كيفيّة الاعتذار، طلب العفو بلباقة

وصل أحمد للتوّ إلى اجتماع الموظّفين، ويمكنه أن يرى التّوتر وهو بادٍ على وجه رئيسته نسرين. يتجاهل التّوتر في الغرفة، وينطلق في عرضه التّقديميّ المحضّر جيّداً. بعد بضع دقائق، تلتقط نسرين خطأً بسيطاً وتبدأ بمهاجمة أحمد. تتّهمه وبقيّة الفريق بعدم بذل الجهد الكافي. ومع مرور الأيّام، يتوقّع أحمد أن تعتذر نسرين عن سلوكها. ومع ذلك، فإنّ الاعتذار لم يأتِ أبداً، وتصبح علاقتهما متوتّرة، متعثّرة وغير مثمرة. في هذه المقالة سنرى أهميّة الاعتذار، وسوف ننظر في كيفيّة الاعتذار بإخلاص ولباقة عند ارتكاب الأخطاء.

Share your love

ما هو الاعتذار؟

الاعتذار عبارةٌ عن موقفٍ يحمل عنصرين رئيسيّين:

  1. يُظْهِرُ ندمك على أفعالك.
  2. يقرّ بالأذى الذي تسبّبَتْ به أفعالك لشخصٍ آخر.

نحن جميعاً بحاجةٍ لتعلّم كيفيّة الاعتذار – بعد كلّ شيء، لا يوجد شخصٌ مثاليّ. كلّنا نرتكب الأخطاء، ولدينا جميعاً القدرة على إيذاء النّاس من خلال سلوكيّاتنا وأفعالنا، سواءً كانت متعمّدةً أم لا. ليس الاعتذار سهلاً دائماً، لكنّه الطّريقة الأكثر فاعليّة لاستعادة الثّقة والتّوازن في العلاقة عند ارتكابك لخطأٍ ما.

لماذا الاعتذار؟

هناك العديد من الأسباب الّتي تستلزم أن تقدّم اعتذاراً مخلصاً عندما تؤذي شخصاً من غير قصد، أو ترتكب خطأً.

أولاً، يفتح الاعتذار حواراً بينك وبين الشّخص الآخر. إنّ استعدادك للاعتراف بخطئك يمنح الشّخص الآخر الفرصة الّتي يحتاجها للتّواصل معك، والبدء في التّعامل مع مشاعره. وعندما تعتذر، أنت بذلك تقرّ أيضاً بأنّك متورّطٌ في سلوكٍ غير مقبول. هذا يساعدك على إعادة بناء الثّقة وإعادة تأسيس علاقتك مع الشّخص الآخر. كما يوفّر لك فرصةً لمناقشة ما هو مقبولٌ وغير مقبول.

وأكثر من ذلك، عندما تعترف بأنّ الموقف كان خطأك، يمكنك صيانة كرامة الشّخص الّذي آذيته. يمكن لهذا أن يبدأ عمليّة إصلاح الخطأ، ويضمن أنّه لا يلوم نفسه ظلماً على ما حدث.

أخيراً، يُظهر الاعتذار الصّادق أنّك تتحمّل مسؤوليّة أفعالك. هذا يمكن أن يعزّز ثقتك بنفسك واحترامك لذاتك وسمعتك. من المحتمل أيضاً أن تشعر بشيءٍ من الارتياح عندما تقوم بإصلاح تصرفاتك، وهو أحد أفضل الطّرق لاستعادة نزاهتك في عيون الآخرين.

عواقب عدم الاعتذار:

ما هي العواقب إذا لم تعتذر عند ارتكابك لخطأ ما؟

أولاً، ستضرّ بعلاقاتك مع الزّملاء أو العملاء أو الأصدقاء أو العائلة. يمكن لذلك أن يضرّ بسمعتك، ويحدّ من فرص توظيفك، ويقلّل من فعاليّتك – وقد لا يرغب الآخرون في العمل معك.

كما يؤثّر سلباً على فريقك. لا أحد يرغب في العمل لدى رئيسٍ لا يستطيع الاعتراف بأخطائه، ولا يعتذر عنها. كما أنّ العَدَاء والتوتر والألم الّذي يصاحب ذلك قد يخلق بيئة عملٍ مشحونة.

لماذا يعتبر الاعتذار صعباً:

مع كلّ هذه العواقب السّلبيّة، لماذا لا يزال بعض النّاس يرفضون الاعتذار؟

الاعتذار يتطلّب الشجاعة، عندما تعترف بأنّك كنت مخطئاً، فإنّه يضعك في موقفٍ ضعيف، مما قد يعرّضك للهجوم أو اللّوم. يكافح بعض النّاس لإظهار هذه الشّجاعة. أو قد تكون ممتلئاً بالخزي والإحراج بسبب تصرفاتك بحيث لا يمكنك مواجهة نفسك مع شخصٍ آخر. أو ربما تتبع نصيحة “لا تعتذر أبداً، ولا تشرح أبداً”. الأمر متروكٌ لك إذا كنت تريد أن تكون متكبّراً هكذا، ولكن إذا فعلت ذلك فلا تتوقّع أن يُنظر إليك كقائدٍ حكيمٍ أو مُلهم.

كيفيّة الاعتذار بشكل مناسب:

في مقال بمجلّة البحث اللّغوي النّفسيّ، يقدّم عالما النّفس “ستيفن شير” و”جون دارلي” إطاراً من أربع خطوات يمكنك استخدامه عند تقديم الاعتذار. دعونا ننظر في كلّ خطوةٍ ممّا يلي:

الخطوة 1، التّعبير عن النّدم:

يجب أن يبدأ كلّ اعتذارٍ بكلمتين سحريتين: “أنا آسف” أو “أعتذر”. هذا ضروريّ لأنّ هذه الكلمات تعبّر عن النّدم على أفعالك. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول: “أنا آسف لأنّني صرخت بالأمس. أشعر بالحرج والخجل من الطّريقة التي تصرّفت بها”.

يجب أن تكون كلماتك صادقة وحقيقيّة. كن صادقاً مع نفسك ومع الشّخص الآخر حول سبب اعتذارك. لا تقم أبداً بالاعتذار عندما يكون لديك دوافع خفيّة، أو إذا كنت ترى أنّ الاعتذار وسيلة لتحقيق غاية ما.

كما أنّ التوقيت مهمٌّ أيضاً هنا. اعتذر بمجرّد أن تدرك أنّك أخطأت تجاه شخصٍ آخر.

الخطوة 2، اعترف بالمسؤوليّة:

بعد ذلك، اعترف بمسؤوليّتك عن أفعالك أو تصرّفاتك، واعترف بما قمت به.

هنا، عليك أن تتعاطف مع الشّخص الذي ظلمته، وتوضّح أنّك تفهم شعوره. لا تضع الافتراضات – بدلاً من ذلك، حاول ببساطةٍ أن تضع نفسك في مكان ذلك الشّخص وتخيّل كيف ستشعر. على سبيل المثال: “أعلم أنّني قد جرحت مشاعرك بالأمس عندما صرخت بوجهك. أنا متأكّدٌ من أنّ هذا أحرجك، خاصّةً وأنّ كلّ أعضاء الفريق كانوا موجودين. كنت مخطئاً في معاملتك هكذا”.

الخطوة 3، قدّم تعويضاً:

عندما تقوم بالتّعويض، عليك اتّخاذ إجراءٍ ما لجعل الموقف صحيحاً. إليك مثالين عن ذلك:

  • “إذا كان هناك أيّ شيءٍ يمكنّني فعله لتعويض هذا الأمر، فقط أخبرني رجاءً”.
  • “أدرك أنّني كنت مخطئاً في الشّك في قدرتك على ترؤس اجتماع فريق العمل لدينا. أودّ منك أن تقود الفريق خلال اجتماع الغد لإظهار مهاراتك”.

فكّر مليّاً في هذه الخطوة. الحركات الرّمزيّة أو الوعود الفارغة سوف تضرّ أكثر ممّا تنفع. لأنّك تشعر بالذنب، فقد تميل أيضاً إلى تقديم أكثر ممّا يلزم – لذا احرص على تقديم الشيء المناسب.

الخطوة 4، الوعد بأنّ الخطأ لن يحدث مرّةً أخرى:

خطوتك الأخيرة هي توضيح أنّك لن تكرّر الإجراء أو السّلوك. هذه الخطوة مهمّةٌ لأنّك تُطَمْئِنُ الشّخص الآخر إلى أنّك ستغيّر سلوكك. هذا يساعدك على إعادة بناء الثّقة وإصلاح العلاقة.

يمكنك أن تقول: “مِنَ الآن فصاعداً سوف أتعامل مع ضغوطي بشكلٍ أفضل، حتّى لا أُسِيْءَ التّصرّف معك أو مع بقيّة أعضاء الفريق. وأريد منك أن تتّصل بي إذا فعلت ذلك مجدّداً”.

تأكّد من أنّك تحترم هذا الالتزام في الأيّام أو الأسابيع القادمة – إذا وعدت بتغيير سلوكك دون أن تنفّذ وعدك، فسوف يشكّك الآخرون في سمعتك وأهليّتك لثقتهم.

استراتيجيّات أخرى للاعتذار الفعّال:

بالإضافة إلى الخطوات الأربع المذكورة أعلاه، ضع في اعتبارك ما يلي عند الاعتذار:

1. لا تقدّم المبرّرات:

خلال الاعتذار، يميل الكثير من النّاس لشرح أفعالهم. قد يكون ذلك مفيداً، لكن غالباً ما تكون التّفسيرات بمثابة مبرّرات، وهي بدورها تضعف الاعتذار. لا تقم بتحويل جزءٍ من اللّوم إلى شخصٍ أو أيّ شيءٍ آخر في محاولةٍ للحدّ من مسؤوليّتك.

فيما يلي مثالٌ على استخدام المبرّرات في الاعتذار: “أنا آسف لأنّني أسأت التّصرف معك عندما وصلت إلى مكتبي أمس. كان لديّ الكثير من المهامّ، وطالبني رئيسي في العمل بإعداد تقرير المشروع قبل ساعةٍ من الموعد المقرّر”. في هذه الحالة أنت تعزي سلوكك للإجهاد، وتوحي بأنّ الشّخص الآخر كان مخطئاً لأنّه أزعجك في يومٍ حافل. هذا يجعلك تبدو ضعيفاً.

الطّريقة الأفضل هي قول: “أنا آسف لأنّني أسأت التّصرّف بالأمس”. إنّه اعتذارٌ قصيرٌ وصادق، دون أن تقدّم أيّ مبرّراتٍ لسلوكك.

2. لا تتوقّع الغفران الفوريّ:

ضع في اعتبارك أنّ الشّخص الآخر قد لا يكون مستعدّاً لأن يسامحك على ما حدث. امنح هذا الشّخص وقتاً للشّفاء ولا تتسرّع في طلب السّماح.

على سبيل المثال، بعد أن تقدّم اعتذارك يمكنك أن تقول: “أعلم أنّك قد لا تكون مستعدّاً لأن تسامحني، وأتفهّم كيف تشعر حيال ذلك. أردت ببساطةٍ أن أعبّر عن أسفي. سأعطيك الكثير من الوقت لترى أنّني سأغيّر من سلوكي”.

3. كن على بيّنةٍ من التّداعيات القانونيّة:

ضع في اعتبارك أنّ القانون في بعض البلدان والمناطق قد يفسّر الاعتذار على أنّه اعترافٌ بالمسؤوليّة أو الذّنب.

قبل الاعتذار إلى زبونٍ أو جهةٍ ما نيابةً عن مؤسّستك، قد ترغب في التّحدث مع رئيسك في العمل، أو أن تحصل على مزيدٍ من النّصائح من متخصّص قانونيّ. ومع ذلك لا تستخدم هذا كذريعةٍ لعدم الاعتذار، ما لم تكن المخاطرة كبيرة.

 

المصدر: موقع “مايند تولز”.

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!