كيف تنشأ الأفكار المبتكرة؟

عندما تتعامل مع مشكلةٍ معقدة، فمن الأفضل عادةً البناء على ما هو موجود بالفعل؛ فقد اجتازت أيُّ فكرةٍ ناجحةٍ حالياً، الكثير من الاختبارات، فالأفكار القديمة سلاحٌ سري؛ لأنَّها تمكنَّت بالفعل من البقاء في عالمٍ معقَّد. سنتحدث في هذه المقالة عن سبب نجاح الأفكار المبتكرة، وكيف تنجح هذه الأفكار؟

Share your love

افترض توماس أنَّ آلة تحميص الخبز تلكَ ستكون آلةً بسيطةً نسبياً؛ ولكنَّه وجد أكثر من 400 مُكوِّنٍ على أرضيَّته عندما أنهى تفكيكها، حيث احتوت على أكثر من 100 مادةٍ مختلفةٍ مع ثلاث مواد أساسية، وهي: البلاستيك والنيكل والفولاذ.

لذا قرَّر تركيب المكوِّنات الصلبة أولاً، واتصل بمنجم للحديد في منطقته بعد اكتشافه أنَّ فلزات الحديد كانت مطلوبةً لتصنيع الفولاذ، وسأل إذا كانوا يسمحون له باستخدام بعضها في مشروعه. وما أثار الدهشة أنَّهم وافقوا.

مشروع آلة تحميص الخبز:

مشروع آلة تحميص الخبز

كان نصر توماس قصير الأجل، فعندما حان وقت صناعة العلبة البلاستيكية لآلة تحميص الخبز، أدرك توماس بأنَّه سيحتاج إلى النفط الخام لصنع البلاستيك، وقد اتصل هذه المرة بشركة “بريتيش بتروليوم” (BP) وسألهم إذا كانوا سيسمحون له بالسفر إلى حقل النفط، وبأن يقترض بعض النفط لمشروعه؛ لكنَّهم رفضوا على الفور (يبدو أنَّ شركات النفط ليست سخيةً بقدر مناجم الحديد!).

اضطر توماس أن يقبل بجميع المخلَّفات البلاستيكية، ومن ثمَّ صَهرِها وتشكيلها بما يتناسب وآلة تحميص الخبز خاصته، ولم يكن هذا بالسهولة التي يبدو عليها، حيث انتهى المطاف بالآلة المحلية الصنع لتبدو وكأنَّها كعكةٌ ذائبةٌ أكثر ممَّا هي جهازٌ مطبخي.

استمرت النتائج على هذا المنوال طوال فترة مشروعه، وكان من المستحيل تقريباً المضي قُدماً دون الاستعانة بعمليةٍ سابقة.

لقد كان عليه لإنشاء مكونات النيكل -على سبيل المثال- أن يلجأ إلى صهر العملات القديمة، وقد قال لاحقاً: “لقد أدركت أنَّك إذا بدأت من الصفر تماماً، فيمكنك أن تستهلك حياةً بأكملها لتصنع آلةً لتحميص الخبز”.

لا تبدأ من الصفر:

عادةً ما يكون البدء من نقطة الصفر فكرةً سيئة.

نفترض أحياناً أنَّ الأفكار المبتكرة والتغييرات الهادفة تتطلَّب لوحةً فارغة، وعندما تفشل المشاريع التجارية، نقول أشياء مثل: “دعونا نعود الى لوحة الرسم”؛ وعندما نفكِّر في عاداتٍ نودُّ تغييرها، نفكِّر قائلين: “أنا فقط بحاجةٍ إلى بدايةٍ جديدة”.

نادراً ما يكون التقدُّم الإبداعي نتيجةً لضرب الأفكار والابتكارات السابقة عرض الحائط، وإعادة تخيُّل العالم بالكامل.

تأمَّل مثالاً من الطبيعة:

يعتقد بعض الخبراء أنَّ ريش الطيور قد تطوَّر من قشور الزواحف، وبسبب قوى التطوُّر أصبحت القشور تدريجياً ريشاً صغيراً، الذي استُخدِم من أجل الدفء والعزل في البداية؛ ثمَّ تطوَّر هذا الزغب الصغير ليصبح ريشاً أكبر، ويصبح الطائر قادراً على الطيران.

لم تكن هناك لحظةٌ سحريةٌ عندما قالت مملكة الحيوان: “لنبدأ من الصفر، ولنصنع حيواناً يمكنه الطيران”؛ بل كان تطوُّر الطيور الطائرة عمليةً تدريجيةً من تكرار وتوسيع الأفكار التي نجحت بالفعل.

اتبعت رحلة طيران الإنسان مساراً مشابهاً، وعادةً ما نُشيد بالأخوين “أورفيل وويلبور رايت” (Orville and Wilbur Wright) على أنَّهما مُخترِعَي رحلة الطيران الحديثة؛ ومع ذلك، نادراً ما نتكلَّم عن روَّاد الطيران الذين سبقوهم، مثل: “أوتو ليلينثال” (Otto Lilienthal)، و”ساموئيل لانغلي” (Samuel Langley)، و”أوكتاف تشانوت” (Octave Chanute)؛ حيث تعلَّم الأخوان “رايت” وبنوا على عمل هؤلاء الناس خلال سعيهم إلى إنشاء أوّل آلةٍ تطير في العالم.

غالباً ما تكون أكثر الابتكارات إبداعاً عبارةً عن تركيباتٍ جديدةٍ لأفكار قديمة، إذ لا يتوصَّل المفكِّرون المبتكرون، بل يبنون على أعمال من سبقهم؛ علاوة على ذلك، فإنَّ الطريقة الأكثر فعاليةً لصنع التقدُّم عادةً ما تكون من خلال صنع تحسيناتٍ نسبيةً لما سبق عمله بالفعل، بدلاً من هدم النظام بأكمله والبدء من جديد.

كرِّر، لا تُنشئ:

مشروع آلة تحميص الخبز مثالٌ لكيفية فشلنا في ملاحظة تعقيد عالمنا الحديث؛ فعندما تشتري آلة تحميص خبز، لا تفكِّر في كلِّ شيءٍ يجب أن يحدث قبل عرضها في المتجر؛ فأنت لست على علمٍ بأنَّ الحديد استُخرِجَ من منجم، أو أنَّ النفط استُخرِج من الأرض.

نحن في الغالب لا نرى الترابط الملحوظ بين الأشياء، ونميل إلى التركيز على المنتج النهائي، ونُخفق في معرفة المراحل الكثيرة التي تؤدِّي إليها؛ لكن من الهامِّ أن نفهم هذا؛ لأنَّه من الصعب معرفة القوى التي تعمل معك، أو التي تعمل ضدك في عالمٍ معقد.

عندما تتعامل مع مشكلةٍ معقدة، فمن الأفضل عادةً البناء على ما هو موجود بالفعل؛ فقد اجتازت أيُّ فكرةٍ ناجحةٍ حالياً، الكثير من الاختبارات، فالأفكار القديمة سلاحٌ سري؛ لأنَّها تمكنَّت بالفعل من البقاء في عالمٍ معقَّد.

لذا ابنِ على عملِ غيرك، ولا تبدأ من الصفر.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!