كيف تكون لبقاً، الاستجابة بدبلوماسيّة وكياسة

انتهى "أحمد" للتو من عرضٍ تقديمي. ولكن من الواضح أنّه لم يكن مُستعدّاً بشكلٍ جيّد. كان عرضه رديء البحث وسيّء التنظيم. قبل أن يغادر الجميع قاعة المؤتمرات، يسأل أحمد عن ملاحظاتك. فتخبره أنّ عرضه التقديمي كان سيّئاً وغير منظّم، وأنّك كنت تتوقّع منه أفضل من ذلك. تتيح لنا اللّباقة أن نكون صادقين، مع احترام مشاعر الشخص الآخر. حيث يمكننا الحفاظ على العلاقات، وبناء المصداقية، وإظهار الاكتراث عندما نتواصل بلباقة. في هذه المقالة، سنكشف ما هي اللّباقة، ونلقي نظرة على كيفيّة تطوير هذه السِمة الهامّة.

Share your love

قبل أن يغادر الجميع قاعة المؤتمرات، يسأل أحمد عن ملاحظاتك، فتخبره أنّ عرضه التقديمي كان سيّئاً وغير منظّم، وأنّك كنت تتوقّع منه أفضل من ذلك. وممّا لا يثير الدهشة، أنّ أحمد كان مُنزعجاً بشكلٍ واضح، وندمت على الفور على تعليقك. أنت أردت أن تكون صادقاً، ولكّنك لا تريد أيضاً أن تؤذي مشاعره، خاصّةً أمام الآخرين. وبعد شهر، يسلّم أحمد استقالته. علينا جميعاً أن نقدّم معلومات مؤلمة أو حسّاسة في وقتٍ ما من حياتنا المهنية. وعلى الرغم من أنّه من المهمّ أن نقول الحقيقة، إلّا أنّنا بحاجةٍ إلى التفكير في كيفية فعل ذلك. تتيح لنا اللّباقة أن نكون صادقين، مع احترام مشاعر الشخص الآخر. حيث يمكننا الحفاظ على العلاقات، وبناء المصداقية، وإظهار الاكتراث عندما نتواصل بلباقة. في هذه المقالة، سنكشف ما هي اللّباقة، ونلقي نظرة على كيفيّة تطوير هذه السِمة الهامّة.

ما هي اللّباقة؟

إن اللّباقة هي القدرة على قول الحقيقة بطريقة تراعي مشاعر الآخرين وردود فعلهم، إنّها تسمح لك بتقديم ملاحظاتٍ قاسية، والتواصل بمعلوماتٍ حسّاسة، وقول الشيء الصحيح للحفاظ على العلاقة. تشمل اللّباقة العديد من الأشياء، بما في ذلك الاحترام والذكاء العاطفي، والتعقّل، والاكتراث، والوعي الذاتي، والرحمة والبراعة والصدق، والدبلوماسية، والمجاملة.

لماذا تعتبر اللّباقة مُهمّة؟

توفّر القدرة على التّواصل بحساسيّة العديد من الفوائد.

أولاً، تُعتبر اللّباقة مُهمّةً عندما تضطّر إلى نقل أخبارٍ سيّئة أو تقديم ملاحظاتٍ نقدية، سواءً في حالةٍ شخصيّةٍ أو مهنيّة، بالإضافة إلى أنَّ التّواصل بلباقة يعزّز سمعتك ويبني مصداقيّتك ويسمح لك بالحفاظ على العلاقات الحاليّة وبناء علاقاتٍ جديدة. والنهج اللّبق يدّل على نضج الشخصيّة والكفاءة المهنيّة والنزاهة. كما تُظهر اللّباقة الأخلاق الحميدة إذا كنت تستطيع التواصل بكياسةٍ واعتبارٍ للآخر، وبالتّالي ستبرُز من بين الحشد وتتمّ ملاحظتك للأسباب الصحيحة. وهذا يمكن أن يؤدّي إلى فرص عملٍ أفضل.

أخيراً، يمكن أن تساعدك اللّباقة على تجنّب الصراع وإيجاد أرضيّةٍ مشتركة والسماح للآخرين بحفظ كرامتهم. وبالتّالي يمكن أن يكون ذلك رصيداً هامّاً تستند عليه في المفاوضات وفي حلّ الصراعات.

أمثلة على اللباقة:

سنقوم بإيضاح بعض الأمثلة على اللّباقة أدناه:

  • المثال الأوّل: تطلب منك رئيستك في العمل إنجاز بعضٍ من عملها المتراكم، حتّى تتمكّن من المغادرة في وقتٍ مبكّر يوم الجمعة، ولكن جدولك مُمتلئٌ بالمهام وأنت غير متأكّدٍ من إنجاز كلّ شيءٍ في الوقت المحدّد. قد يكون الردُّ اللّبق، “شكراً لك على ثقتك بي ببعضٍ من مسؤوليّاتك. ولكن أنا آسف لأنّني لا أستطيع مساعدتك هذه المرّة بسبب تراكم العمل لديّ. هل هناك أيّ شيءٍ يمكنني مساعدتك به الأسبوع المقبل، عندما يكون لديّ مزيدٌ من الوقت؟”.
  • المثال الثاني: تتأخّر أحد أعضاء فريقك بشكلٍ مستمرٍّ عن العمل وهذا يؤثّر على أدائها. أنت ترغب -بعد تفويتها تسليم موعدٍ نهائيٍّ آخر- باستدعائها لاجتماع الفريق، على الرغم من أنّ هذا قد يجعلك تشعر بتحسّنٍ على المدى القصير، لكنّه نهجٌ غير حسّاس – والأكثر لباقةً سيكون التحدّث معها على انفرادٍ حول تأخّرها. يمكنك أن تبدأ بنهجٍ لطيف. على سبيل المثال: “لاحظتُ أنّك تواجهين مشكلةً في الوصول للعمل في الوقت المحدّد. ماذا يمكنني أن أفعل للمساعدة؟”، كما ترون، تعكس اللّباقة الحساسيّة العاطفيّة وتزيد من احتمالية الحصول على نتيجةٍ إيجابيّة.

تطوير اللّباقة:

استخدم الاستراتيجيات أدناه للتواصل مع الآخرين بلباقة:

1. أنشِئ البيئة المناسبة وفكّر قبل أن تتحدّث:

كم مرّةً تحدثّت بتسرُّعٍ ومن ثم ندمت على ذلك؟ أولاً، مارس الاستماع الفعّال عندما يتكلّم الآخرون. ثم استخدم التعاطف والذكاء العاطفي للتواصل مع الناس، ورؤية الأشياء من وجهة نظرهم. أخيراً، اعمل على بناء الثقة حتى يعلم الناس أنّ نواياك صادقة وعطوفة.

2. تحديد الوقت المناسب:

لقد اكتشفت زميلتك للتوّ أنّها ستُسرّح من عملها في نهاية العام، بينما أخبرك رئيسك للتوّ أنّه تمّت ترقيتك، هل سيكون الآن هو الوقت المناسب للحديث معها عن أخبارك الجيّدة؟ بالطبع لا! اللّباقة تعني قول الشيء الصحيح في الوقت المناسب، انظر في الموقف الخاص بك قبل أن تتكلّم وكُن حذراً. تأكّد من أن تبقى واعياً بمن أنت معه -وأين- قبل أن تتحدّث.

3. اختر كلماتك بعناية:

يمكن أن يؤثّر اختيارك للكلمات على تلقّي الآخرين لرسالتك، تجنّب بدء الجمل بكلمة “أنت”، على سبيل المثال: “أنت بحاجة للقيام بعملٍ أفضل في المرّة القادمة”، سيجعل هذا الشخص الآخر دفاعيّاً. بدلاً من ذلك، فكّر في استخدام لغةٍ أكثر ليونةً وغير مباشرة مثل: “أعتقد أنَّ العرض التقديمي سيكون أقوى في المرّة القادمة، إذا قضيت وقتاً أطول في البحث”.

من المهمّ بشكلٍ خاص استخدام عبارات “أنا” أثناء الصراع، أو عند تقديم النقد البنّاء. عندما تفعل هذا، فأنت تتولّى ملكيّة مشاعرك بدلاً من إلقاء اللوم. على سبيل المثال، قل: “أرى ذلك بطريقة مختلفة”، أو: “لقد اضطررت إلى المرور على هذا القسم عدّة مرات قبل أن أفهم رسالتك”. يمكنك أيضا استخدام “التخفيف”، عندما لا توافق مع شخصٍ ما. على سبيل المثال، يمكنك تخفيف الرسالة التالية: “أنت مخطئ، لقد حقّق فريقنا أداءً جيّداً في الربع السنوي الأخير”، واستبدالها بقول: “أقدّر رأيك، لكنّ فريقنا أحسن العمل في الربع السنوي الأخير”.

عندما تكون في محادثةٍ متوتّرة أيضاً، كن مُوجِزاً. من المغري مواصلة التحدّث عندما تشعر بعدم الارتياح، مما يزيد من فرصتك بقول الكثير أو قول شيءٍ ستندم عليه. كُن صادقاً وحازماً وقل فقط ما تحتاج إلى قوله.

4. راقِب لغة جسدك:

أخبرتك رئيستك للتوّ أنّ أرقام مبيعاتك جيّدة، ولكن بينما تتحدّث، تتجنّب النظر إليك وتطوي ذراعيها أمام صدرها. وبرغم من أنّ كلماتها حياديّة، فلغة جسدها تجعلك تُشكّك في رسالتها.

عندما تكون لبقاً، تتطابق لغة جسدك مع رسالتك وتبدو مُنفتحاً عند التّواصل، حتّى لو كنت تُقدم أخباراً سيّئة. على سبيل المثال، قم بالتّواصل البصري، ولا تقاطع ذراعيك أو ساقيك، ولا تشِر بإصبعك، وتمرن على الوضعيات الجيّدة. تعبّر لغة الجسد المُنفتحة ونبرة الصوت المهذّبة في تواصلك عن أنّك صادقٌ وراغبٌ في العمل مع الآخر.

5. لا تقُم بردِّ فعلٍ عاطفيٍّ:

من الصعب التّواصل بلباقة عندما تشعر بالغضب أو الانزعاج، أعطِ نفسك الوقت لتهدأ قبل الرد. وتعلّم كيف تتحكّم في عواطفك في العمل. لتهدئ من حالة التوتر، خذ استراحةً منها واذهب لتمشي قليلاً، أو استخدم تقنيات التنفس العميق لاستعادة رباطة جأشك. من المهم أيضاً فهم الأشخاص أو الكلمات أو المشكلات أو المواقف التي يمكنها أن تسبّب لك عدم التّواصل بلباقة.

تذكّر آخر مرّة فقدت فيها أعصابك أو قلت شيئاً ما ندمت عليه لاحقاً. لماذا تصرّفت بهذه الطريقة؟ ما الذي تسبّب لك في فقدان السيطرة؟ عندما تفهم المحرّضات الخاصة بك، ستتمكّن من التحكّم بشكلٍ أفضل بالعواطف أو تجنّبها في المستقبل.

أمثلة شائعة عن اللباقة:

فيما يلي بعض المواقف الشائعة التي يمكن أن تُحدث فيها اللّباقة فرقاً بين تجربة إيجابيّة وأخرى سلبيّة.

1. الاستغناء عن أعضاء الفريق:

ليس من السهل أبداً الطلب من الناس أن يتركوا عملهم، هذه المواقف غالباً ما تكون عاطفيّة ومتوتّرة، وهذا هو السبب في أنَّ اللّباقة في هذه المواقف مُهمّة. ابدأ بشرح ما يحدث بوضوح. قد تكون رسالةً صعبةً وغير سارّة لإيصالها، لكّنك مدينٌ لعضو فريقك أن تكون صادقاً معه. إذا سمحت للمشاعر بإملاء طريقة إيصال رسالتك، فإنّك تخاطر بتجميل الحقائق وعدم إيضاح وجهة نظرك. بعد ذلك، اشرح السبب وراء اتّخاذ قرارك وقدّم الدعم العاطفي. من المهمّ أن تكون صادقاً في هذا الموقف، ولكن يمكنك أيضاً أن تكون لطيفاً وداعماً.

2. تقديم التغذية الراجعة أو النقد:

قد يكون من الصعب تقديم ملاحظاتٍ على عمل أحدهم، خاصّةً عندما تكون ملاحظاتٍ سلبيّة، المفتاح لتقديم ملاحظاتٍ فعّالة هو تقديمها بشكلٍ متكرّرٍ وبلباقة. النهج الجيّد يكون بتضمين الملاحظات البنّاءة بين تعليقاتٍ إيجابية. عندما تبدأ بتعليقٍ إيجابي، فإنّ هذا يساعد الشخص على الاسترخاء، ويذكّره أنّه يقوم بعملٍ جيّدٍ. وعندما تُنهي حديثك بآخر إيجابي، لا يذهب الناس بعدها وهم يشعرون بالضيق. لكن تجنّب إدخال الملاحظات البنّاءة بين الكثير من الإيجابيات، وإلا قد يفهم الناس الرسالة بشكلٍ خاطئ. تجنّب أيضاً استخدام هذا النهج كثيراً، حتى لا تدفع الناس إلى عدم الثقة بملاحظاتك الإيجابية.

3. رفض دعوة:

إذا رفضت دعوةً بقولك كلمة “لا”، فقد ينظر بعض الأشخاص إليك كمُتشدّدٍ أو غير حسّاس، ابدأ رفضك بتعليقٍ إيجابيّ: “شكراً لتفكيرك بي. أنا متأكّدٌ من أنّه سيكون حدثاً رائعاً”، بعد ذلك، ارفض بلباقة: “أنا آسف لأنّني لا أستطيع الحضور”، ثمّ أنهِ حيثك بنبرةٍ إيجابيّة: “آمل أن يكون جدول أعمالي أقلّ اكتظاظاً في المرّة القادمة. ويمكننا أن نلتقي بعد ذلك”.

4. عدم الثرثرة:

يُعرف زميلك باسم ثرثار المكتب، وهو ينشر الشائعات عن زميلةٍ له عندما كُنْتَ حاضراً في الغرفة، يمكنك تحويل الحديث بلباقةٍ والابتعاد عن الثرثرة بعدّة طرق. على سبيل المثال، قل شيئاً إيجابيّاً: “ربّما تعاني سوسن مشكلةً مع تضائل أرقام مبيعاتها، لكّنها عاملةٌ مُجدّةٌ على كلّ حال”، أو اطلب منهم التوقّف بكلّ بساطة: “لا أريد التحدّث حول هذا الموضوع، خاصّةً أنّنا لا نعرف الحقائق. دعنا نناقش الاندماج المُقبل بدلاً من ذلك”، يمكنك أيضاً القول: “أنا لا أريد التحدّث عن الأشخاص من بغيابهم ومن وراء ظهورهم”، أو يمكنك القول: “دعنا نتحدّث عن هذا عندما تكون سوسن هنا، وهكذا يمكنها معالجة هذه القضايا”.

تحتوي مقالتنا بعنوان: “5 طرق لمواجهة النميمة في مكان العمل” على المزيد من النصائح لإدارة ومنع الثرثرة والنميمة في أماكن العمل.

5. التعامل مع الخلافات:

اللّباقة مفيدةٌ بشكلٍ خاص في حلّ النزاعات لأنّها يمكن أن تخفّف التوتّر، وتُبعد اللوم، وتسمح لكلا الجانبين بحفظ ماء وجهه. على سبيل المثال، تخيّل أنّك وزميلتك قد تجادلتما حول من سيحصل على إدارة مشروع الفريق القادم. وكانت زميلتك قد قامت بإدارة المشروعين الأخيرين، وتريد هي قيادة هذا المشروع لأنّه يناسب خبرتها. قبل أن تُصرَّ على أن تتولّى أنت هذا المشروع، فكّر في موقفها. هي أدارت المشاريع السابقة ببراعةٍ واحتراف. وهذا المشروع أيضاً مناسبٌ تماماً لها وقد تعاني أنت في العمل عليه لأنّك لا تملك خبرتها. سيكون الردُّ اللّبق على هذا الصراع هو: “أنتِ على حق. يجب عليك إدارة هذا المشروع لأنّه يناسب مهاراتك. وأنا أحتاج إلى ممارسة بعض الدور القيادي في الفريق أيضاً، فما رأيك أن أساعدك في ذلك، ثم أقود بعد ذلك المشروع القادم؟”.

6. القيام بعروضٍ تقديمية:

طلب منك رئيسك تقديم عرضٍ تقديميّ لمجموعةٍ من مهنيّي الصناعة. ينخرط الجميع بالعرض باستثناء أحد الحضور، والتي تبدو ضائعة، إنّها جديدةٌ بالنسبة لدورها، وتعتقد أنّها لا تشعر بالثقة لطرح الأسئلة لأنّها لا تريد أن تفقد ماء وجهها.

لتكون أكثر لباقةً أثناء العروض التقديمية لا تستخدم اللغة الاصطلاحية أو الكلمات الطويلة فقد تُربك جمهورك. اشرح الأفكار المعقّدة بوضوح، حتّى لا يكون على الناس طلب التوضيح. وعندما يكون الوقت مناسباً، انقد نفسك بطريقةٍ فكاهيّة حتى تجعل الناس يشعرون بالراحة. وخصّص وفرةً من الوقت للأسئلة حتى يتمكّن الجميع من المغادرة وفي حوزتهم كلّ المعلومات التي يحتاجونها.

 

المصدر موقع “مايند تولز”

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!