كورونا يؤرق فناني المغرب: مسارح مغلقة وضربة قاصمة للسينما وغبار يعلو اللوحات التشكيلية
[wpcc-script type=”1c14d9feb9c89ba2606221f9-text/javascript”]

الرباط ـ «القدس العربي»: «نمنح جرعات الأمل، ونبذل ما في وسعنا لنُطرب ونسعد المغاربة عبر موسيقانا وإبداعاتنا، إلا أننا وصلنا لمرحلة سيئة بسبب «كورونا» وقد نقضي ليالينا دون أن نجد وجبة عشاء ساخنة» بحسرة بادية تحدث سمير جعفري، عمّا آلت إليه أوضاع فناني الشارع في المغرب.
خلال 2020 أرخَت الجائحة بظلالها على العديد من القطاعات بما فيها الفني والثقافي. وفي المغرب وكباقي بلدان العالم تأثر الفنانون جراء الوباء، خاصة عقب قرار فرض الحجر الصحي المنزلي ومنع التجمعات، حيث ألغيت العديد من المهرجانات الفنية السينمائية والمسرحية والمعارض التشكيلية وغيرها.
وبالرغم من التخفيف من الحجر الصحي حزيران/ يونيو الماضي، والعودة التدريجية لعدد من المجالات، فإن إغلاق دور العرض والسينما والمسارح ظل ساريا مما جعل العديد من الفنانين المغاربة والمهنيين في هذا الميدان يعانون من التبعات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأزمة الصحية ويعيشون وضعا صعبا من الناحية الاجتماعية، خاصة من يشتغل في الفنون الحية، والعروض المسرحية والأنشطة الفنية، علاوة على الآثار الاجتماعية، وفق ما أكد المخرج المغربي عز العرب العلوي لمحارزي متحدثا لـ«القدس العربي».
وأبرز أن المشهد الثقافي المغربي تأثر بشكل واضح، بل يمكن اعتباره أكثر القطاعات التي تأثرت بالجائحة خاصة وأنه مجال يتطلب حضور الجمهور والتفاعل المباشر، وما يقال على المجال السينمائي والمسرحي ينطبق على باقي الفنون التشكيلية والموسيقية والغنائية.
ما يواجهه «فنانو القاعات» لا يستثني فناني الشارع بل يزيدون عن البقية درجة، ويقول فنان الشارع الشاب سمير جعفري «إنه وبقية زملائه الموسيقيين تعرضوا لمشكلات كثيرة وكبيرة بسبب «كورونا» وبسبب التوقف عن العمل الناتج من الحجر الصحي» مضيفا «عدد من زملائي في الصويرة لم يجدوا المال لسداد أجور سُكناهم ولا حتى ما يسدون به حاجاتهم المعيشية».
وختم جعفري حديثه لـ»القدس العربي» بالقول: «نُسوِّق صورة جميلة لبلادنا وثقافتنا وموسيقانا، نُمتِّع الزوار والسياح ونقدم لهم أفضل العروض الموسيقية، أما حين حلت الجائحة وتوقف العمل وأُغلِقت الحدود، فلم يتذكرنا المسؤولون ولا التفتوا لمُعاناتنا».
أفلام عالقة ودور عرض مغلقة
بالعودة إلى المخرج السينمائي عز العرب العلوي لمحازري، فإن الوباء حال دون استكمال بعض الأعمال. كما توقف تصوير بعضها.
يحكي لـ«القدس العربي» قائلا: «شخصيا كنت منكبا قبل الجائحة على عمل وثائقي، لكن مع تفشي الأزمة الصحية توقف التصوير، فقد كان من المقرر إنجاز مشاهد من الفيلم الوثائقي في كل من جنوب المغرب وموريتانيا وإسبانيا، لكن بسبب الوضع الذي فرض الإغلاق الشامل، تم تأجيل كل شيء لأجل غير محدد، فكانت الكتابة هي المتنفس سواء بالنسبة لي أو بالنسبة للعديد من المخرجين السينمائيين والمسرحيين وكُتاب السيناريو».
بعد رفع الحجر الصحي في أواخر حزيران/ يونيو الماضي، عادت الحياة لمواقع التصوير بشكل جزئي رغم استمرار فترة الطوارئ الصحية، حيث منح المركز السينمائي المغربي في نهاية الحجر، رخص التصوير لفائدة شركات إنتاج الأعمال السينمائية والسمعية البصرية، بعد سماح السلطات العمومية باستئناف الأنشطة المرتبطة بالإنتاج السمعي البصري والسينمائي، شريطة الأخذ بمقتضيات السلامة الصحية، وباقي التدابير من تباعد اجتماعي وتعقيم ووجود طبيب في مكان التصوير، إلا أن المنع ما يزال يطال اللقاءات والمهرجانات الفنية.
واشتكى العلوي لمحارزي من توقف عرض فيلمه السينمائي «كيليكيس.. دوار البوم» الذي ما يزال عالقا في القاعات السينمائية. يقول: «لم أتمكن من استخلاص مداخيل العروض أو الاستمرار فيها، مما يزيد في تعميق الأزمة، مما حذا بالنقاد والسينمائيين وبقية الفنانين وأنا واحد منهم إلى توجيه دعوات للسلطات المعنية لإعادة الحياة للقاعات السينمائية لوضع حد لاستمرار غلق المسارح وقاعات العرض ودور السينما داخل تراب المدن غير الموبوءة».
ضربة قاصمة للسينما
لا يخفي العلوي، وهو سيناريست ومنتج كذلك، أن القطاع كان يعاني قبل زمن الجائحة، وزادت هذه الأخيرة من تكريس هشاشته، وبالرغم من أنه في فترة الحجر الصحي استفاد قرابة 7300 من الفنانين المغاربة الحاملين لبطاقة فنان من تعويض منحه صندوق تدبير جائحة كورونا، إلا أن الخطوة لم تكن كافية، مقترحا فتح المسارح ودور السينما مع الالتزام بعدد مشاهدين معين وإجراءات السلامة الصحية.
ولفت صاحب فيلم «أندرومان.. من دم وفحم» إلى أن المغرب يعتبر مصدر عائدات لشركات إنتاج عالمية، غير أن العديد من الإنتاجات الأجنبية علَّقت تصوير الأفلام والمسلسلات والإعلانات في المملكة، الأمر الذي انعكس بشكل كارثي على القطاع السينمائي، مفصِحا أن ما يقارب 15 ألف عامل في هذا الحقل أصبحوا عاطلين عن العمل، بكل ما يعني ذلك من تبعات اجتماعية عليهم وعلى أسرهم. وحتى بعد رفع الحجر الصحي، ما تزال الإجراءات مشددة خاصة في المدن الكبرى، ذلك أن العودة كانت بطيئة بالرغم من سماح المركز السينمائي المغربي لشركات الإنتاج العالمية باستئناف العمل نهاية آب/ أغسطس الماضي، إلا أن التدابير واشتراط تخفيض عدد العاملين والتباعد الاجتماعي أثروا سلبا على ميدان يتطلب وجود العديد من التقنيين والعاملين فيه.
ويرى العلوي أن جائحة كورونا كانت بمثابة ضربة قاصمة للمجال الفني في المغرب، خاصة وأن انعقاد المهرجانات والملتقيات السينمائية والمسرحية بالبلاد هي مناسبة للفنانين لعرض إبداعاتهم، ولقاء الجمهور ورصد أثر الأعمال الفنية وصداها على المتفرج بشكل مباشر والتعرف على إبداعات باقي المخرجين والفنانين.
وحتى لا تتوقف الحياة الثقافية والفنية بشكل تام، تم اللجوء للعالم الرقمي الافتراضي، للحفاظ على العلاقة بين المبدع وجمهوره، حيث كانت المنصات الرقمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي متنفسا وعالما جديدا للإبداع، حيث تم انعقاد ندوات فنية رقمية وعقد بعض المهرجانات الوطنية «عن بعد» في وقتها المحدد «كانت لي مشاركة على الصعيد الوطني في فعاليات الطبعة الرقمية لمهرجان آسا الوطني للسينما والمسرح، حيث نظمت جمعية آسا للسينما والمسرح وبتعاون من المركز السينمائي المغربي وعدة مؤسسات عمومية وخاصة، دورة سنة 2020 بصيغة رقمية من 11 إلى 13 كانون الأول/ديسمبر 2020» يقول عز العرب العلوي.
بالنسبة للمتحدث فإن وجود الفضاء الافتراضي كمتنفس لترويج الأعمال الإبداعية، لا يمكن إطلاقا اعتبارُه بديلا عن دور العرض والمسارح والسينما، ذلك أن استمرار الجائحة وتطوير الفيروس لنفسه نحو سلالة جديدة يضع عدة تساؤلات حول مستقبل الفنون والثقافة في المغرب.
لم يُستثنَ مجال فني في المغرب دون أن يلحقه ضرر الوباء والحجر الصحي، وبالنسبة للفنانة التشكيلية فاطنة شعنان، فإن التشكيلي المغربي يعيش معاناة مضاعفة بسبب توقف العديد من المشاريع والأنشطة وإغلاق قاعات العرض، ما أدى بالعديد من الفنانين المحترفين إلى اللجوء للعالم الافتراضي لعرض لوحاتهم محاولة منهم للتغلب على الإحباط نتيجة إغلاق الأروقة خلال فترة الأزمة وتعطل سوق الفن، وتعثر الدعم الفني.
وترى التشكيلية المغربية، خلال حديثها لـ«القدس العربي» أن قلة قليلة من الفنانين التشكيليين من يعيشون ظروفا مريحة متمثلا في الفنانين الذين يتعاملون مع دور العرض، لافتة إلى أن الأغلبية في وضعية صعبة، وذلك راجع إلى غياب بنية تحتية صلبة، وغياب تقنين الفن التشكيلي، وعدم توفر سوق حقيقية لاقتناء اللوحات وسيادة الفوضى في هذا القطاع، خاتمة كلامها بالقول «إن المثير للجدل هو أنه الأغلبية ممن استفادوا من الدعم هم الطبقة الميسورة من الفنانين».
الممثلة يسرا طارق، كشفت عن تأثرها بالجائحة كما تأثر الجميع، مشيرة إلى أن وقعَها على الفنان أشد وأخطر نظرا للجمود الفني والثقافي.
«ربما لم تتضرر أيٌّ من القطاعات الأخرى بشدة مثل تلك المرتبطة بالثقافة والفنون» توضح الممثلة الشابة لـ«القدس العربي» مستطردة بالقول «أُغلِقت قاعات السينما والمسرح وتوقفت الحفلات الموسيقية وتراكَم الغبار على معروضات المتاحف وكتب المكتبات، ووجد مئات الآلاف من الفنانين والعاملين في هذه المجالات أنفسهم إما عاطلين عن العمل أو يترقبون مستقبلهم بقلق».
طارق أعربت عما تمر به بالقول: «أصبحت أشعر بأننا في غرفة انتظار كبيرة نترقب مصيرنا الغامض في ظل ظرف عالمي استثنائي فرضته علينا هذه الجائحة، ولولا التشبث ببعض الأمل لفقدت عقلي بسبب هذا الركود الفني والثقافي الذي لم تعد لي الطاقة النفسية ولا الجسدية لتحمله».
طاقة إيجابية
مع ذلك، ثمة إشراقات يمكن أن تنبعث من هذا المناخ الاستثنائي الذي يحاول البعض طبعه بالجفاء والجمود والخوف، إشراقات متجلية في إبداعات أدباء وفنانين ونصوص باحثين، حولوا تلك العزلة الاختيارية إلى طاقة إيجابية من أجل الإنتاج.
وكما لاحظ الأديب والإعلامي ياسين عدنان في الحوار الذي أجرته معه أسبوعية «الأيام» المغربية في عددها الأخير، فقد تميزت سنة 2020 «بفورة الإصدارات التي أطلقها المغاربة مباشرة بعد رفع الحجر، حيث أقدمت ثلة من الأدباء وأيضا من الباحثين المشهود لهم بالرّصانة على تعبئة عُدَّتهم الفكرية والأكاديمية كي يمسكوا بهذه القضية المتحركة الطّرية الضاغطة ليحللوها ويحاصروها بالأسئلة، فتجرّأ الباحثون على تحويل «العزل» الإجباري الذي فُرِض عليهم إلى «عزلة» خصبة خلّاقة تؤسِّس رصيدا معرفيا راهنا يمكن أن ننطلق منه لتوجيه نقاش ما بعد كورونا لقطع الطريق على الخطابات الإعلامية التَّعبوية وكذا خطابات وسائل التواصل الاجتماعي المُغرقة في التفاهة والاختزال.
وفي هذا الإطار جاء كتاب «خطاب الجائحة» الذي أصدره «مركز عطاء للبحث في اللغة وأنساق المعرفة» ثريًّا بالدراسات التي حللت الخطاب المرتبط بجائحة كورونا من مختلف الجوانب. كما صدرت دراسة لأحمد شراك تحت عنوان «كورونا والخطاب» أيضا كانت هناك العديد من النصوص الأدبية بينها سرود وتأملات وقصائد نشرها أدباء مغاربة على «فيسبوك» وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي أيام الحجر؛ بعض هذه النصوص جمعها مؤلفوها وشرعوا في نشرها تباعا في كتب، وذلك على غرار ما قام به القاص أنيس الرافعي الذي أصدر «أرخبيل الفزع: كرّاسة محكيات المعزل» والإعلامي والكاتب عبد العزيز كوكاس الذي أصدر «في حضرة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر» والقاص والناقد حسن اليملاحي في «يوميات مغربي في الحجر الصحي» والكاتبان محمد كروم ومنير المنيري في «رسائل من زمان كورونا» إضافة إلى كتاب آخر للأديب عبده حقّي تحت عنوان «عام كورونا» وكتاب «العالم رهينة الكمامة» للإعلامي حسين مجدوبي، هذا دون أن ننسى عبد اللطيف اللعبي الذي انتهى مؤخرا من روايته الجديدة التي نترقّب ظهورها عن غاليمار، ويحكي في فصل منها كيف يعيش مسيو بارْدْ، بطل الرواية، حَجْره الصحي، وكيف يلعب الغُمّيضة مع الموت.»
إذا كان فيروس «كورونا» قد تسبب في شلل الحركة الفنية في المغرب، فإنه أدى أيضا إلى رحيل بعض الوجوه الثقافية والفنية كالمطرب محمود الإدريسي والفنان مارسيل بوطبول والتشكيلي محمد المليحي والشاعر والإعلامي حكيم عنكر والكاتب والإعلامي حسن السوسي والناقد السينمائي نور الدين الصايل. فيما رحلت أسماء أخرى خلال العام 2020 إما بسبب المرض أو نتيجة سكتة قلبية مفاجئة، أو كانت الوفاة طبيعية.
وفي ما يلي لائحة بالأسماء التي ودعتها الساحة الفنية وتركت ألما في النفوس:
وكما يقال «تعددت الأسباب والموت واحد» فقد غادر الساحة الثقافية خلال عام 2020 أيضا: القاص والروائي محمد الإحسايني، والكاتب المسرحي أحمد العراقي، والسيناريست والكاتب المسرحي أحمد فوطة، والفيلسوف محمد وقيدي، والناقد والباحث المسرحي حسن المنيعي، والممثلة ثريا جبران، والروائي والمترجم محمد بنعبود، والكاتب والمخرج والممثل المسرحي أنور الجندي والشاعر والباحث في طرب الملحون أحمد سهوم، والشاعر عمر التلباني، والمؤرخ عبد الرحمن المودن، والمؤرخ إبراهيم حركات، والمخرج المسرحي عبد الصمد دينية، والممثل خالد البكوري، والممثل الممثل حمادي التونسي، والممثل الأمازيغي أحمد بادوج، والممثل والإعلامي عبد العظيم الشناوي، والسيناريست والكاتب المسرحي حسن فوطة، والفنان الشعبي زروال، وأيقونة الغناء الجبلي شامة الزاز. ومن الكتاب الصحافيين العرب الذين ووروا الثرى في المغرب الذي كانوا اتخذوه مستقرا ومقاما لسنين عديدة: الكاتب الصحافي العراقي رمزي صوفيا، والكاتب الصحافي الفلسطيني محمود معروف مدير مكتب «القدس العربي» في المغرب.
الجوائز
2020 كانت أيضا سنة احتفاء بأدباء ونقاد وباحثين مغاربة، ممن نالوا جوائز رفيعة،
فاز ثلاثة مغاربة في الدورة السادسة لجائزة «كتارا» للرواية العربية، يتعلق الأمر بالباحثين مصطفى النحال عن دراسته «تمثيل الواقع في السرد الروائي: دراسة نظرية ونصيّة» وعبد المالك أشهبون عن دراسته النقدية «صورة الأنا والآخر في مرايا روايات الهجرة» فيما فاز مغربي آخر في صنف الرواية غير المنشورة، يتعلق الأمر بسعيد العلام سعيد العلام من المغرب عن روايته «عذراء غرناطة: حب بين مدينتين».
وفاز الباحث المغربي محمد غاليم بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي فئة الترجمة من الإنجليزية إلى العربية عن ترجمته لكتاب «اللغة والوعي والثقافة» لراي جاكندوف.
وأعلنت مؤسسة «مقاربات» التي تتخذ من مدينة فاس مقرا لها أن جائزتها السنوية المخصصة هذا العام لمحور «التحولات الاجتماعية والثقافية في العالم العربي» قد اسفرت عن فوز الباحث إدريس كثير في صنف العلوم الإنسانية عن بحثه «التحولات المفاهيمية في الثقافة الفلسفية انعطاف بلاغي ام ميتافيزيقي؟» فيما فاز الباحث الجزائري بووشمة الهادي في صنف حقل العلوم الاجتماعية عن بحثه «سوسيولوجيا الحراك في العالم العربي» أما في صنف الآداب والفنون فقد حـــجبت الجائزة.



