كيفية تحليل نص أدبي

كيفية تحليل نص أدبي

بواسطة:
لبابة حسن
– آخر تحديث:
٠٨:٤١ ، ٢٨ مارس ٢٠١٩
كيفية تحليل نص أدبي

‘);
}

مفهوم النص الأدبي

تعدّدت تعريفات النص الأدبي بين النقاد بتعدُّدِ المراحل التي مرّ بها تطوّره، وتعدد المنظومات والنظريات الفكرية والمذاهب الأدبية واللغوية التي تناولته، فكان من الصعب إيجادُ معنى جامع له، ولكن يمكن القول إنّ هناك مجموعة من النقاط المشتركة بينهم يمكن من خلالها تلخيص مفهومه أنّه مجموعة من الوحدات اللغويّة التي تحملُ وظيفة تواصليّة أو دلالية يُنتجها فرد أو مجموعة، تحقق الأدبية من خلال الانسجام والاتّساق بينها، وهذه الوحدات لها بداية ونهاية كتابيّة، لكنه متولّد ومولّد لأحداث تاريخيّة وفكرية ونفسية ولغوية متنوعة، ولوصول أيّ ناقد أو قارئ لمَعاني النص الأدبيّ، عليه أن يعرف كيفية تحليل نص أدبي ما، وهذا ما سيتمّ التطرّق إليه المقالة. [١]

كيفية تحليل نص أدبي

تعدُّ كيفية تحليل نص أدبي ما وظيفة من وظائف النقد الأدبي الذي يَسعى إلى تذوّقه وتحليله ثمّ الحكم عليه استحسانًا أو استقباحًا من خلال الموهبة ومجموعة من الشروط التي يتحلّى بها الناقد، ويكون لها أثر واضح في تحديد قيمة النص وجوهره. وهي امتلاك المنهج، ويعدُّ المنهج النظرية التي ينطلق منها الأديب في دراسة النص، مستخدمًا سلسلةً من الإجراءات التي تساعدُه على اقتحام النصّ، ومتسلحًا بالمصطلحات اللازمة التي تعينُه على تحليل النصوص وتفكيكها في ضوء النظرية التي يتناولها.

‘);
}

يضاف إلى أن كيفية تحليل نص أدبي تتطلّبُ امتلاك الناقد الأدبيّ للنظرة الدقيقة الثاقبة التي تساعده على تلمّس قضايا النص، وأن يكون متمرسًا في قراءة النصوص الأدبية وتحليلها من جوانبها كافّة، ويمتلك الثقافة الواسعة التي تعينُه على تحليل النص، سواءً تعلقت ثقافته باطلاعه على الأعمال السابقة للأديب أو التي تتناول الموضوع ذاته للنص الأدبي، أو معرفته بالظروف السياسية والاجتماعيّة والفكرية والاقتصادية المحيطة للنص. بالإضافة إلى امتلاكه سرعة البديهة والذائقة الأدبية، وامتلاكه الأدوات المنهجية الموضوعية للدراسة الأدبية التي تساعده على الحكم على النص بعيدا عن التحيّر والتعصب، وترجع كيفية تحليل نص أدبي إلى طبيعة النصّ، فقد يتناول الناقد الجوانب الآتية في التحليل:

  • الاهتمام بالتعريف بصاحب النص المراد تحليله، من حيث اسمه كاملًا، وتاريخ ميلاده، وتعليمه ومراحل نشأته، والمَهامّ التي عمل بها والمناصب التي تولاها، وأهمّ الآثار الأدبيّة التي ألفها، ووفاته، والظروف الاجتماعيّة والطبقيّة التي عاش بها، حتّى الأمراض التي أصيبَ بها في حياته، وبهذا يعدّ الناقد ببلوغرافيا اجتماعيّة نفسية عن الأديب قبل أن يشرع في تحليل النص.
  • إعداد ملخص قصير عن النص الأدبي، يوجز فيه الأفكار الأساسيّة للنص ومركزًا عليها، مثل عنونة الأفكار الرئيسية، وتحديد البداية والنهاية، أمّا في النثر يستخدم عبارة من قولِه: إلى قوله وهكذا، وفي الشعر يدوّن ويذكرُ ترتيب الأبيات الشعريّة ثم يتم إعطاء شكلٍ للعنوان.

وهنا مرّة أخرى يلاحظ الناقد طبيعة النص الأدبي قبل البَدء في تحليلِه، فطبيعة النصّ أو جنسه الأدبي ترشدُه إلى الآليّة الصحيحة لكيفية تحليل نصّ أدبي، بما يساعدُه على تحديد المحاور الأساسيّة للتحليل، فمثلا -خاصّة إذا كان الناقد مبتدئًا- فإنّه يقف على الجوانب الآتية لتحليل القصة القصير:

  • وحدة موضوع القصّة، وعدم إسهابها وإطالتها واستطرادها لموضوعاتٍ أخرى.
  • البداية المشوّقة التي تجذب القارئ إلى القصة من أول سطر فيها حتى آخر سطر.
  • بساطة أسلوب الكاتب، ومناسبته لنوع القصّة التي كتب فيها، مع وضوح لغتِه وتناسب ألفاظها مع موضوع القصة.
  • توظيفه الحوار، وغرضه من هذا الحوار تخفيفُ جمود السّرد، وكشف أبعاد الشخصيّة وسبر أغوارها.
  • تسلسل الأحداث داخل القصة، بما يجعلُ كلّ حدث مُفضِيًا إلى الآخر افضاءً حتميًا منطقيًا.
  • بناء فقرات القصة وتسلسلها بعيدًا عن أيّ تناقض لغوي، وتماسك الوحدات اللغوية داخل الفقرات ذاتها بحيث تؤدي المعنى المطلوب الذي أراده الأديب.
  • نهاية القصّة إن كانت مفتوحة أو مغلقة، وكونها هادفة أثارت القارئ، وأوصلته إلى المغزى الذي يريده الأديب، وأشعرت القارئ بالرضى عمّا وصل إليه.
  • التزام القصة بعناصرها من شخوص وأحداث وزمان ومكان، وكيفيّة توظيف هذه العناصر في القصة ودلالاتها.

خطوات الدراسة الأدبية

إنّ كيفية تحليل نص أدبي تتطلّب من الناقد أن يقومَ بتناول عناصره القادرة على إيصال مهمته الإبداعية، وهذه العناصر هي: العاطفة، والأفكار، واللغة، والأسلوب، والصورة والإيقاع. وكلّ هذا في حال توفّرت جميع هذه العناصر في النص الأدبي، إذا لا يشترط توفرّها على درجة واحدة فيه، إنّما تتفاوت باختلاف النص الأدبيّ من مقالة إلى رواية إلى قصّة إلى شعر وغيرهم. وتاليا، أهمّ ما يدرسه الناقد في تحليل نص أدبي: [٢]

دراسة الأفكار

دراسة الأفكار هنا تعني دراسة رؤية الأديب في نصّه، التي تظهرُ من خلال معانيه وإيحاءاتِه في النصّ التي تتجاوز رؤيته الأساسيّة دائما إلى الخلفيّات المعرفية والثقافيّة والاجتماعية للأديب ذاته ومحيطه، وكيفية تحليل نص أدبي هنا تتطلب من الناقد أن يدرس أيضًا:

  • الفن الذي ينتمي النص إليه بدقّة وتعريفه بإيجاز، بالاستعانة بذكر تاريخه القديم حتى يصل إلى الموضوع.
  • صفة الانتماء: المقصود بها تحليل سبب تصنيف النص الفني ونسبه إلى مدرسة معينة أو مذهب ما، وتحديد الموضوع أو القضية التي أوجدت هذا التصنيف؛ من خلال الفكرة العامة ومعالجتها للأفكار الأساسية.
  • القديموالجديد: وفيها تدرس أفكار النص، وإذما تم تناولها سابقا أو لم يتم ذلك، أم أن هذه الأفكار كانت جديدة بحتة وتم طرحها من خلال توظيف بعض العلوم كعلم النفس.
  • الصعوبة والغموض أو البساطة والوضوح: وتتمثّل في قدرة الناقد في تحليل النص الأدبي على استنتاج الأفكار الواضحة والبسيطة، المنقبة من طرح الأديب لأفكاره بدقة وإحكام، بعيدا عن الغموض والصعوبة، وبراعة فهم القارئ.
  • الترابط والتسلسل: وهنا تدرس قدرة الأديب على بناء أفكار نصه بصورة متسلسلة ومتماسكة، ساعدته في نجاح النص، وقدرته على إقناع القارئ.

وكيفية تحليل نص أدبي، تمكن للناقد من أن يحتكم إلى مجموعة من المقاييس التي تساعده في الحكم على الأفكار، وهذه المقاييس هي:

  • السموّ: بأن تساعد أفكار النص على رفع قيمة الإنسان، ودفعه إلى تجاوز واقعه الحالي وتحقيق تطلعاته وآماله، وأن تكون الأفكار سامية تجذب العواطف إليها، وترسخ في الذهن بعد الانتهاء من قراءة النص.
  • الصحة: وذلك بأن تكونَ أفكار النص مقبولة في حدود المجتمع الذي صدرت عنه ومعبرة عنه، فلا تخرج عن العادات والتقاليد والدين والمنطق والعواطف الإنسانية.
  • النظم: وذلك بأن تكون أفكار النص غير متناقضة، ولا حشوَ فيها.

دراسة العاطفة

إنّ كيفية تحليل نص أدبي تتطلب من الناقد أن يتناول العاطفة الموجودة فيه، عاطفة الأديب التي دفعته لاختيار لغة معينة أو ألفاظ معينة للتعبير عن تجربة واقعية أو تخيلية مرّ بها، ويريد إيصالها للقارئ ليتفاعل معه. ودراسة العاطفة في النص الأدبي تتناول جانبين: الصدق الفني للنص الأدبي وقدرته على إقناع القارئ بصدق مشاعر الأديب، وقدرة النص الأدبي على التأثير في نفس القارئ من خلال قوّته في الإيحاء.

دراسة الإيقاع

ودراسة الإيقاع في كيفية تحليل نص أدبي تتطلّب من الناقد أن الناقد النغمة الناتجة عن توافر العناصر الموسيقية داخل النص الأدبي، سواء كانت من عناصر الموسيقى الخارجية من وزن وقافية، أو كانت عناصر موسيقيّة داخليّة ناتجة عن تَكرار الحروف والكلمات والجمل، وحركة الأصوات وتناسقها، وقدرتها على إبراز معاني النص.

دراسة الصور الفنية

وفيها يدرس الناقد توظيف الأديب للخيال في التعبير عن أفكاره ومشاعره، وجِدّة الخيال وجموحه، في تناول عناصر الحياة وتحليلها وإعادة تركيبها في صور جديدة. ويعتمد نجاح الصور الفنيّة التي يوظفها الأديب على انسجامها مع النص، وقدرتها على الإيحاء، وأن تكون مبتكرة، وغير مغرقة في الغموض مما يستحيل على القارئ التقاط دلالاتها، وقد تكون الصور الفنية في النص الأدبي هي وسيلة الأديب لإثارة عاطفة القارئ.

دراسة اللغة

وهنا يدرس الناقد اللغة سلامة نحوِها وصرفها، بالإضافة إلى تناسبها مع حال الأديب وحال المخاطب من حيث المستوى الثقافي لكليهما، والمكانة الاجتماعية، والمعتقدات الدينية، والقيم الأخلاقيّة والبيئية في عصر الأديب. بالإضافة إلى ما تضيفه للنص من قيم فنية وجمالية، ويدعّم كل ذلك بالأدلة من النص الأدبي.

إنّ كيفية تحليل نص أدبي تدفع بالناقد الأدبي إلى التطرق إلى دراسة أسلوب الأديب في النص من خلال لغته، فهل كان مباشرًا أو غير مباشر، من خلال الآتي: [٣]:

  • دراسة الألفاظ: من حيث وضوحها وسهولة فهمها، وتداولها واستخدامها بين الناس، ومن حيث صعوبتها وغرابتها ودقتها بالإيحاء، فإذا كان الكاتب يركز على لفظ مُحدّد في كتابته ليدل على معنى ما، هنا يجب على الناقد الاستعانة بها للتدليل على ما يريد من الكاتب والتمثيل بها.
  • دراسة طول وقصر العبارات: وما فيها من تركيز وتكثيف، ودراسة قوة العبارات الإيحائية أو هدوئها، ويتضح الحكم من خلال الألفاظ التي تتكون منها العبارات، وفي الشعر يتم دراسة الأبيات بفصل البيت الشعري عن البيت الذي يليه بالمعنى أو بوصل الأبيات ببعضها الذي يسمى “وحدة الأبيات”.
  • التركيز على نوع الأسلوب: ويُقصد بالأسلوب الخبريّ أو الإنشائي أو التقريري أو الوصفي، مستخدما الناقد في ذلك التعليل في تحديد الأسلوب ونوعه والغرض من النص والتمثيل عليه من داخل النص نفسه.
  • دراسة المحسنات البديعية: التركيز على قلّة أو كثرة المحسنات وذكر السبب بالاستناد إلى الأمثلة وتحديد نوعها.

نموذج تحليل نص أدبي

وليكونَ للقارئ صورة أوضح في كيفية تحليل نص أدبي، نرفق نموذجا بسيطا لتحليل قصة النمور في اليوم العاشر لزكريا تامر، وفي هذا التحليل سنتطرق لكيفية تحليل نص أدبي رمزي، من خلال الرموز التي يتناولها النص:

صاحب القصة هو زكريا تامر، وهو قاصّ سوري ولد في دمشق عام 1931، وبدأ تعليمه في مدارسها، إلا أنه ما لبث أن ترك التعليم عام 1944، لصعوبة الأوضاع الاقتصاديّة التي مرّت بها اسرته، عمل بداية حدادًا في أحد المصانع، إلا أن الظروف الاقتصادية لبلده وارتفاع نسبة البطالة دفعته لترك وظيفته التي ما عادت تجدي معه شيئًا، وانتقل إلى الكتابة القصصية.  النمور في اليوم العاشر هو عنوان مجموعة قصصية كتبها زكريا تامر عام 1980، محاولًا فيها الحديث انهيار الأحلام العربية عندما استباحت المدينة والسلطة كرامة الإنسان، وجعلته إنسانًا منزوع الإرادة ومنزوع القرار.

في قصة النمور في اليوم العاشر، تظهر الرمزية لدى زكريا تامر، ويغلب عليها الخيال عندما يجري الكلام على لسان الحيوانات، ويأتي الرمز ليعبر عن حالة روحية وتجربة شعورية لها دلالاتها ومعانيها داخل النص.

تبدأ القصة مع المروض الذي يجمع حوله مجموعة من الطلبة يسعى إلى تعليمهم كيفية الترويض، ويتجه معهم إلى النمر في قفصه، وهناك دلالة رمزية أرادها زكريا تامر من اختياره المروض والنمر، فالمروض في القصة هو رمز ومعادل موضوعي للسلطة القمعية والطاغية في بلده، والنمر هو رمز ومعادل موضوعي للشعب الحر الذي تسعى السلطات إلى ترويضه، وإخضاعه لها، من خلال إذلاله بحق من حقوقه وهو الحرية ثمّ المأكل والمشرب.

تستهلّ القصة مشهد إخرج النمر من الغابة، والغابة هنا رمز ومعادل موضوعيّ للحرية التي تنتزع من النمر فحجزه في قفص صغير يغادر فيه العالم الحر، ليبدأ رحلة الإخضاع ثمّ الخضوع في النهاية، وهذه الرحلة تستمرّ لأيّام عشرة على التسلسل الآتي:

  • في اليوم الأول: يعتز النمر/ الشعب بحريته، ويطلب طعامه رفضًا لشعوره بالاحتجاز والهزيمة، لكن المروض / السلطة يرفض إطعامه في وقت طعامه، مذكرًا إيّاه بأنّه هو الآمر الناهي وأن النمر / الشعب في النهاية ليس إلا متمثلا للأوامر ومنفذا لها، ومع ذلك يرفض النمر / الشعب الامتثال لأوامره ويختار الجوع على الانصياع لأوامر المروض/السلطة، ويرفض النمر/الشعب الاعتراف بالهزيمة فجاع. المروض/السلطة لا يتبع سياسة الإجبار وإنما الإخضاع المتسلسل الممنهج من خلال الضغط على الغرائز، فهو يقول لطلبته: “سترون كيف سيتبدل؛ فالرأس المرفوع لا يشبع معدة جائعة”، والمروض/السلطة يستخدم هنا السين مع الفعل ترون، لدلال على المستقبل القريب، فهو غير متعجّل إنّما سيتسلسل ليصل خلال أيام قليلة إلى الإخضاع.
  • في اليوم الثاني: يعترف النمر / الشعب أمام المروض / السلطة بجوعه، هو لا يطلب الطعام، ولكنه امتثالا لأوامر المروض /السلطة يعترف بجوعه، ليدخل في مرحلة الاستسلام التي لن يستطيع الفرار منها فيما بعد “ها هو ذا قد سقط في فخ لن ينجو منه”، إنه السقوط الذي لا عودة بعده، والسقوط هنا رمز ومعادل موضوع لبداية انهيار الأمة العربية أمام جشع حكامها، وتسلطهم، ونزعهم حرياتها واحدة تلو الأخرى.
  • في اليوم الثالث: ينتقل مستوى التسلط من حرمان من حق، إلى إلقاء الأوامر، التي لا يراها النمر / الشعب عظيمة ولا مضرّة، ولكنّها بسيطة لنيل الحق، ففي البداية يرفض النمر / الشعب الطاعة، ولكن رفضه لم يكن جادّا جازمًا، وهو أمام حاجته يقتنع بأن ما أُمر به طلبه تافه لا قيمة له. وهنا يظهر المروض لتلاميذه المغزى النهائي لما يريده من النمر/الشعب، وهو هدم الكرامة العربية وعزّتها “سيصبح بعد أيام نمراً من ورق”، ومجددا يستخدم المروض/السلطة المستقبل القريب للدلالة على سرعة الوصول لما يريد فالنمر الورقي التخيّلي هو معادل موضوعي لإنسان واقعي وصل حاله إلى ما سيصل إليه النمر على الورق، المسافة بينهما هي مسافة القص فقط. والصورة الرمزية هنا نمرا من ورق تأخذ بعدا انفعاليا في نفس المتلقي، فمنهجية الإخضاع على الورق تقابل باستهجان ورفض من المتلقي، إلا أنّه بمتابعة منهجية الإخضاع على الورق سيفف من وطأة الاستهجان والرفض ويتابع القراءة للنهاية دون القيام بأي فعل لرفض الإخضاع الورقي.
  • في اليوم الرابع: يظن النمر / الشعب أن اللعبة بسيطة، وما طُلب بالأمس سيطلب اليوم أيضا، إنها الحاجة، والجوع يحركانه نحو الإسراع والمبادرة بطلب الطعام مقابل الطاعة، المطلب اليوم يختلف عن مطلب الأمس، بالأمس طلب منه الوقوف وهو سهل على عزيز شامخ، ولكنّه اليوم يطلب منه المُواء كالقطط، وهنا يطلب النمر الغابة/الحرية تأتيه، ولكن عبثا ما يطلب، فالغابة / الحرية أصبحت بعيدة، والأحداث تتطوّر، وتطوّر الهيمنة وانتزاع الكرامة، يتطلب تطورا في الخضوع.
  • في اليوم الخامس: البراعة في الخضوع مع إطراء بسيط من السلطة، “عظيم! أنت تموء كقط في شباط”، إنه الوصول إلى شدّة الحاجة للحقوق الطبيعية المسلوبة.
  • في اليوم السادس: شيء من الشعور بالعزّة والكرامة يعود للنمر / الشعب عندما يرفض تقليد صوت الحمار كما طلب منه.
  • في اليوم السابع: تصاعد الإخضاع بتسارع سقوط الكرامة وخروج النمر / الشعب من جلدته، من القطة إلى الحمار، وها هو يقلد نهيق الحمار، وهنا الخضوع يتحول من عامل خارجي إلى عامل داخلي تحركه الحاجات أكثر من سلطة قامعة هازئة، فما زال حتى اللحظة الإجبار من المروض/السلطة على الفعل غائبا، ولكن الحاجة الداخلية هي المحرك المتسارع للخضوع، مع محاولة لتذكر شكل الحرية، فتجهض الذاكرة باستدعاء الحرية “فحاول النمر أن يتذكر الغابات، فأخفق. واندفع ينهق مغمض العينين”.
  • في اليوم الثامن: التغير في المبادئ، من رفض الظلم والقتال في غابات الحرية، إلى بوق مصفق للمروض/السلطة دون فهم، ومع ذلك يحرص المروّض/السلطة على الإمعان في إذلال النمر / الشعب “أنا لا أحب النفاق والمنافقين، ستحرم اليوم من الطعام عقاباً لك”.
  • في اليوم التاسع: الهزيمة الكاملة، والانهيار الكامل، والعبودية المطلقة، ويتحول النمر إلى حمار يأكل الحشائش.
  • في اليوم العاشر: سقوط الأقنعة، وسقوط الرموز، “وفي اليوم العاشر اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص؛ فصار النمر مواطنا، والقفص مدينة”، وبروز المغزى المباشر للقصة بكشف مشروع السلطة وأدواتها لشرعنة وجودها على كرسيّها، ولا يماثل هذا الحال إلا حال كل مواطن عربي في ظل سلطة غاشمة.

يُلاحظ في القصة أن القاص ابتعد عن استخدام السرد، فكانت لغته من بداية القصة إلى آخرها قائمة على الحوار الذي كشف الصراع الأزلي بين النمر / الشعب والمروض / السلطة، وبين النمر وذاته الرافضة بداية للخضوع ثمّ الانصياع له، كما أنّ اللغة على بساطتها إلا أنها مكثفة ورمزية وموحية، فزكريا تامر من خلالها يمرّر الكثير من عبارات السلطة كالترويض، واللامتثال للأوامر، والقفص، والتصفيق لغير المفهوم وغيرها كثير.

إنّ كيفية تحليل نص أدبي تقودنا إلى نهاية ما يريد القاص بعبارة “فصار النمر مواطنا، والقفص مدينة”، فإن كان الإخضاع قد مورس على نمر واحد بشكل فردي إلا أن التحول والصيرورة في الخاتمة، عممت الحال على جميع المواطنين، وهذا للدلالة على اتساع ممارسات السلطة، فما كان منها ظاهرًا على مواطن واحد، فهو في ظل قفص صار مدينة يتّسع ليطال ولو بشكل خفي كل المواطنين في المدينة.

ويُلاحظ ممّا سبق أنّ التحليل تطرق إلى كثير من الاعتبارات التي تعنى بكيفية تحليل نص أدبي، فالتحليل مرّ بصاحب النص وما دفعه لكتابة النص، ومن ثم بانتماء النص إلى الرمزيّة، وبعد إلى الأحداث والصورة الشعريّة، واللغة والعاطفة، وإن كانت جميع العناصر متداخلة إلّا أنّها ألمحتْ بكيفية تحليل نص أدبي بنموذجٍ بسيط.

المراجع[+]

  1. النص وتعريفاته, ، “www.alukah.net”، اطلع عليه بتاريخ 3/2/2019، بتصرف
  2. عناصر العمل الأدبي, ، “www.uobabylon.edu.iq”، اطلع عليه بتاريخ 3/2/2019، بتصرف
  3. أهم 7 خطوات لتحليل النص الأدبي, ، “www.edarabia.com”، اطلع عليه بتاريخ 3/2/2019، بتصرف
Source: sotor.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *