كيف استطاعت أنجيلا ميركل الوصول لقمة السلطة الألمانية؟

أنجيلا ميركل هي واحدة من أقوى زعماء العالم الحاليين استطاعت الوصول للحكم في ألمانيا أربع مرات، وحققت الرقم القياسي للمرة العاشرة بوصفها أقوى امرأة في العالم.

Share your love

أنجيلا ميركل هي المستشارة الألمانية الحالية، وزعيمة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وجدير بالذكر أن ميركل كانت تعمل في السابق عالمة أبحاث وتحمل شهادة دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية، وقد دخلت ميركل عالم السياسة في أعقاب ثورات 1989 وتم تعيينها لفترة قصيرة كنائبة للمتحدث باسم أول حكومة منتخبة ديمقراطية بألمانيا الشرقية وذلك برئاسة “لوثر دي مايستسيره” خلال عام 1990، وبعد أن تم توحيد ألمانيا عام 1990 تم انتخاب ميركل في البرلمان الألماني ” البوندستاغ” وذلك عن ولاية “مكلنبورغ- فوربومرن” وقد أُعيد انتخابها مرة أخرى حينها، وبعد ذلك تم تعيين ميركل كوزيرة للمرأة والشباب في الحكومة الاتحادية برئاسة المستشار هيلموت كول عام 1994، وبعد أن خسر حزبها في الانتخابات الاتحادية خلال عام 1998 تم انتخاب ميركل من أجل منصب الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وذلك قبل أن تصبح أول زعيمة للحزب بعد الإطاحة بفولفغانغ شويبله رئيس الحزب على إثر فضحية التبرعات.

أنجيلا ميركل حياتها

أنجيلا ميركل ولدت باسم أنجيلا دوروتيا كاسنر عام 1954 ببلدة هامبورغ في ألمانيا الغربية، وهي ابنة لهورست كاسنر القس اللوثري من مواليد برلين، أما والدتها فهي هيرليند كاسنر وكانت تعمل مدرسة للغة اللاتينية والإنجليزية، ولدى ميركل اثنين من الأشقاء كلاهما أصغر منها، إيرين كاسنر التي تعمل كمعالجة مهنية وشقيقها ماركوس كاسنر ويعمل كفيزيائي، وخلال مرحلة الطفولة والشباب كانت ميركل تُلقب باسم “كاسي” بين أترابها وهو اسم مستمد من اسم عائلتها كاسنر.

أنجيلا ميركل لها أصول بولندية وألمانية؛ فجدها الأكبر لودفيك ماريان غاشيرشك كان شرطي ألماني من أصل بولندي، وشارك كثيرا في بولندا في نضالها من أجل الاستقلال، وتزوج بعدها من جدة ميريكل مارغريت وكانت فتاة ألمانية من مدينة برلين، جدير بالذكر أن الدين لعب دوراً جوهرياً في هجرة أسرة كاسنر من ألمانيا الغربية إلى ألمانيا الشرقية؛ حيث كان والد ميركل كاثوليكياً ثم تحول إلى اللوثرية وقام بدراسة اللاهوت اللوثري في هايدلبرج، وفي عام 1954 أصبح والد ميركل راعي أبرشية في كنيسة كفيتسو والتي كانت آنذاك تابعة لألمانيا الشرقية وهو ما حدا بأسرة كاسنر إلى الهجرة منذ البداية، وهكذا انتقلت الأسرة إلى تيمبلين ونشأت ميركل في ريف برلين الشرقية.

أنجيلا ميركل تعلمت في تيمبلين ودرست اللغة الروسية ثم التحقت بجامعة لايبزيغ حيث قامت بدراسة الفيزياء من العام 1973 حتى 1978 وعندما كانت طالبة شاركت في بناء المركز الثقافي وهو مشروع بادر به الطلاب من أجل إعادة تشكيل المرافق في الحرم الجامعي وكان أول بادرة من نوعها في ألمانيا الشرقية خلال تلك الفترة، في البداية تمت مقاومة الفكرة من قبل إدارة الجامعة ولكن تم السماح للمبادرة بالاستمرار وذلك بدعم القيادات المحلية في حزب الوحدة الاشتراكي الألماني.

درست أنجيلا ميركل وعملت في المعهد المركزي للكيمياء الفيزيائية بأكاديمية العلوم من 1978 إلى 1990 وخلال عملها كباحثة حصلت على درجة الدكتوراه عن أطروحتها المتميزة في كيمياء الكم ونشرت ميركل العديد من الأوراق البحثية.

أنجيلا ميركل تزوجت عام 1977 وذلك في سن 23 سنة من طالب الفيزياء “أولريش ميركل” ومنه استمدت اسم العائلة، وانتهى ذلك الزواج بالطلاق عام 1982، أما زواجها الثاني والحالي فقد كان عام 1998 من “يواخيم زوار” أستاذ فيزياء الكم الذي يُفضل دوماً الابتعاد كثيراً عن أضواء الشهرة، يُذكر أن ميركل ليس لديها أطفال ولكن زوجها يواخيم لديه ابنان من زواج سابق، تشجع ميركل كرة القدم وتشاهد دائماً المباريات بينما هي في البرلمان، وتحرص دوماً على حضور مباريات المنتخب الوطني الألماني بصفتها الرسمية.

أنجيلا ميركل ومشوارها السياسي

أنجيلا ميركل بدأت أولى خطوات مشوارها السياسي عندما انخرطت عام 1989 في حركة الديمقراطية المتنامية بعد انهيار جدار برلين، وانضمت إلى حزب الصحوة الديمقراطية الجديد، وفي 1990 اندمج حزب الصحوة ع الاتحاد الديمقراطي المسيحي لألمانيا الشرقي والذي اندمج أيضا مع نظيره الغربي بعد التوحيد.

أنجيلا ميركل بعد انتخابها الأول تم تعيينها على الفور بمجلس الوزراء كوزيرة للنساء والشباب ثم أضحت وزيرة لشئون البيئة والسلامة النووية، وهنا بدأت ميركل بناء حياتها السياسية باعتبارها أصغر الوزراء سناً في المجلس، وبعد أن أصبحت ميركل الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي حققت الكثير من الانتصارات للحزب حيث فازت في ستة انتخابات من أصل سبعة للولايات عام 1999 كاسرة بذلك هيمنة حزبي الخضر والديمقراطي الاشتراكي طويلة المدى على مجلس الولايات.

أنجيلا ميركل بالإضافة لدورها الكبير كزعيمة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أصبحت أيضاً زعيمة المعارضة بالبرلمان، ودعمت ميركل برنامج جوهري من أجل إصلاح الاقتصاد الألماني والنظام الاجتماعي ودعت إلى ضرورة تغيير قانون العمل الألماني وقالت إن القوانين الحالية جعلت ألمانيا أقل قدرة على المنافسة، كما نادت ميركل بصداقة ألمانية أمريكية وشراكة أطلسية قوية متحدية بذلك معارضة شعبية قوية، وكانت ميركل في صالح غزو العراق واصفة إياه بأنه “لا مفر منه”.

أنجيلا ميركل تولت منصب مستشارة ألمانيا في 2005 وتم إعادة انتخاب حزبها عام 2009 مع زيادة عدد المقاعد وتمكنت ميركل من تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الديمقراطي الحر، وركزت ميركل في سياستها الخارجية على تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي وتعزيز العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي، وتمتعت ميركل بعلاقات طيبة مع رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 2006 أعربت ميركل عن قلقها الشديد بسبب اعتماد ألمانيا المفرط على الطاقة الروسية، وإدراكاً منها لأهمية الصين للاقتصاد الألماني قامت ميركل بقيادة سبع وفود تجارية إلى الصين منذ توليها المنصب عام 2005 وحتى عام 2014.

جدير بالذكر أن الحكومة الألمانية بقيادة ميركل تدخلت لمساعدة شركة هيبو للرهن العقاري وذلك على إثر الانهيار الكبير في أسواق الأسهم العالمية عام 2008، حيث ساهمت البنوك الألمانية بمبلغ 30 مليار يورو وساهم البنك المركزي الألماني بمبلغ 20 مليار يورو إلى حد الائتمان.

وتجدر الإشارة إلى أن أنجيلا ميركل يتم وصفها دائماً بأنها حاكم الأمر الواقع لزعامة الاتحاد الأوروبي، وتم تسميتها مرتين من قبل مجلة فوربس كثاني أقوى شخص في العالم، وفي عام 2014 أصبحت ميركل أطول رئيسة حكومة في الاتحاد الأوروبي.

أنجيلا ميركل واللاجئين

أنجيلا ميركل اتبعت مع اللاجئين في بداية الأمر سياسة الباب المفتوح وهو ما أدى إلى زيادة عدد طلبات اللجوء إلى ألمانيا بشكل كبير وارتفع خلال العامين المنصرمين ليصل إلى 2 مليون شخص أغلبهم فارون من الحرب في سوريا والعراق وأفغانستان، ولا زالت قضية الأعداد الكبيرة للاجئين في ألمانيا تثير نقاشاً محتدماً وصراعاً بين ميركل وحزب اليمين المتطرف في ألمانيا، وهو ما أدى إلى الكثير من الضغوط السياسية على ميركل التي ترحب باللاجئين ودفعها إلى التراجع خطوة للوراء من أجل محاولة تهدئة خصومها السياسيين.

جدير بالذكر أن أطياف كثيرة أبرزها اليمين المتطرف يعارض سياسة ميركل بفتح الباب على مصراعيه أمام كل اللاجئين القادمين من أماكن الحرب، وذلك من دون النظر إلى خلفياتهم السياسية والاجتماعية والدينية قبل دخولهم إلى الأراضي الألمانية، غير أن هناك الكثير في أنحاء العالم قاموا بتأييد المستشارة الألمانية التي تفردت بموقف شجاع في وقت تقاعس فيه الكثير من زعماء الدول الأخرى.

ولا يحظى كل اللاجئين في ألمانيا بأوضاع قانونية سليمة، حيث أشار وزير الخارجية إلى أن السلطات الألمانية سجلت فقط 470 ألف شخص كما قررت الحكومة الفيدرالية تعيين أربعة آلاف موظف إضافي بمكتب الهجرة وذلك من أجل تقليل أعداد تدفق اللاجئين، وتعكف ألمانيا في الوقت الحالي على تقليل عدد طلبات اللجوء بكل حزم وذلك عبر استخدام كل السياسات المتاحة، وأكد “رونالد شافير” رئيس المنظمة الممثلة للسلطات المحلية في الوقت ذاته أن المدن والبلديات غير قادرة على استيعاب المزيد من هذا التدفق إن استمر على المنوال ذاته، وع كل تلك المؤشرات بالعجز في مواجهة مشكلة اللاجئين قامت ميركل بالدفاع عن موافقتها على استقبال أكثر من مليون طلب لجوء وأعربت عن عدم ندمها وأنها سوف تتخذ القرارات نفسها مجدداً وبالطريقة ذاتها، وفي أكتوبر 2017 أجرت ميركل مجموعة من الزيارات للدول المصدرة للاجئين وذلك من أجل الاتفاق على ضبط الهجرة الغير شرعية وكانت أهم محادثتها مع تونس ومصر حول هذا الأمر، وفي المقابل قامت ميركل بعقد قمة مفاجئة ومصغرة في بروكسل مع تسعة من دول الاتحاد الأوروبي والذين يُفترض استقبالهم للاجئين وذلك وفقاً لما يُعرف ببرنامج إعادة توزيع اللاجئين الإجباري على دول الاتحاد الأوروبي، ولكن القمة لم تتوصل إلى سياسات مشتركة بشأن التصدي للتدفق الكبير للاجئين على دول أوروبا، مما حدا بميركل لإبرام اتفاقية مع تركيا من أجل منع وصول اللاجئين القادمين إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، وفي المقابل اعتبرت تركيا أن هذه الاتفاقية بمثابة بداية جديدة مع ألمانيا التي قدمت 3 مليار يورو من اجل تحسين أوضاع اللاجئين في تركيا ولإقناعهم بعدم النزوح للأراضي اليونانية التي يتحركون منها إلى دول أوروبا وألمانيا، وتضمنت الاتفاقية أيضا تسهيل إصدار تأشيرات شينجن للأتراك للتمكن من السفر لأوروبا بشكل قانوني.

أنجيلا ميركل عطفاً على اتفاقها مع تركيا، قامت بإجراء مجموعة من الزيارات لدول جنوب المتوسط المصدرة للاجئين وذلك من أجل التوصل لاتفاقات من شأنها ضبط الهجرة الغير شرعية.

وفي ديسمبر 2016 خلال الاحتفال بأعياد الميلاد في برلين قام التونسي “أنيس العمري” بهجوم إرهابي أسفر عن وفاة 12 شخص وإصابة 48 وقامت السلطات الألمانية باحتجاز تونسياً آخر لاشتباهه بالتورط في الهجوم، وقد أدى هذا الحادث الأليم إلى إعادة النظر في مشكلة اللاجئين ومدى خطورتهم على المجتمع الأوروبي، وبعد هذا الحادث اتفقت ميركل مع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي على إعادة 1500 تونسي تم رفض طلبات لجوئهم للأراضي التونسية، ونتيجة لذلك حذر كل من حزب الخضر واليسار المعارضين لميركل من إبرام اتفاقية مع تونس على غرار اتفاقية تركيا، حيث أعلنت “كاترين غورينغ إكارت” رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب الحضر أنه لا يجب على ميركل أن تكرر مع تونس نفس الخطأ الذي ارتكبته مع أردوغان عبر ” اتفاق اللاجئين القذر” على حد وصفها، فيما أكدت رئيسة حزب اليسار “كاتيا كيبينغ” أنه على ميركل أن تبتعد عن تأسيس أي مخيمات للاجئين تونس وعليها أن تحث رئيس وزراء تونس على الالتزام باحترام الحريات وحقوق الإنسان بدلاً من التشديد والتضييق على أبناء شعبه”

ختاما، تواجه أنجيلا ميركل العديد من التحديات السياسية كونها على رأس السلطة في ألمانيا للمرة الرابعة على التوالي؛ ولكنها ستتجاوز تلك العقبات كما تجاوزت الكثير في السابق، وذلك بسبب خبرتها الكبيرة التي اكتسبتها من الدخول المبكر لعالم السياسة وقدتها على حل الكثير من المشكلات التي واجهتها مثل إصلاح نظام الرعاية الصحية وتطوير الطاقة.

Source: ts3a.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!