كيف تنهي اعتمادك على الآخرين؟

اتخذت قراراً قبل شهرين بأن أنهي اعتمادي ماديَّاً على أمي. لقد كان في حسابي المصرفي 84 سنتاً، ولم يكن عندي مكانٌ أعيش فيه، ومصدر دخلي الوحيد كان من عملٍ بدوامٍ جزئي وبعض المشاريع الحرة. لقد كانت تجربةً مهينة ودرساً أتمنى ألَّا أضطر إلى إعادته لكنَّني عَرَفْت الكثير عن نفسي وعَرَفْتُ ماذا أستطيع أن أفعل حقاً حينما أسعى إلى أن أكون شخصاً مستقلاً.

Share your love

ملاحظة: هذا المقال مترجم للكاتبة آلانا امبانزا.

على الرغم من أنَّ التوقيت كان محرجاً قليلاً إلَّا أنَّ القرار كان ضرورياً، إذ إنَّني كنت في أشد الحاجة إلى الخروج من دائرة ذلك الحدث الذي يتكرر دائماً، فيبدأ بالخروج من المنزل وينتهي بالعودة إليه منكسراً ودون مالٍ يُذكَر. وفي كل مرةٍ أعود إلى المنزل كانت والدتي تعرض عليَّ سداد فواتيري، وكنت أنا أقبل على الرغم من أنَّ كلِينا كنا مستائَيْن من ذلك ضمنياً.

أدركت أنَّني لم أكن أبلغ أقصى إمكاناتي لأنَّني لم أكن مضطراً إلى ذلك، فلم أستمر في أي عمل لأنَّني كنت أعلم أنَّ والدتي موجودة دائماً بقربي لتنجدني إذا أخفقت، وحينما كانت تصبح الأمور صعبةً، أو مملةً، أو رتيبةً للغاية كنت أترك العمل. لم أكن أستغل والدتي فقط، بل كنت أدمر فرصتي في النمو والتطور الشخصي.

لقد كان الاستقلال ماليَّاً عن أمي يعني عدم قبول المساعدات التي تعرضها عليَّ، والسعي إلى العمل في مجال الكتابة لأحصل من خلاله على دخلٍ إضافي. لقد كنت أقطع ثلاثة أميالٍ أو أربعاً مشياً على الأقدام وأنا ذاهبٌ إلى العمل أو عائدٌ منه لأوفر تكاليف المحروقات والانتقال بين وسائل النقل المختلفة.

لقد نمت في منزل أحد الأشخاص في غرفة المعيشة على أريكةٍ مزعجةٍ جداً، وفي بعض الأحيان كانت تمضي عدة أيام دون أن أتناول الطعام منتظراً أن يصلني الراتب.

لقد كانت تجربةً مهينة ودرساً أتمنى ألَّا أضطر إلى إعادته، لكنَّني عَرَفْت الكثير عن نفسي وعَرَفْتُ ماذا أستطيع أن أفعل حقاً حينما أسعى إلى أن أكون شخصاً مستقلاً.

الاستعداد للاستقلال:

تُعَدُّ العلاقة بين الطفل وأبويه، وبين الزوجين، وبين الصديقين أمثلةً عن العلاقات العديدة التي قد يحتاج أحد الطرفين فيها أو كلاهما إلى الاستقلال.

وعلى الرغم من أنَّ لكل علاقةٍ مستوىً خاصَّاً بها من التعقيد، إلَّا أنَّني تعلمت أنَّ ثمَّة ثلاث خطوات عامة يمكن اتباعها للحصول على الاستقلال هي: الإعلان، والانفصال، وإعادة الاتصال.

1. الإعلان:

الخطوة الأولى في العملية هي إعلان الاستقلال، هذه المرحلة هي بمنزلة قطع حبل العلاقة الذي يربطك بالطرف الآخر، حيث تفصح فيها عن نيتك في الاستقلال عنه. قد يُقابَل هذا الإعلان بالارتباك، والغضب، والحزن، وبمجموعةٍ متنوعة من ردود الفعل والعواطف الأخرى. إليك بعض الأشياء التي يجب عليك أن تتذكرها حينما تُعلِن عن استقلالك:

  • أرسل رسالتك بثقةٍ وحزم.
  • حافظ على الاختصار في الرسالة والتزم بالموضوع.
  • استخدم الضمير “أنا” في عباراتك لتُعبِّر عن أنَّ قرارك لا يتعلّق بالطرف الآخر بل يتعلّق بك.
  • لا تشعر أنَّك في حاجةٍ إلى تبرير قرارك أو الاعتذار عنه.
  • لا تتحمل أنت مسؤولية ردة فعل الطرف الآخر.

يمكن أن يكون المحتوى الفعلي للرسالة بسيطاً نسبياً، ألقِ نظرةً على هذا المثال:

“أنا أسعى إلى القيام ببعض التغييرات الإيجابية في حياتي، على الرغم من أنَّ القيام بها قد لا يكون هيِّناً. أنا أحاول أن أتحمل مسؤولية نفسي ومسؤولية حياتي بشكلٍ أكبر، وأريد أن أكون أكثر استقلالاً وأكتشف من أكون، لقد كنت أعتمد عليك في (اكتب معلوماتٍ مفصلة) وأنا أحتاج إلى التوقف عن الاعتماد عليك، وأن أبدأ بالاعتماد على نفسي اعتماداً كاملاً. إنَّ القرار الذي اتخذته لا علاقة لك أنت به لكنَّه يتعلق بي وبحياتي، لذلك سيكون التواصل بيننا أقل فترةً من الزمن”.

سيطلب منك الطرف الآخر على الأرجح تحديد إطارٍ زمني، فقل له ببساطة أنَّ هذه العملية ستستغرق الفترة الزمنية الضرورية للحصول على الاستقلال واكتشاف الذات.

2. الانفصال:

الانفصال يعني أن تضع حدوداً واضحة بينك وبين الطرف الآخر، قد تكون هذه الحدود حدوداً إمَّا بدنيةً، وإما جنسيةً، وإما ماليةً، وإما عاطفية، الأمر يعتمد على طبيعة العلاقة.

إذا كان الانفصال الجسدي غير ممكن، قلل كمية الوقت الذي تقضيه في الحديث مع هذا الشخص أو التفاعل معه، وركز الاهتمام على رسم حدود عاطفية سليمة بينكما والالتزام بها.

الغاية من الانفصال في النهاية هي أن ترى نفسك بوضوحٍ أكبر، وأن تكتشف ما هو ضروريٌّ للحفاظ على سلامتك. دع صوت الذات يعلو داخلك ويحل محل الفراغ الذي تركه الطرف الآخر، حيث ستبدأ تختفي مصادر تشتيت الانتباه التي كان يوماً سببها احتياجات الطرف الآخر، وآراؤه، وأفكاره، ومشاعره، وستكون في النهاية قادراً على تمييز الأشياء الحقيقية، والواقعية، والصادقة بالنسبة إليك.

ستعي الاحتياجات التي كان يُلبيها في يومٍ من الأيام اعتمادك على الطرف الآخر، وستكتشف طرائق لتلبية تلك الاحتياجات بنفسك، وربما كنت تعتمد على ذلك الشخص في تحفيزك، أو تخفيف الألم عنك، أو إبعادك عن المشكلات، أو جعلك تشعر بالحب فماذا تفعل إذا لم يَعُدْ هذا الشخص يؤدي ذاك الدور في حياتك؟

تعلَّم أن تتحمل مسؤولية تحفيز نفسك، وتخفيف الألم عنها، وجعلها تشعر بالحب، ويمكنك أن تبدأ أيضاً بحل المشكلات التي كنت تتجنبها وتتجاهل في الماضي. سيتيح لك الانفصال الشعور بالاستقلال واستعادة السيطرة على خياراتك، وسلوكاتك، ومعتقداتك، والتحكُّم بالآثار العاطفية التي تتركها خلفك.

ومن عجيب المفارقات أنَّه كلما تحملت مزيداً من المسؤولية امتلكت حريةً أكبر، حرية التصرف على طبيعتك وأن تحيا حياةً هادفة.

ربما تسأل: “كم يجب أن تمتد فترة الانفصال؟”.

يعتمد هذا على الظروف وعلى طبيعة العلاقة بينك وبين الطرف الآخر، بيد أنَّ مدة الانفصال يجب أن تكون طويلةً بما يكفي لتحديد احتياجاتك، وآراءك، وأفكارك، ودوافعك بشكلٍ مستقل وفهمها.

بالنسبة إلى البعض قد يحتاج هذا إلى أيامٍ، أو أسابيع، أو سنين، أو حتى عقود، وقد يقرر آخرون خلال فترة الانفصال أنَّ إعادة التواصل ليس خياراً صحياً بعد مهما كانت المدة التي انقضت.

تستطيع إجراء هذا الاختبار البسيط: اسأل نفسك بماذا تشعر حينما تفكر في هذا الشخص أو تتواصل معه؟ إذا كانت المشاعر التي لا تزال تسيطر عليك مشاعر سلبيةً غالباً أو مُربِكة قد لا تكون مستعداً بعد لإعادة التواصل.

وإذا لم يكن من الممكن التواصل مع الطرف الآخر دون أن تخسر نفسك، فكّر إذا ما كان هذا الشخص يستحق مكاناً في حياتك.

3. إعادة التواصل حينما تكون مستعداً لذلك:

المرحلة الأخيرة هي مرحلة إعادة التواصل التي تتضمن إبرام اتفاقاتٍ جديدة وإعادة التفاوض بشكلٍ واضح حول دور كل طرف في حياة الآخر.

ابحث عن إجابات هذه الأسئلة:

  • ما السلوكات المقبولة وغير المقبولة؟
  • ما الأمور التي يتوقعها كل طرفٍ من الآخر؟
  • ما العواقب التي ستترتب على عدم احترام الاتفاقات؟

إنَّ الحديث عن العواقب لا يُعَدُّ محاولةً للسيطرة على الطرف الآخر أو التلاعب به، بل إنَّ المسألة تتعلق بتحديد الأشياء المفيدة للعلاقة والأشياء غير المفيدة لها. وبعد تحديد هذه التوقعات يكون لدى الشخاص الآخر إمكانية الموافقة أو عدم الموافقة عليها. تحتاج هذه العملية إلى أن تكون صادقاً تماماً وأن تتصرف بنزاهة، فإذا كان ثمَّة أمرٌ ما لا يسير بشكلٍ جيد وقبلت به، فأنت بذلك غير صادقٍ مع نفسك ومع الطرف الآخر، وهذا يسبب الشعور بالارتباك وكبت مشاعر الغضب.

بيِّن نواياك بوضوح، وخذ وقتك كاملاً في اكتشاف شخصيتك الحقيقية، وأعد التفاوض حول الدّور الذي يؤديه كل طرفٍ في حياة الآخر.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!