بقدر ما يكون من الصعب على الآباء كسب ثقة ذويهم بقدر ما يكون الحصول على ثقة الوالدين أمراً أصعب بكثير؛ حيث أن الكثير من الآباء أصبحوا – نتيجة لما نعيشه من حولنا في تلك الأيام – يبالغون في الحيطة والحذر من كل ما يصدر من أبنائهم سواء من أقوال أو أفعال خوفاً من أن ينخدعوا ويعطونهم قدراً من الثقة لا يستحقونه. وبالتالي فيواجه الأبناء ولاسيما المراهقين منهم صعوبات شاقة في كسب ثقة الوالدين وإقناعهم بالاطمئنان لهم وهو ما يترتب عليه إتاحة مساحة من الحرية والتي يحتاجها المراهق في مراحله العمرية المبكرة كي يكتشف العالم من حوله بنفسه.
عدم ثقة الآباء بالأبناء
من أهم الأسباب التي تصعب على الأبناء كسب ثقة الوالدين فيهم هو تكون انطباع مسبق لدى الوالدين بأن الابن أو الابنة يكذب عليهم أو يخفي أسراراً هامة عنهم طوال الوقت وبالتالي فعليهم ألا ينخدعوا بما يقوله أو يظهره من تصرفات أمامه وهو ما يترتب عليه تباعاً غياب الثقة الكاملة فيهم. وبالرغم من أن المسألة متبادلة وهنالك ثقة والد في ابنه وثقة الابن في والده إلا أن الوالدين في الكثير من الأحيان يقعان في خطأ فادح وهو إهمال فكرة كسب ثقة أبنائهم مسلمين بتواجدها من البداية أو غير مكترثين بأهميتها من الأساس.
ومن أهم ما يسبب غياب ثقة الوالدين في أبنائهم هو العصر المنفتح الذي نعيشه في تلك الأيام والذي يقوم بنقل الحدث بالصوت والصورة من مختلف بقاع العالم؛ وبالتالي فكم الأفعال السرية التي يقوم بها الأبناء بالأخص في عمر المراهقة لم تعد سرية بعد الآن بل أصبحت ظواهر حتمية في كافة المجتمعات وتناقشها وسائل الإعلام علناً وبالتالي يفترض الأب أو الأم أن ذويهم سيسلكون نفس النهج لذا تنعدم الثقة. أيضاً تؤثر جميع التغيرات الفسيولوجية التي يمر بها الطفل عند بلوغه سن المراهقة حيث يتحول الابن أو الابنة من طفل صغير مطيع ومحبوب إلى ما هو أقرب للشاب يتصف بالتمرد والرغبة المستمرة في العصيان بما يجعل والديه يشكون في كافة تصرفاته.
بالنظر إلى الطريقة التي قام بها الوالدين بتربية أبنائهم منذ الصغر فإنها لا تؤثر بشكل كبير على مقدار ثقتهم بالأبناء عند بلوغ سن المراهقة؛ فمهما تربى الأطفال على الصدق والصراحة وعدم الكذب على والديهم دائماً ما تجبرهم تغيرات تلك المرحلة الحرجة على إخفاء بعض الأمور ولو كانت صغيرة. لكن ما هو مؤكد ومثبت بالأدلة العملية هو أن تربية الأطفال على الخوف والرهبة طوال الوقت من العقاب بدلاً من اتباع أسلوب الثواب والعقاب في نفس الوقت يؤدي بهم فيما بعد إلى إخفاء الكثير من الأشياء عن والديهم بما يلغي ثقة الوالدين بشكل كامل.
وعند تقسيم مسئولية ثقة الوالدين فيما بين الآباء والأبناء نجد أنها تنقسم مناصفة فيما بينهم؛ أي أن الآباء يقع عليهم مسئولية التقرب إلى أبنائهم وتكوين صداقات معهم ومشاركة بعض الأسرار الصغيرة والتعود على الصراحة الدائمة مع أبنائهم كي يحصلوا هم في المقابل على المثل. وأما فيما يخص الأبناء فهم مسئولون تباعاً عن تجنب إخفاء الأسرار قدر الإمكان حتى وإن كان إخبار الوالدين بها سيؤدي بهم إلى العقاب إلا أنه سيضمن لهم كسب ثقة الوالدين فيهم بمرور الوقت.
الحرص الزائد على الأبناء
بمرور الابن أو الابنة خلال طور المراهقة يبدأ في التفكير في أمور مختلفة وأحلام جديدة عليه على رأسها الاستقلال في القرار وتكوين حياة منفصلة خاصة به حتى وإن كان مضطراً إلى العيش في نفس المنزل مع والديه وللأسف الشديد لا يتمكن الكثير من الآباء من تفهم مثل تلك الأفكار ويعتبرونها نوعاً من التمرد الذي يجب أن يقاومونه بكافة السبل الممكنة. وهذا الحرص الزائد على الأبناء لن يدفع بهم إلا في طريقين كلاهما أسوأ من الآخر: الطريق الأول هو أن ينطوي الأبناء ويفقدون القدرة على اتخاذ أهم القرارات المصيرية الخاصة بحياتهم وهو ما لا يكون بالأمر الهام في المراحل العمرية المبكرة إلا أنه بمرور الوقت يتحول ذلك إلى مشكلة عويصة للغاية خاصة عندما يكون هذا الابن مسئولاً عن أسرة كاملة بمفرده. أما الطريق الثاني فهو أن يزيد تمرد الابن وعصيانه لقرارات ونظام والديه بما يخلق حالة من الاحتكاك والتشاحن بين الابن ووالديه بشكل مستمر يستحيل معه كسب ثقة الوالدين إطلاقاً؛ لذلك يتعين على الآباء تجنب الحرص الزائد على الأبناء وتوفير مساحة ما من الحرية والاستقلال لهم والتي تتناسب طردياً مع عمرهم ومع مقدار إنجازاتهم الشخصية بينما يتعين على الأبناء أن يتعاملوا مع هذا الحرص الزائد برفق ويتجنبون الدخول في مشاحنات ومصادمات كي لا تزيد الوضع سوءاً.
علاج الخوف على الأبناء
بالرغم من أن الكثير من الآباء يعتبرون الخوف على الأبناء غريزة فطرية تميز الأب أو الأم عن أي شخص عادي له علاقة بأبنائهم إلا أن الخوف الزائد على الأبناء خاصة مع تقدم عمرهم يعتبر نوع من المرض نتيجة للتعاطف المبالغ به أو للرغبة المستميتة في السيطرة على الأبناء وعدم إفلاتهم من القبضة الأبوية خشية أن تفسدهم الحياة. وللخوف الزائد علامات معينة تتجلى من خلال تدخل الأبوين في تصرفات أبنائهم بشكل دائم وعدم توفر أي قدر من الحرية أو القدرة على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم سواء القرارات الصغيرة كالملابس أو وجهات التنزه أو حتى القرارات الكبيرة الهامة كالدراسة والعمل واختيار الأصدقاء. ومثله مثل الأسباب السابقة تنشطر مسئولية التعامل معه وحله بين الآباء والأبناء على حد سواء؛ فالآباء يجب عليهم تقدير تغير متطلبات وأفكار أبنائهم وأنه هناك فارق بين الأبوة وبين الاستقلال فالأبناء لهم الحق الكامل في اختيار طريق حياتهم في حين لا تؤثر اختياراتهم – مهما كانت مختلفة عن رغبة الوالدين – في مشاعر الأبوة وواجباتهم تجاه أبنائهم بينما يتعين على الأبناء أن يقدروا مدى رغبة الأبوين في حصول أبنائهم على أفضل ما يمكن في حياتهم وأن كل ما ينبع من خوفهم هو في الأصل رغبة لمنفعتهم ليس إلا.
كسب ثقة الوالدين بعد وقوع خطأ ما
من أصعب المراحل التي يحاول فيها الابن كسب ثقة الوالدين هي بعدما يقوم بخطأ ما سواء عن عمد أو عن غير عمد خاصة وإن كان هذا الخطأ فادحاً حيث تهتز بعد ثقة الوالدين في نجلهما لما بدر منه. وبالتالي يتعين على الابن أولاً الاعتذار لوالديه عما فعله ومحاولة إصلاح الضرر الناجم عن هذا الخطر قدر الإمكان وبعد ذلك سيستغرق الأمر فترة من الوقت حتى يتمكن الابن من استعادة ثقة والديه به حيث سيمر بمراحل متكررة من الاختبارات التي تقيس مدى صدقه وصراحته والتي ستختلف مدتها تبعاً لحجم الخطأ الذي ارتكبه الابن. أخيراً لن يحصل الابن على ثقة والديه به إلا بعدم تكرار هذا الخطأ مرة أخرى وإلا سيتكون انطباع لدى والديه بأن الاعتذار الذي بدر منه في المرة السابقة كان مجرد قول شفهي لا أكثر.