بسبب العديد من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على مجتمعاتنا على مدار السنوات المتعاقبة فقد تزايد عدد الأبناء الشباب الذي فشلوا في تكوين طريق خاص بهم، ويقصد بالطريق هنا هو الحصول على مهنة مناسبة وادخار جزء من دخلهم بحيث يصبح لهم حياة مستقلة مادية وبالتالي اجتماعية عن آبائهم. فكيف يتعامل الآباء مع مشكلة عدم انطلاق الأبناء وعدم تمكنهم من شق طريق للنجاح في الحياة، هذا هو ما سنحاول سرده في هذا المقال.
التفرقة بين عدم انطلاق الأبناء وبين تعثرهم
بداية هنالك قدر كبير من اللغط واللبس فيما يخص مشكلة عدم انطلاق الأبناء، فعلى الرغم من أن عدم الانطلاق يعني فشل الابن في الحصول على وظيفة مناسبة لإمكانياته أو حتى فشله في الحفاظ على الوظيفة التي يحصل عليها في كل مرة إلا أن الكثير من الآباء يتعاملون مع تعثر أبنائهم في بداية حياتهم على أنه فشل تام وهو أمر خاطئ كلياً؛ إذ أن تعثر الأبناء أمر طبيعي تماماً ولا يجب أن يتم التعامل معه على أنه فشل تام خاصة وإن كان الابن يعمل في مهنة أو مجال يصعب فيه إثبات الموهبة أو يستغرق وقت طويل ومحاولات مستمرة كالمجالات الإبداعية فيما يخص الكتابة والتمثيل والغناء وغيرها.
تحديد الموقف المالي للأبناء
من أهم المؤشرات أو المعايير التي يمكن من خلالها تقييم انطلاق الأبناء هو الموقف المالي لهم، فربما يكون الهدف الأول من رغبة كل ابن في الحصول على وظيفة خاصة به هو امتلاك المال في يده يما يوفر له درجة مناسبة من الاستقلالية وهي أكثر ما يحتاجه في تلك المرحلة من عمره؛ لذلك يمكنك أن تراجع مع أبنائك بعد مرور فترة من استلامهم لوظائفهم الأولى الموقف المالي الخاص بهم أي كم يتقاضى وكم يستطيع ادخاره في البنك بحيث يجب أن يتناسب أجر الوظيفة مع مقدار مصروفات الابن الشهرية ومع ما يدخره من هذا الراتب كل بنسب متساوية ومتكافئة.
التحقق من وجود لامبالاة للابن
اللامبالاة أو فقدان الرغبة في السعي والاجتهاد للبحث عن وظيفة وعمل مناسب وتحقيق الذات من أهم علامات فشل انطلاق الأبناء، فللأسف الشديد قد يكون السبب في فشل الأبناء في الحصول على عمل مناسب هو عدم سعيهم بالدرجة الكافية للبحث عن ذلك العمل؛ وعلى ذلك فإن استشعرت من ابنك ذلك فيتوجب عليك أن تزيد من قدر حماسه للبحث عن عمل وأن توفر له الطاقة الإيجابية الكافية في المنزل حتى يزول عنه أي إحباط أو كسل مصاب به ويمكنك كذلك أن تساعده بالبحث معه عن عمل أو توفير المال المناسب له حتى يجد وظيفة ملائمة.
وضع خطط وأهداف للأبناء
هنالك فرق كبير بين الهدف والطموح فالطموح يعني الرغبة في النجاح وتقلد أعلى المناصب بشكل عام أما الهدف هو تحديد وجهة معينة لذلك الطموح أو مجال معين يرغب الشخص في العمل به، وقد يغيب هذا الفارق في أذهان الكثير بحيث يعتقد الشخص أن مجرد رغبته في أن يكون ناجحاً هو هدف بدون امتلاك طريق معين يسعى من خلاله لذلك النجاح؛ لذلك يجب على الآباء أن يجلسوا مع أبنائهم لتحديد الطرق والأهداف التي يسعى لها الابن وذلك عبر البحث في أفكار الابن وشغفه والتعرف إلى أكثر مجال يمكن له أن يبدع فيه ثم البحث عن الطرق المناسبة للعمل به.
الالتزام بقواعد المنزل
للأسف الشديد بعدما يضع الآباء عدة قواعد للمنزل ينشأ عليها أبنائهم كمواعيد للعودة أو لاستضافة الأصدقاء أو حتى مواعيد للنوم يضطر الآباء للتخلي عن تلك القواعد بمجرد وصول أبنائهم لسن الرشد اعتقاداً منهم أن ذلك يوفر لهم الحرية المناسبة لتلك المرحلة العمرية، لكن على العكس إحساس الابن بغياب القواعد والنظام الذي نشأ عليه يجعله يهمل حياته العملية أكثر ويفقد أي قدرة كامنة بداخله للبحث عن عمل؛ وعلى ذلك فإن انطلاق الأبناء يلزمه وجود نفس قواعد المنزل كما هي وبالتالي إن شعر الابن بالضجر منها – وهو أمر طبيعي- فعليه أن يؤسس لنفسه حياته الخاصة حتى يحظى بالحرية التي يتمناها.
مساهمة الأبناء في مصروفات المنزل
بمجرد تملك الابن لوظيفة يتقاضى منها أجراً مناسباً يتوجب عليه أن يساهم في مصروفات المنزل ولو بنسبة رمزية لا تذكر لكن الغرض منها سيكون تعليم الابن كيفية امتلاك حياة بها التزامات وأعباء مادية عليه أن يسددها حتى وإن كان راتبه لا يكفيه بدلاً من أن يستغل هذا الراتب في الإنفاق على بنود نثرية لا أهمية لها؛ لذلك إن رأيت أن راتب الابن مناسب قم بالاتفاق معه على تخصيص بند واحد أو بندين من مصروفات المنزل ليقوم هو بالإنفاق عليها من راتبه وذلك حتى يتعلم كيفية تحمل المسئولية في المستقبل.
تشجيع الأبناء على ترك المنزل
على الرغم من أن ذلك البند قد يخالف الكثير من العادات المجتمعية في العالم العربي إلا أن له تأثير إيجابي كبير في انطلاق الأبناء حيث أنك تجد في الخارج بمجرد حصول الابن على وظيفة مستقرة يقوم بالبحث عن شقة مناسبة يقيم فيها بمفرده ويبدأ في تحمل مسئولية حياته الخاصة على عكس المتوارث في الوطن العربي وهو إقامة الابن مع والديه حتى يتزوج وينتقل لمنزل آخر بدون أن يتعلم كيفية تدبر أمور الحياة كرب الأسرة؛ لذلك بمجرد أن يبدأ الابن في امتلاك المال الكافي لحياة خاصة به قم بتشجيعه على البحث عن منزل يبدأ فيه تلك الحياة بمفرده.
تعليم الطفل كيفية الادخار
من أهم المهارات الحياتية التي يتوجب على الطفل أن يتعلمها منذ بدء تسلمه مصروفه اليومي هو كيفية الادخار لما يتبقى معه من أموال حتى يجمع مبلغاً كبيراً حيث أن تلك المهارة البسيطة ستساعد بشكل كبير على انطلاق الأبناء في المستقبل عندما يكبرون بحيث ستكبر تلك المهارة معهم، يمكنك مثلاً عندما يتمنى الطفل شراء لعبة معينة أن تحمسه لادخار ثمنها من مصروفه أو جزء منه بدلاً من أن تدفع له المبلغ بأكمله أو أن توفر حافزاً كبيراً للطفل بقولك له أنه إن كلما ادخر مبلغاً ستدفع له مثله.
توفير الطاقة الإيجابية للابن
مهما حدث ومهما فشل الابن في حياته يتوجب على الآباء توفير الطاقة الإيجابية لهم وتشجيعهم بشكل مستمر على البحث مجدداً وعدم اليأس والتخلي عن أحلامهم، فللأسف الشديد يقع الكثير من الآباء في فخ الإكثار من اللوم والعتاب للأبناء في كل مرة يتعثرون خلالها مما يصيبهم بالإحباط ويفقدهم أي دافع أو عزيمة للبحث عن عمل. كذلك يمكن لمن يرغب في اكتساب معلومات أكثر عن كيفية المساهمة بشكل إيجابي ومؤثر في انطلاق الأبناء أن يتوجه بالسؤال لاختصاصيي التربية وعلماء النفس والاجتماع حيث سيوفرون الكثير من المعلومات الهامة والنصائح المفيدة التي تساعد على دفع الأبناء للأمام بشكل إيجابي وإكسابهم الحماس اللازم لذلك.