تعد مراسم الخطوبة من أهم العادات والتقاليد الأساسية قبل الزواج عبر التاريخ، وهذا لأن جميع المجتمعات من القديم حتى الآن كانت تدعم فكرة تقديم المهر للعروس حتى يرضى أهلها أو ترضى هي بالأحرى وحتى يكون الزوج محل ثقة وافتخار بنفسه. وفي كل مجتمع تختلف مراسم الخطوبة ولكن في جميعها يشترك المهر. وتختلف المراسم بسبب اختلاف طريقة الزواج ومقدار المهر والعادات والتقاليد حسب كل مجتمع. فمثلًا في الحضارات القديمة كانت المجتمعات العربية تختلف عن المجتمعات الآسيوية في مراسم الخطوبة. ومن ناحية أخرى المعتقدات الدينية تكون سببًا رئيسيًا في اختلاف هذه المراسم وذلك بسبب البركة التي تطلب للعروسين. تعد فترة الخطوبة من أفضل الفترات التي يمر بها العروس والعريس سويًا. وقد تكون مفيدة خاصة أنها تكون فرصة للطرفين ليتعرف كل منهما على الأخر مما يجعل الزواج عن اقتناع وبكامل إرادتهم.
دبلة الخطوبة
خاتم الخطوبة من أهم تقاليد الخطوبة المتفق عليها في معظم أنحاء العالم، ويرجع تاريخ هذه العادة كما يقول المؤرخين إلى الشعب الروماني والحضارة المصرية القديمة. حيث استخدام الشعب الروماني الحديد في عمل دبلة الخطوبة. ولكن حسب المخطوطات والكتابات على الجدران الفرعونية أثبت أن الفراعنة هم أول شعب أستخدم الدبلة كرمز على الزواج لكل من الزوجين. وكان الاختيار بهذا الشكل تحديدًا ناتج من أنهم كانوا يؤمنون أن الدائرة رمز الحياة الأبدية. وهذا ما كانوا يقصدونه بالدبلة أن يكون الرابط بين الزوج والزوجة أبدي حتى بعد الموت فإنهم يتقابلون مرة أخرى.
ومن الأشكال الأخرى لفكرة الربط بين الزوجين كان الإغريق قديمًا يربطون الفتاة المتزوجة بقيود حديدية ثم يمتطي العريس حصان ويمشي به وهو يمسك القيد الحديدي للفتاة. وتكون الفتاة بجواره وليست خلفه إلى أن يصل إلى منزلهم وهذه كانت الطريقة القديمة عند الإغريق في مراسم الخطوبة والزواج. حيث كانت دليل على أن المرأة ملكًا للرجل بقية عمره ولا تستطيع أن ترحل من دونه أبدًا.
أيضًا إيرلندا قديمًا كان لهم نصيب من السبق في عملية انتشار دبلة الخطوبة. حينما قدم الأيرلندي ريشار جويس خاتم لفتاة، كانت حبيبته عند عودتها من تركيا وكان هذا الخاتم اختطف قبل يوم زواجه بيوم واحد من القراصنة الذين باعوه إلى تركيا لأحد التجار. وبعد ما حزن كثيرًا لأنه كان يفكر بحبيبته فقرر أن يصنع لها خاتم أخر ليعبر لها عن مقدار حبه مقدمًا وعندما رجع إلى إيرلندا قدمه لها.
أنواع مهر الخطوبة في الحضارات المختلفة
هناك العديد من قصص المهور الغريبة في التاريخ ويختلف المهر من منطقه لأخرى، ومن حضارة لأخرى، ومن زمن لأخر. فهناك مثلًا أشهر مهر عند العرب معروف قديمًا وهو مهر عبلة محبوبة الشاعر عنتر. الذي طلب أبوها منه مهر قدره ألف ناقة من النوق العصافير، وبالفعل أحضر عنتر هذا المهر. أيضا في أرمينيا هناك نوع أخر من المهور ولا تتم مراسم الخطبة إلا عندما تأكل العروس خبز مالح ومن ثم تنام. والرجل الذي تحلم به هو الرجل الذي ستتزوجه. في مكان الأخر من العالم، في الصين خصوصًا. هناك مهر غريب يجب أن يقدمه العريس للعروس، هو معروف بمهر صديقة العروس حيث تختار العروس واحدة من صديقاتها المقربين وتقرر هذه الصديقة أن تطلب طلبات عديدة من العريس المتقدم، وعلى العريس أن ينفذ كل طلبات صديقة العروس مهما كانت الطلبات. وعادة تكون الطلبات، التسلية أو إحضار الأشياء أو قول النكات، أو أي من هذه الأشياء الطريفة.
أما في ويلز الأمر يختلف حيث أنه يجب على العريس أن يحضر معلقه خشبيه للعروس، ومعنى هذه الملعقة أنه لن يسمح بأن تجوع زوجته إلى الأبد. أما في النيجر فالمهر هناك عبارة عن وصلة رقص للعريس متتالية ويجب أن يكون الرقص من القلب حتى توافق العروس وتتم مراسم الخطوبة بشكل طبيعي.
ما يقال عند الخطوبة
ما يقال قبل مراسم الخطوبة يعتمد على الشخص الموجه له الكلام. فلو كانت الفتاة هي الشخص الموجه له الكلام، فيجب أن يكون الشاب الذي يتقدم لها متفهم لهذه الخطوة، ومدرك ما هو مقبل إليه. ولذلك يُفضل أن يعرف الشاب قدر من المشاعر التي تكنها له الفتاة قبل أن يصارحها بأنه يريد أن يطلب يدها. ومن ناحية أخرى، لو كان لا يعرف أو لو كانت الفتاة لا تفضل هذه الطريقة فيجب أن يقول لها أنه يريد أن يحدد ميعاد مع والدها حتى يتقدم لخطبتها. فلو كان ردها إيجابي فهي إذًا الموافقة وأما لو كان ردها سلبي وقالت إنها لا تريد هذا في الوقت الحاضر، فيفضل ألا يتقدم الشاب لخطبة هذه الفتاة لأنه سينال الرفض والإحراج.
أما لو كان الشخص الذي سيتحدث له الشاب هو والد الفتاة، فيجب أن يقول الشاب أنه يريد أن يطلب القرب من ابنته المصون. ومن الممكن أن يكون هناك طريقة أخرى لأن يتقدم الشاب من خلالها عن طريق والدة الفتاة، والتي هي تستطيع أن تستمع وتسأل الفتاة بدون إحراج. ولو كانت الأم موافقة فهي غالبًا تؤثر على والد الفتاة.
مراسم الخطوبة في مصر
مراسم الخطوبة في مصر اختلفت على مر العصور مع اختلاف الحضارات. ولكن حاليًا تحدث الخطوبة عن طريق عدة مراحل. المرحلة الأولى غالبًا تكون من الشاب المتقدم وهو فيها يحاول أن يعرف رأي العروس ولو كان بالفعل على علاقة مع الفتاه من قبل الخطوبة، فهو بهذه الطريقة يكون قد قطع شوطًا كبيرًا في مراسم الخطوبة. ثم بعد ذلك يبدأ في أن يتكلم مع والدة العروس ويعرفها على نفسه حتى تفهم والدة العروس أن هذا الشاب جاد، ويريد أن يخطب ابنتها. ومن ثم يتصل بوالد العروس ويحاول أن يحدد معه ميعاد حتى يتقابل معه، ويعرفه على نفسه. تكون هذه هي الخطوة الأولى في مراسم الخطوبة في مصر وهي مقابلة الشاب لوالد العروس. في هذه الجلسة يسأل الوالد الشاب على طبيعة عملة وقدرته المادية ومن ثم يأخذ والد العروس مهلة حتى يسأل فيها عن هذا الشاب. ومن ثم يرد والد العروس على الشاب بالموافقة أو الرفض.
ثم بعد ذلك تبدأ الخطوة التالية وهي أن يتقدم أهل العريس (أب وأم وإخوة) إلي أهل العروس حتى يتم التعارف بين الأهلين. بعد ذلك تحدث جلسة تدعى جلسة الشروط، وفيها يحاول أن تتفق الأسرتين على شروط الزواج. وهذه الشروط تكون عبارة عن ثمن المهر ومؤخر الصداق ومستلزمات المنزل وكل شيء يتعلق بالماديات في هذا الزواج. وبعد أن يتم الاتفاق يتم تحديد ميعاد للخطوبة وهذا الميعاد يُعتبر الخطوبة الرسمية. ولكن قبلها وفي نفس الجلسة يتم قراءة الفاتحة كنوع من الموافقة من أهل العروس وكنوع من البركة والشهادة بقبول هذه الخطوبة والزواج. وفي هذه الجلسة أيضًا يجب أن تدخل العروس بالكاسات الممتلئة بالشربات، ويجب على العريس أن يقدم في الصينية مبلغ كبير من المال أو خاتم ذهب أو أي شيء له قيمة. فلو أخذته العروس ودخلت بالصينية فهذا يعد موافقة من العروس ولو لم تأخذه فذلك يعني الرفض.
طريقة الخطبة في السعودية
في المملكة العربية السعودية يتم أولًا اختيار العروس بأكثر من طريقة. وذلك إما عن طريق معرفة معينة لأخوات العريس أو أحد أقارب العريس بإحدى الفتيات ويقومون بترشيحها له. أو إحدى الفتيات التي تعرف عليها العريس. أو يكون عن طريق الخاطبة وهي شخصية تكون على دراية بمعظم بنات المنطقة، وتعرف كل المعلومات عنهن، مما يجعلها قادرة على إيجاد أفضل فتاة تناسب هذا العريس. وتعتبر الخاطبة هي أكثر طرق الزواج شيوعًا في المملكة العربية السعودية.
الرؤية الشرعية للعروس
بعد موافقة أهل العروس، وإتمام الاتفاق فيما بين الأهالي. يتم بعدها رؤية العريس للعروسة لأنه قبل كل هذا لا يكون قد رآها. ولذلك تخرج الفتاة بما يسمى الشوفة أو الرؤية الشرعية وهو عبارة عن وجود العريس مع العروس في مكان واحد والعروس تكون مكشوفه الوجه. ولكن يكون معهم شخص ثالث من أهل العروس سواء أمها أو أبيها أو إحدى إخوتها وأخواتها. وإذا تم موافقة العريس على شكل العروس يقوم لتقديم سوار ذهبية أو أي شيء له قيمة كبيرة. ثم يتم الاتفاق الكبير على مصاريف الزواج.
الملكة
الملكة هي الخطوة الثالثة في مراسم الخطوبة في المملكة العربية السعودية وهي عبارة عن عقد قران رسمي أمام الأهل والأقارب. وبعدها يسمح للمخطوبين التواصل عن طريق الهاتف، ويمكن للعريس أن يقوم بلقاء العروس في بيت والدها مع أحد الأقارب، ولا يُسمح لهم الجلوس سويًا وحيدين. أيضًا يمكن أن تكون الملكة في قاعة أفراح خاصة، وهو يكون عبارة عن فرح مُصغر يدعى فيه الأقارب القريبين فقط، ويقدم فيه العريس هدية إلى العروس تعتبر مهرها. وهي عبارة عن صندوق به كمية كبيرة من المال أو كمية كبيرة من الذهب والعطور وأدوات التجميل بجانب الشبكة وخاتم الخطوبة.
مراسم الخطوبة في المغرب
في مراسم الخطبة في المغرب يأتي العريس هو وأهله إلى أهل العروس ليتعرف كل منهما على الأخر. وعندما يتم رؤية العروس ويتم الموافقة على مبدأ الزواج يُقدم العريس إما سوار أو ثلاثة أساور ذهب. ولكن أهم ما يميز الخطبة المغربية هي فكرة السكر. حيث في المغرب لديهم عادة غريبة، واعتقاد أن السكر يسبب نجاح الزواج. ولذلك يقدم العريس 64 كيلو من السكر، ولا أحد يعرف لماذا هذا الرقم تحديدًا ولكنه المعتاد في الدار البيضاء والمدن المجاورة، ويكون السكر عبارة عن قوالب كبيرة.
هذه هي العادات القديمة في المغرب وتحدث حتى يومنا هذا، ثم في نفس الجلسة يبدأ كل من الأهلين بوضع شروط ومطالب الزواج. وخصوصًا أهل الفتاة الذين يضعون الشروط المناسبة التي تكفل لابنتهم ضمان الراحة والحقوق الزوجية، ويتم إبلاغ أهل العريس بهذه الشروط. ويتم بعد ذلك تحديد موعد القران في مدة لا تزيد عن ثلاثة أسابيع، ويفضل غالبًا في المغرب ألا يُغالى أهل العروس في تحديد هذه الشروط، حتى لا يعطون انطباع بالطمع لأهل العريس. أيضا بالنسبة للصداق المغربي يقوم العريس بدفعه بعدة طرق. فهناك الطريقة العادية وهي عن دفعه مرة واحدة. أو عن طريق أقساط لمدة 20 سنة وإذا توفى العريس يقوم إخوته بدفع الصداق عنه.
مراسم الخطوبة في العراق
في العراق عندما يريد الشاب الزواج يطلقون عليه “راده” أو بالمعنى الفصحى “الذي يريد”. وفي هذه المرحلة يبدأ الشاب أن يتكلم مع أهله. وخصوصًا السيدات سواء كانت أمه أو أخواته الفتيات، وهن اللائي يبدأن في التواصل مع أهل العروس لإتمام مراسم الخطوبة. عندما ترى والدة العريس العروس، وتوافق والدة العروس على الزواج تُخبر كل منهما الأخرى. ثم تحدث الخطبة الأولى. والخطبة الأولى تكون عبارة عن مراسم خطوبة تحدث بين السيدات فقط. بعد ذلك تحدث خطبة يتدخل بها الرجال والذي يجتمع فيها الرجال سويًا من العائلتين ويتفقون على شروط الزواج والمهر. ومن ثم بعد ذلك تحدث الخطبة الرسمية. يأتي فيها الشاب بنفسه وبعض الأقارب ويسلم أهل العروس عليه، وتقدم له العروس القهوة ويقول أحد أقارب العريس الكبار “نحن لا نشرب القهوة إلا إذا قضيت حاجتنا”. وبعد ذلك يرد أهل العروس بالموافقة أو الرفض. وإذا صار القبول تبدأ النساء في الصياح ويَغمر العائلتين السرور والسعادة والاحتفال. ثم تدخل العروس وهي تحمل الشربات والحلويات لأهل العريس.
المهر عند العراقيين
يوم تقديم المهر من أهم مراسم الخطوبة عند العراقيين. يُعد يومًا ليس عاديًا حيث يدخل العريس إلى أهل العروس بعدما يعقد في المحكمة عقدًا على عروسه ثم يذهب إلى بيتها مع الشيخ من أجل عقد القران. ثم تكون العروس موجودة هي وأصدقائها وترتدي جلباب لونه أبيض. ويتم وضع قدميها في وعاء به نبات اياس وماء، وهي ممسكة حبات من الهال. ثم يتم وضع العطور في الماء ويتم تعطير جسدها كله. ثم يتم وضع الشموع حولها ويقوم الشيخ بترديد العديد من العبارات الذي يبارك فيها العروسين. ومن ثم تضع الطرحة على رأس العروس. وتحمل هذه الطرحة صديقتي العروس وتكونان غير متزوجتان. ثم يأتي العريس ويُقبل رأس العروس ويُلبسها قدرًا كبيرًا من الذهب ثم تبدأ الحفلة. وتغير العروس الجلباب الأبيض وتلبس العديد من الفساتين. بعد هذا يخرج العريس والعروس ليشتريا غرفة النوم وأساس المنزل.
مراسم الخطوبة في الجزائر
في المجتمع الجزائري لهم طريقتهم الخاصة في مراسم الخطوبة. وهم طريقتين، الطريقة الأولى هي عند ازدياد بنت عند أحد الأسر الجزائرية أي بولادتها. يسارع أهل القبيلة بتهنئة رب الأسرة على ميلاد الفتاة. وفي نفس الليلة يتم طلب يد الفتاة وإذا تمت الموافقة من أبيها فهم ينتظرون حتى يصل الأولاد إلى سن البلوغ لتكتمل بعد ذلك مراسم الخطوبة وقراءة الفاتحة. وهذه العادات والطقوس الجزائرية سائدة في مراسم الخطوبة حتى الآن وخصوصًا في الولايات الداخلية للجزائر.
أما الطريقة الثانية لطلب يد الفتيات في الجزائر. فهي تكون عن طريق الأقارب. وسائد جدًا في المجتمع الجزائري زواج الفتيات من أبناء أعمامهم. حيث في المجتمع الجزائري لديهم يقين بأن الفتاة وابن عمها يكونان على علم كل منهما بالأخر. وهذا يسهل جدًا عملية الزواج فيما بعد. لأن كل منهم يعرف تفاصيل شخصية الأخر لأنهما يكونان قد تربيا سويًا، مما يجعلهم قادرين على فهم بعضهم البعض في فترة قصيرة.
ختام
مراسم الخطوبة من العادات الهامة جدًا. ولا يمكن أن تتغاضى عنها أي أسرة في أي مجتمع. حتى لو كانوا متوافقين جدًا. فهذه العادات تجعل للزواج طعم وتدخل السرور والفرح على قلب العائلة. وتكون فرصة لاستفزاز الآخرين للإقدام على خطوة الزواج. مما يتيح للجميع الشعور بالألفة. ويتيح للعروسين الشعور بالتميز وسط كل هؤلاء المدعوين. ولكن لا يجب أن تزيد المراسم في الأهمية، عن أهمية التوافق بين العروسين. لتكون المراسم بركة وفرحة وليست مجرد تقاليد ثقيلة على العروسين.