تختلف أساليب التربية من فرد لآخر، فربما يتخذ هذان الوالدان أسلوب اللين في التربية، بينما يتخذ آخران أسلوب الحزم والعنف، وللتربية العنيفة تأثير كبير على صحة المراهقين والأطفال النفسية، إذ أشارت دراسة علمية حديثة إلى أن الطفولة التعيسة، والتعرض للإساءة البدنية واللفظية أثناء تلك المرحلة التأسيسية، قد تؤدي إلى زيادة معدل الوفاة، بينما وجدت دراسة أخرى أن بعض الأطفال والمراهقين عرضة أكثر من سواهم للإصابة بإدمان الإنترنت، ورجحت احتمالات حدوث ذلك بين الأطفال:

  • العدوانيين.
  • من يعانون من الاكتئاب.
  • المصابين بالرهاب الاجتماعي.

وقد رأى بحث طبي حديث العدوانية والسلوكيات المخالفة للقانون سن مبكرة ربما تعرض المراهقين والأطفال لخطر الوفاة، أو الإصابة بإعاقة عند بلوغهم أواخر الأربعينات من العمر، في حين وجد بحث آخر أن من يعانون من اضطراب فرط النشاط وتشتت التركيز (بالإنجليزية: Attention Deficiency Hyperactivity Disorder) أثناء الطفولة هم أكثر عرضة من سواهم للجنوح والانغماس في الجريمة.

وتوجد عدة عوامل تؤثر على نشأة الأطفال، كالتالي:

أساليب التربية العنيفة والسلوك العداوني

كانت نتيجة دراسة قام بها باحثون من “جامعة كارديف” البريطانية بمتابعة 411 فتى من جنوب لندن، اعتباراً من عام 1961، عندما كانت أعمارهم تتراوح بين الثامنة والتاسعة، واتضح لاحقاً أن بعض الفتيان من هذه المجموعة قد اكتسب أحد السلوكيات الآتية:

  • سلوكاً معادياً للمجتمع، مثل: التغيب عن المدرسة أو المشاكسة أو خيانة الأمانة عند بلوغهم سن العاشرة.
  • ارتكباب جناية في سن الـ18 عاماً.

وبمراجعة أوضاعهم الحالية، فإن واحداً من بين كل ستة، أو ما نسبته 16.3% منهم أصبح عرضة للوفاة أو الإصابة بإعاقة عند بلوغه سن الـ48 عاماً.

ولاحظ الباحثون أن ذلك المعدل أعلى بنسبة سبع مرات –أي واحد من بين كل 40 شخص– وما نسبته 2.6% مقارنة بالرجال ممن اتسمت طفولتهم بالهدوء والابتعاد عن المتاعب.

وقال جوناثان شيبرد مدير مجموعة “أبحاث العنف والمجتمع” في “جامعة كارديف” ومقرها ويلز: “فوجئنا ونحن نرى مثل هذا الرابط القوي بين هذه التأثيرات المبكرة والوفاة المبكرة، مما يدل على أن الأشياء التي تحدث في نطاق العائلة في السنوات العشرة الأولى من عمر الطفل تشكل جزءاً من مرحلة التطور نحو الوفاة المبكرة“.

وأضاف: “لقد كان من دواعي دهشتنا أيضاً أن هذه الزيادة لم تقتصر على تجاوزات متعلقة بتعاطي المخدرات، أو غيرها من مشاكل الصحة العقلية المعروفة بارتباطها بنمط المعيشة، بل امتدت إلى حالات الوفاة المبكرة والإصابة بالعجز، جراء طائفة واسعة من الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية وأمراض الجهاز التنفسي والسرطان“.

أساليب التربية العنيفة وتشتت الانتباه في الطفولة

قد تدفع الإصابة بتشتت الانتباه في الطفولة الناتجة عن أساليب التربية العنيفة إلى الجنوح عند البلوغ؛ أي ارتكاب أي فعل خارج عن القانون، ووجد بحث علمي أمريكي أن من يعانون من اضطراب فرط النشاط وتشتت التركيز أثناء الطفولة أكثر عرضة للجنوح.

وتضمن البحث الذي أجراه فريق خبراء من جامعة “يل” الأمريكية أكثر من 10 آلاف شاب يافع جرت متابعتهم حتى سن البلوغ، حيث تبين أن احتمالات الجنوح واللجوء إلى السرقة قد:

  • تضاعفت بين الأطفال الذين يعانون من تشتت الإنتباه وفرط النشاط.
  • تزايدت بينهم فرص الانخراط في الاتجار بالمخدرات بنسبة 50%.

وتقدم خلاصة الدراسة التي نشرت في “دورية سياسة الصحة العقلية والاقتصاد” أول دليل علمي على وجود رابط بين الاضطراب السلوكي والجريمة.

وقال جسيون فليتشر من كلية الصحة العامة بجامعة “يل”: “فيما أظهرت أبحاث كثيرة رابطاً بين الاضطراب وتأثيره التعليمي على المدى القصير، يشير هذا البحث لعواقب ذات دلالة على المدى الطويل، مثل الانخراط في أنشطة إجرامية“.

وأضاف: “وجدنا كذلك اختلافات رئيسية في التداعيات بين الجريمة عند البلوغ ونمط الأعراض المرافقة لذلك الاضطراب عند  الطفولة إذا كان إفراط في النشاط، أو تشتت التركيز أو كليهما“.

اقرأ أيضاً: اساءة الى الطفل

أساليب التربية العنيفة والموت المبكر

يمكن للتعرض للإساءة في الطفولة أن يقصر العمر، ولفتت دراسة علمية حديثة إلى أن الطفولة التعيسة، والتعرض للإساءة البدنية واللفظية أثناء تلك المرحلة التأسيسية، قد تقصر العمر.

ووجد المسح الذي أجرته “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية” في أتلانتا الاميركية، وشمل أكثر من 17 ألف بالغ، أن الأفراد ممن تعرضوا لستة أو أكثر من تجارب تعرف بتجارب طفولة غير مواتية (بالإنجليزية: Adverse Childhood Experience or ACEs) قبيل بلوغ سن الـ18 هم أكثر عرضة للموت مبكراً عن سواهم ممن لم يعاني من مثل هذه التجربة.

وقال الباحث ديفيد براون، الذي قام بالدراسة: “نأمل أن تدفع نتائج هذه الدراسة لمزيد من الاعتراف بأن سوء معاملة الأطفال وتعرضهم لإجهاد نفسي بمختلف الأشكال هي مشكلة صحية عامة“.

وأضاف: “من المهم للغاية إدراك أن عواقب التعرض لصدمات خلال الطفولة قد تمتد طيلة حياة الفرد“.

وقام براون وفريق البحث بمراجعة البيانات الطبية للمشاركين خلال الفترة من 1995 و1997، ومراجعة الاستمارات التي تناولت طفولة المجموعة ومن ثم مراقبتهم عن كثب طيلة عام 2006، باستخدام مؤشر الوفيات القومي.

ولاحظ فريق البحث أن ثلثي المشاركين أشاروا في الاستبيان للتعرض مرة واحدة على الأقل لتجارب طفولة غير مواتية، ولقي من تحدثوا عن  تعرضهم لستة من تلك التجارب أثناء الطفولة في المتوسط حتفهم في سن الستين مقارنة بآخرين مروا بمعدل أقل من تلك التجارب، حيث تمتعوا بعمر مديد حتى سن 79 عام.

وربط الباحثون بين تزايد مخاطر الوفاة المبكرة بين تلك الفئة والإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية والقلبية والتدخين وإدمان الكحول والإصابة بالاكتئاب، إلى جانب مشاكل صحية أخرى. وأشار براون إلى أن نتائج الدراسة غير قاطعة وبحاجة للمزيد من الأبحاث.

وتلا هذا البحث دراسات مماثلة نشرت مؤخراً، وجدت إحداها أن ضرب الأطفال يؤدي لخفض معدل الذكاء، فيما قالت أخرى إن العقاب البدني يجعلهم أكثر عدوانية ويؤثر في نموهم الذهني وقدراتهم الإدراكية.

للمزيد: كيفية التعامل مع الطفل العصبي

أساليب التربية العنيفة والقدرات العقلية

وجد بحث علمي أن العقاب البدني يجعل الأطفال أكثر عدوانية ويؤثر في نموهم الذهني وقدراتهم الإدراكية.

وأظهرت عدد من الدراسات الأخرى التي تابعت مجموعة أطفال من مرحلة الطفولة وحتى البلوغ أن:

  • الضرب قد يجعل الأطفال أكثر انعزالية.
  • أولئك الذين تعرضوا للعقاب البدني في عمر سنة واحدة أصبحوا أكثر شراسة وتراجع نمو قدراتهم الإدراكية مقارنة بمن يتم إرهابهم شفاهة فقط.

وبينت دراسة منفصلة أن معاقبة الأطفال بدنياً في سن الخامسة وحتى 16 عام تطور لديهم ظاهرة السلوك العدواني بمعدل ثلاثة أضعاف عن أقرانهم ممن لم يتعرضوا للضرب.

وشملت الدراسة الأمريكية 2500 عائلة لديهم أطفال تتراوح أعمارهم بين عام وعامين وثلاثة أعوام قام خلالها الباحثون بتسجيل حالات تعرضهم للضرب واستخدام أنظمة معتمدة لقياس سلوكياتهم ومهاراتهم الذهنية.

وقد تعرض ثلث الأطفال في عمر سنة للضرب وجرى تحديده كضرب خفيف باليد على المؤخرة بمتوسط مرتين أسبوعياً، وثلاث مرات لأقرانهم في سن عامين.

وأظهرت النتائج أن تعريض الأطفال لمزيد من الضرب في عمر سنة واحدة يجعل:

  • تصرفاتهم أكثر عدوانية عند بلوغ الثانية.
  • يؤدي إلى تدني درجاتهم في اختبارات مهارات التفكير عند بلوغ الثالثة.

وقالت د. ليز برلين الباحث العملي في “مركز سياسة الطفل والأسرة” بجامعة نورث كارولاينا الامريكية: “نتائجنا تظهر بوضوح أن الضرب يؤثر في نمو الأطفال“. وشارك في الدراسة المنشورة في دورية “تطور الطفل” عدد من الباحثين في جامعات أمريكية مختلفة.

وأكدت برلين أن التعنيف لم يؤثر على أي من سلوكيات الطفل أو تطور قدراته الإدراكية”.

العدائية وإدمان الإنترنت

وجدت دراسة أخرى أن بعض الأطفال والمراهقين عرضة أكثر من سواهم للإصابة بإدمان الإنترنت، ورجحت احتمالات حدوث ذلك بين الأطفال العدوانيين ومن يعانون من الاكتئاب والرهاب الاجتماعي (بالإنجليزية: Social Phobia).

ورغم أن تعريف الاستخدام المطول للإنترنت كإدمان ليس بتشخيص رسمي، إلا أن عوارضه المحتملة تشمل قضاء ساعات طويلة في الإبحار على الشبكة العنكبوتية بشكل يتعارض مع أداء المهام اليومية واتخاذ القرارات.

وفي دراسة نفذتها “مستشفى كاوسيونغ الطبي الجامعي” في تايوان شارك فيها 2293 تلميذاً من طلاب المرحلة السابعة، استغرقت عامين، أنه قد أصيب 10.8% بإدمان الإنترنت، بحسب مقياس معين يحدد درجات الإدمان.

وتفاوت تعريف الإدمان إلا أن أعراضه المعتمدة في الدراسة كالتالي:

  • قضاء ساعات طويلة، أكثر من الوقت الأصلي المعتزم.
  • الإحساس بالعجز عن خفض ساعات الاستخدام.
  • الانهماك الكامل في أنشطة الشبكة العنكبوتية الواسعة.
  • الإحساس  بالضجر والقلق عند التوقف لأيام عن استخدام الإنترنت.

ولاحظ فريق البحث أن:

  • الإصابة بالعدائية والرهاب الاجتماعي يقترنان عموماً مع إدمان الأطفال للإنترنت.
  • الصبيان هم الأكثر عرضة من الفتيات لهذا الخطر.
  • تتزايد احتمالات الإدمان لدى كل من يتجاوز استخدامه للشبكة العنكبوتية 20 ساعة أسبوعياً.

وقال مايكل غيلبرت من “مركز المستقبل الرقمي” في “جامعة ساوث كارولاينا”: “إن نتائج الدراسة ليست بالمفاجئة“، مضيفاً: “الدراسة تشير إلى أن الأطفال المفرطي النشاط، أو أولئك الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي، يجدون متنفساً في الشبكة، نظراً لتلهفهم للتحفيز الدائم وسريع الوتيرة المتوفر في الإنترنت“.

ويلفت مختصون إلى أن إدمان الإنترنت أكثر انتشاراً في دول آسياً، فقد كشف مسح صيني أجري العام الماضي إلى أن أكثر من أربعة ملايين مراهق يقضون أكثر من ست ساعات يومياً في تصفح الإنترنت.

وفي حين تشير الأرقام إلى عدم شيوع هذا النوع من الإدمان في الولايات المتحدة، فقد حذر أطباء أمريكيون من أنه قد يصبح من أكثر أمراض الطفولة المزمنة في أمريكا.

ويذكر أن بعض العلماء تطرقوا مؤخراً إلى ظاهرة الإدمان على استعمال موقع الفيس بوك (بالإنجليزية: Facebook) بعد ملاحظة أن هذا الولع له آثار جدية على حياة الفرد، بحيث يفقده الصلة بالواقع المعاش ويؤثر في عمله وعلاقاته بالمحيطين به.

وقالت المعالجة النفسية الإكلينيكية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، جوانا ليباري: “يمكننا مقارنة الفيس بوك بفيلم “ذا ترومان شو” حيث يعيش المرء حياة رغيدة من دون منغصات في عالم مفبرك بالكامل“.

الضغوط المدرسية وانتحار المراهقين

أفاد تقرير أن 14 مراهقاً أقدموا على الانتحار في عام 2006 في تايوان من بينهم 10 بسبب الأعباء الدراسية والعلاقات العاطفية. وانتحر جميعهم ما عدا واحداً فقط بالقفز من مبانٍ مرتفعة.

وجاءت الإحصائيات كجزء من دراسة لأسباب وفيات صغار السن أجرتها لجنة من الخبراء في المستعمرة البريطانية السابقة.

وتهدف هذه الدراسة إلى:

  • تحديد مواطن القصور في تربية النشء في المدينة البالغ تعداد سكانها 7 ملايين نسمة.
  • إيجاد سبل لتفادي مثل هذه الوفيات.

وخلصت الدراسة إلى أنه من بين 107 من الأطفال والمراهقين توفوا عام 2006، كانت:

  • 61 حالة وفاة لأسباب طبيعية.
  • 20 حالة نتيجة للحوادث.
  • 14 انتحار.
  • 12 وفاة نتيجة اعتداءات أو مشكلات صحية أو أسباب غير معروفة.

وقال البروفيسور دانيل شيك، الذي قام بفحص البيانات الخاصة بحالات الانتحار: “إن المراهقين أكثر إقداما على الانتحار لأسباب تتعلق بالعلاقات العاطفية عن البالغين، ولذا فهم يحتاجون لمزيد من التوجيه فيما يتعلق بكيفية مواجهة فشل العلاقات العاطفية“.

وألقت الدراسة أيضاً بالضوء على مشكلة بقاء صغار السن بمفردهم في المنازل حيث أن ثلاث من بين كل أربع حالات انتحار حدثت بالقفز من المنازل من ارتفاع عالٍ كانت لهؤلاء الذين تركوا بمفردهم. 

للمزيد: نصائح تربوية لكيفية التعامل مع الأطفال