يمكن تعريف الحرية الشخصية على أنها المساحة أو منطقة الراحة التي تخص بها نفسك في تعاملاتك المادية أو العاطفية مع الآخرين. ودائمًا ما يشعر الإنسان بارتباك حول ما يمكن إدراجه تحت قائمة الحرية الشخصية ، وما يمكن السماح للآخرين بالتدخل فيه أو إجراء مناقشة حوله، خصوصًا لو كان التدخل من جانب العائلة. وهناك علاقة تخوف ما تنبعث من الرغبة في حماية المساحة الشخصية وبين احتياجات التعلق بالأسرة. إلا أن أخصائي علماء النفس يرون أن وضع حدود شخصية في التعامل مع الأفراد، يجعل العلاقات أكثر أمنًا وترابطًا وراحة من غياب الحدود هذه. وهنا نستعرض معك طرق حماية حريتك الشخصية مع الحفاظ على روابط التواصل مع أسرتك.
اشرح مشاعرك بطريقة هادئة ومحترمة
هذه هي أفضل طريقة للحديث مع أسرتك بشأن الحرية الشخصية لك، أن تطلب منهم احترام مساحتك الشخصية وخصوصيتك كما تفعل أنت معهم. واحرص على أن تكون حازم ومهذب في عرض كلامك، دون اللجوء إلى البكاء أو رفع الصوت أو الغضب، أو لعب دور الضحية. ويمكنك الاستعانة ببعض العبارات مثل: “أنا لا أشعر بأي نوع من المساحة الشخصية أو الخصوصية في غرفتي، وذلك يزعجني بشدة. هل يمكننا الحديث بخصوص ذلك؟”، أو يمكنك وضع لافتة على باب الغرفة تشير فيها إلى ضرورة النقر على الباب قبل الدخول، وناقش أهلك في رغبتك تلك، قل لهم مثلاً: “أريد إرساء قاعدة جديدة في المنزل بشأن دق الباب قبل الشروع في الدخول. هل يمكن عمل اجتماع عائلي بشأن هذه المسألة؟”، يمكنك أيضًا الحديث عن أنك تنقر باب غرفهم قبل الدخول، وتريد منهم أن يقوموا بذلك قبل دخول غرفتك أيضًا”.
ابدأ بالأشياء الصغيرة
معظم المشكلات تأتي من سوء التفاهم بين الأهل والأبناء، فالأهل يعتقدون أن ابنهم أو بنتهم مازال صغير لاتخاذ قرار بمفرده، والأبناء يعتبرون الأهل من جيل قديم يريد لأبنائه أن يكرروا تجربتهم السابقة في الحياة. فإذا كان لديك حساسية من الحديث مع أهلك مباشرة بشأن حريتك الشخصية، أو لأنك لا ترغب أن تبدو وقح بالنسبة لهم، أو تجرح مشاعر والديك، فتشعر بالذنب أو القلق حيالهم، يمكنك مع ذلك البدء في خطوات بسيطة حتى تصل إلى هدفك النهائي في وضع حدود لمساحتك الشخصية دون صدام معهم. عبر مثلًا عن رغبتك في عدم الذهاب معهم لشراء ملابسك ورغبتك في الذهاب بمفردك أو بصحبة أحد أصدقائك، وإذا كان لا مفر من اصطحاب أحد والديك، تمسك باختياراتك بالشكل الذي يتفق مع دينك وعاداتك المجتمعية.
اثبت لهم أنك شخص مسئول جدير بالثقة والحصول على الحرية الشخصية
هناك طريقة أخرى للحصول على حريتك الشخصية بطريقة غير مباشرة، وهي التصرف كشخص مسئول، محترم، قوي الإرادة، يمكنه الاعتماد على نفسه في إدارة حياته الخاصة. ابدأ بالقيام بالأعمال الخاصة بك، مثل: ترتيب سريرك بشكل يومي، الحفاظ على غرفتك نظيفة، غسل ملابسك الشخصية، غسل الأطباق التي تأكل فيها دون أن يطلب منك ذلك. ذلك أيضًا سيحمي مساحتك الشخصية من دخول أسرتك إلى غرفتك وتفقدها من أجل نظافتها أو ما شابه. وبعد تكوين أرضية جيدة للحديث من خلال إثبات قدرتك على القيام بمهامك الخاصة، حاول مثلًا أن تعبر بلطف عن رفضك لدخول الجامعة التي اختاروها لك، أو قبول الوظيفة المرشحة لك من جانبهم، والتي لا تراها مناسبة للخطة التي وضعتها أنت لمستقبلك، أو إلحاحهم الشديد عليك بالزواج دون رغبة منك في ذلك في الوقت الحالي. واشرح لهم أسبابك بطريقة منطقية وعقلانية، دون الاستهزاء بهم أو بطريقة تفكيرهم المختلفة معك، وطمئنهم بمشاركة خططك المستقبلية معهم وما تنوي فعله في حياتك القادمة، وابدأ بالفعل في تنفيذ مشروعك المستقبلي الخاص، حتى يروا نجاحك بأعينهم ويشعروا بجديتك واستحقاقك لهذه الحرية في تقرير مصير حياتك.
الإنصات الجيد لهم أثناء الحديث
أحد الأسباب الرئيسية التي تسبب الشجار الدائم مع الأهالي، هو أن كلاكما لا يعطي للآخر فرصة للحديث، ولا يركز في ما يقوله، بل يكون مشغولًا بالتأهب للرد السريع كي يفوز هو بالنقاش. وهذه الطريقة غير أنها غير مهذبة، فإنها تكرس أيضًا لعلاقة غير صحية يشوبها التوتر والقلق الدائم، وقد تفقدك هذه المشاجرات الحرية الشخصية التي تسعى للحصول عليها. لذا درب نفسك على الاستماع إلى والديك بانتباه، واسمح لهم بالتعبير عن وجهات نظرهم حتى ينتهوا من عرضها، ثم ابدأ بالتعليق وعرض وجهة نظرك. كذلك امتنع عن استخدام أي نوع من أنواع السخرية حتى لو كان الكلام على غير هواك، أو لا تتفق معه. ويمكنك اتباع هذه النصائح لتحقيق أكبر استفادة من جلسات المناقشة معهم:
- إبعاد أي شيء يمكن أن يشتت انتباهك مثل الهاتف المحمول أو صوت التليفزيون.
- الجلوس في مواجهة والديك، والحفاظ على الاتصال بالعين معهم أثناء الحديث.
- تعكس لغة الجسد شعورك الداخلي للمتكلم، لذا انتبه إلى وضعية جلوسك، وحركة يديك وقدميك.
- انتظر حتى ينهي والديك حديثهم، ثم تكلم.
- تقديم إيضاحات عن طريق طرح الأسئلة عليهم للتأكد من أنك حصلت على الرسالة الصحيحة.
اسألهم عما يمكنك تحسينه
جزء من الحنكة في التعامل مع الأهل، للحصول على الحرية الشخصية المرجوَة، هو سؤالهم عما يمكنك عمله لتحسين علاقتكما ببعض، وكي يكونا راضيين عنك. ربما يضيقون عليك لأنك تغضبهم بإهمالك، فمثلًا تعود والدتك من العمل منهكة تمامًا، لتجد حوض الغسيل ملئ بالأطباق بينما تجلس أنت أمام التليفزيون. لذا اسألهم إذا كانوا يحتاجون المزيد من المساعدة في المنزل، وسيكون من الأفضل أن تقوم أنت بذلك من تلقاء نفسك. يمكنك أيضًا أن تعرض عليهم إحساسك بالضيق من سوء العلاقة بينكما في الآونة الأخيرة، وما يمكنك فعله لتحسين الوضع، وإعادة الهدوء والسلام النفسي إلى البيت.
ابق هادئَا
قد تشعر أن والدك غير عادل، أو حتى قاسِ عليك، وأنك لا تتمتع بحريتك الشخصية بشكل كاف، إلا أنه من الصعب السيطرة على والدك، بل الأفضل هو التحكم في مشاعرك أنت. فحتى لو كان يصيح في وجهك باستمرار، لا ترد بنفس الطريقة عليه. ولا تغادر البيت بصخب، أو تقطع عليه حديثه، أو تصيح في وجهه أثناء خلافكما معًا. فإذا كنت فعلت شيئًا خاطئًا، اعتذر عنه بسرعة. وإن لم تكن فعلت، فاجلس حتى تنتهي المعركة ويهدأ هو مجددًا. وفي ذلك الوقت، تنفس بعمق من أنفك، وأخرجه من فمك حتى تحافظ على هدوئك ولا تنفعل. ولا بأس أن تظهر بعض مشاعرك الغاضبة، لكن لا تدعها تستهلكك أو تجعلك تفعل أشياء تندم عليها لاحقًا.
التزم بوعودك
من أجل الحصول على حريتك الشخصية، يجب في الأساس أن تكون محل ثقة والديك. فإذا أخبرت والدك أنك ستفعل شيء ما، فابذل قصار جهدك لتنفيذ ذلك الوعد الذي قطعته على نفسك. فإذا شعر كل منكما بالثقة تجاه الآخر، فستتطور العلاقة بينكما بشكل إيجابي ومن ثم يطمئن والدك إلى منحك المزيد من المساحة الشخصية. لكن حاول بقدر الإمكان ألا تقطع على نفسك وعود لا تستطيع تحقيقها، أو تنفيذها بشكل مريح. ومهم جدًا أن تكون صادق مع والديك، حتى إذا ارتكبت خطأ ما، يجب أن تخبرهما الحقيقة كاملة، ربما يغضبون بعض الشيء، لكنهم سيقدرون صدقك وأمانتك، واحترامك لهم واحترامك لذاتك بالأساس.
اختار الوالد الأكثر احتمالًا للتفهم
للحصول على الحرية الشخصية لك وموافقة والديك في نفس الوقت؛ ينبغي أن تكون مرنًا وذكي في تصرفاتك. فاعتمادًا على الأمر الذي ترغب فيه، قد يكون أحد والديك أسهل في الحديث من الآخر. فإذا كنت تدرك ذلك، فاختر الوالد الذي تشعر بالراحة أكثر في الكلام معه. خذه جانبًا عندما لا يكون الآخر في المنزل، وناقشه في الأمر. على سبيل المثال، إذا كنت ترغبين في الذهاب إلى حفل خطوبة صديقتك، وتعلمين أن والدك هو ضد هذه الأمور تمامًا، فيمكنك الحديث مع أمك بدلًا من ذلك، فقد تكون على استعداد لمساعدتك بتسهيل خروجك من المنزل دون إخبار والدك، أو قد تعمل هي على إقناعه، أو ربما تعرض عليك الذهاب معك كي تكون أكثر اطمئنانًا عليك وبالتالي لن يجد والدك مجالًا للاعتراض.
اعتمد على شخص تثق به للحصول على المساعدة أو النصيحة
إذا كنت تشعر أن أهلك شديدي التحكم والسيطرة على حياتك الخاصة، أو أن الحرية الشخصية تتقلص باستمرار، فمن الضروري أن تتحدث مع طرف ثالث جدير بالثقة من جانبك ومن جانب والديك، ويكون على دراية بحالتك، لتقديم المساعدة أو التحدث مع والديك في هذا الشأن. قد يكون أحد أفراد العائلة أو معلمك في المدرسة أو صديق مقرب لوالدك يمكنه التأثير عليه. قد يساعدك أيضًا في إدارة الحديث مع والديك دون صدام، أو يقدم لك المشورة التي كنت تبحث بشكل عام.
امنحهم بعض الوقت
إذا كان والديك لا يتفهمون رغباتك على الفور، فلا تقلق. غالبًا ما يحتاج الناس بعض الوقت للتفكير في الأمور قبل إعطاء تصريح للقيام بها. فإذا كنت تأمل أن يغير والديك رأيهما بخصوص موضوع ما، أعطهما بعض الوقت لاستيعاب الأمر. وحتى ذلك الحين، احترم قرارهما. فعلى سبيل المثال إذا كنت ترغبين في قص شعرك أو تغيير لونه، ووالدتك غير موافقة، فلا تتسللي من ورائها وتفعلي ذلك. بل انتظري حتى توافق، أو حتى تنتقلي للعيش مع زوجك وتحصلي على المال الكافي للقيام بذلك.
تذكر أنهم يحبوك
في سن المراهقة، تشعر بالرغبة في الاستقلال عن والديك، وتبدأ في رفع الشعارات الخاصة بـ ” الحرية الشخصية ” عند معارضة أحد قراراتك، وقد يصل الشجار بينكما إلى شعورك كما لو أنك في حالة حرب. لكن بغض النظر عن صعوبة علاقتك مع والديك، أو انشغالهم عنك بعض الوقت، إلا أنهم يحبونك بشدة، وأكثر شخص يمكن أن يتمنى لك الخير بصدق. وأحيانًا ستشعر بعكس ذلك، وأحيانًا أخرى ستتفهم مشاعرهم تلك وخوفهم عليك، لذا من الضروري أن تتذكر دائمًا أنهم فقط يريدون الأفضل لك، ويتصرفون دائمًا بدافع الحب والحرص عليك.
تحلى بالصبر
تعلم طرق أفضل لتبادل الأفكار والمشاعر والآراء حول الحرية الشخصية لك، دون إيذاء أحبائك؛ هي مهارة تستغرق وقتًا طويلًا لتطويرها. لذا حاول ألا تنزعج عندما لا تتغير الأمور بين عشية وضحاها. وفي هذه الأثناء، ابحث عن المؤشرات الصغيرة التي تتعلمها أنت وعائلتك لحل النزاع بطريقة أكثر صحية.