوى عبدالرحمن؛ إذ تعترف أنها أصبحت تعاني من حالة نفسية سببها الخوف من إصابتها بالمرض، مبينة أنها تدرك تماما أن الذي تمر به من حالة “وسواس” وخوف من المحيطين، ليس بالشيء الصحيح أو الطبيعي، إلا أنها غير قادرة على السيطرة على الأمر وباتت مسكونة بعالم لا يضم سوى “المعقمات والكمامات والقفازات”.
تقول فدوى “لا أعرف اذا كنت يوما سأعود لوضعي الطبيعي، إلا أنني حاليا أعيش حالة من الرعب، فلا أستطيع أن أتحدث مع أي شخص غريب حتى وإن كان بيننا مسافة أمان، وفي حال تحدثت مع شخص وقام بإنزال كمامته تصيبني حالة من الهستيريا وأشعر وكأنه عدو لي يريد قتلي ونقل المرض لي”. فدوى أصبحت تشعر بالأمان فقط وهي تحمل كميات مهولة من المعقمات وتنظف كل ما حولها عشرات المرات في اليوم الواحد، لدرجة أنها باتت تعاني من أمراض جلدية في يديها.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي الأسري والاجتماعي مفيد سرحان، إلى أن انتشار فيروس “كورونا” في أنحاء العالم وتزايد أعداد المصابين إضافة إلى تضاعف حالات الوفيات، كلها أمور أدت إلى حالة من الهلع والخوف والقلق والوسواس عند الكثيرين.
وأصبح فيروس “كورونا”، وفق سرحان، يشكل هاجساً وكابوساً عند الإنسان، وسيطرت عليه حالة الذعر وهو يتابع باستمرار أعداد الإصابات وأعداد الوفيات، بل ويتابع جميع النصائح والإرشادات وأدق التفاصيل المتعلقة بالوباء، لدرجة أن هذا الفيروس أصبح يسيطر على تفكيره وأثر على تفاصيل حياته كافة.
وإن كان من الطبيعي أن يسبب هذا الوباء نوعا من الخوف والقلق عند الناس بسبب أعداد الإصابات والوفيات، إلا أن الخطير أن هذا القلق يصل إلى حد الهوس عند البعض، وبالتالي تأثيره على النفسية والسلوك العام، بل ما يعرف بمرض “الوسواس القهري”. ومع انتشار وباء كورونا انتشر أيضاً “وباء الخوف” عند الكثيرين وهو ربما يكون أخطر من الوباء نفسه، وكما يقال “الوهم نصف الداء” وهذا يؤثر على الحالة النفسية للإنسان.
ويشير سرحان الى أن الحالة النفسية مهمة في مقاومة المرض عند الإصابة، لأنها، كما يقول متخصصون، ضعفها يهدد عمل جهاز المناعة ويجعله أكثر ضعفاً في مقاومة الوباء.
ويعتبر أنه من المهم أخذ الاحتياطات الوقائية التي اتفق عليها المتخصصون، وهي الالتزام بالتباعد الجسدي وعدم المصافحة أو التقبيل وغسل الأيدي باستمرار واستخدام المعقمات، وأن يكون ذلك ضمن الحدود ودون مبالغة في ذلك. فالتباعد الجسدي يعني أن تتعامل مع الآخر على أنه مصاب، وتأخذ حذرك وتبقى على مسافة أمان معه مع الالتزام أيضاً بلبس الكمامة، وهذا مناسب سواء في مكان العمل والسوق أو المتجر، وهو لا يعني الانقطاع التام على الآخرين حتى لا تتعطل مظاهر الحياة الأساسية ويكون الخطر أكبر بكثير من خطر الوباء.
ويشير سرحان الى أن البعض أصبح يتجنب الحديث مع الآخر حتى مع الالتزام بالإجراءات الوقائية لدرجة تصل إلى حد المرض، وآخرون يبالغون كثيراً في غسل الأيدي عشرات المرات واستخدام المعقمات حتى وهم جالسون بمفردهم، إضافة إلى أن كثرة استخدام المعقمات قد تسبب حساسية للبعض. فهنالك من يبالغ في تعقيم كل الأشياء والأدوات لديه في المنزل والعمل؛ إذ إن وباء “كورونا” قد ضيق مجالات الحياة المختلفة وجعلها قاسية وصعبة عند الكثيرين.
وينوه سرحان “لكن لا نريد أن نسهم في وقف مظاهر الحياة سواء بعدم الالتزام أو المبالغة في الإجراءات”، مبينا أن كل ما في الحياة يذكرنا بالوباء، ولو أردنا أن نحد من التفكير به فإن ذلك صعب، وهو ما يسبب استمرار القلق والخوف وهذا يؤثر على المحيطين، خصوصاً أفراد الأسرة.
ويبين أن كابوس “كورونا” يسيطر على العائلة، الأحاديث والأخبار، مواقع التواصل الاجتماعي، اتصالات الأقارب والأصدقاء، كذلك متابعة التقرير اليومي لأعداد الإصابات والوفيات، وأيضا ترقب أخبار الحظر الشامل والإغلاقات، وهو برنامج يومي أصبح قاسيا على الجميع عدا عن أعباء الدراسة عن بعد وتدني مستوى الدخل عند الكثيرين.
ويرى سرحان أنه حتى نستطيع أن نقلل من حجم القلق والخوف، لا بد لنا أن نحسن الاستفادة من الوقت بما هو نافع، خصوصاً في أوقات الحظر وعدم قضاء جميع الوقت في متابعة أخبار الوباء وتتبع التفاصيل المحلية والعالمية، وإنما زيادة مساحة الحوارات الأسرية والتواصل مع الأصدقاء والأقارب عن بعد لرفع معنويات الجميع وتحسين صحتهم النفسية والابتعاد عن الأشخاص السلبين وعدم الاستسلام للهواجس والالتزام بالإرشادات الوقائية وتوعية الآخرين للالتزام بها دون مبالغة أو تهويل.
إلى ذلك، ينصح بأخذ المعلومات الصحية من مصادرها الموثوقة وبث روح الطمأنينة داخل الأسرة، مبينا أن هنالك مسؤولية كبيرة على وسائل الإعلام في نشر التوعية وتنويع المواضيع وعدم اقتصارها على وباء “كورونا” حتى يشعر الناس أن الحياة مستمرة وإن كان فيها بعض الاختلاف بسبب إجراءات الوقاية لأن التركيز فقط على المرض والوفيات يسهم في زيادة الهلع والخوف والفزع، وكذلك مسؤولية الجميع من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أن هنالك مسؤولية على المؤسسات التطوعية والاجتماعية في زيادة جهودها التوعوية الوقائية وتقديم خدمات الاستشارات والمساهمة في حل المشكلات من خلال فترات الحظر وهي مسؤولية لها أثر إيجابي، وهي من مظاهر التكاتف والتكافل الاجتماعي.
ويتابع “لا ننسى أيضاً رفع معنويات المصابين بالوباء، سواء كانوا محجورين داخل المنازل أو في المستشفيات، فهم بحاجة إلى من يساندهم ويحسن من نفسيتهم حتى يستطيعوا أن يقاوموا الوباء”. ويلفت الى أن تناقل أخبار الوفيات ورسائل التعزية وخطورة الإصابات ربما تضعف نفسيتهم، ففي هذه الظروف “نحن بحاجة إلى أن ندرك تماماً ما نقوم به من تصرفات وأقوال وأفعال وممارسات وأن نعي أثرها ليس فقط علينا وعلى أسرنا بل على المجتمع عموماً”.