‘);
}

كيف يرفع الله الابتلاء

البلاءُ اسمٌ تجتمع فيه معاني شدّة الأمورِ ومصاعبِ الحياة، فتتعدَّدُ أشكالهُ وصورهُ ما بين مَرَضٍ، أو همٍّ، أو غمٍّ، يُنزلِه الله -عزَّ وجلَّ- بالخلقِ لِيَختبرَ بِه إيمانَهم وصَبرهم، ثم يُكفّرُ به عنهم سيئاتِهم، فإذا وقعَ بالإنسانِ المسلم البلاءُ، فإنّه يَأمَلُ أن يرفَعُهُ اللهُ -جلَّ وعلا- عنه بأخذهِ بالأسبابِ، وأسبابُ رفع البلاء كثيرةٌ، مِنها ما تكونُ ماديَّة ظاهريَّة ومنها ما تكونُ إيمانيةٌ قلبية، أمّا الأسبابُ الماديَّةُ فتكونُ بِأخذِ الحيطةِ، والحذرِ، والسّعيِ بوسائلِ العلاجِ أو التَّداوي، والشّروعُ في إيجادِ الحلولِ للمشكلاتِ والمُعضلاتِ التي تواجه المسلِم، أمّا الأسبابُ القلبيّةُ تكونُ بالتّوكل، والصّبر، وكثرةِ الاستغفارِ، والدّعاءِ، وهي غايةٌ في الأهميّة جنباً إلى جنب مع الأسبابِ الماديّة،[١] ويكون الأخذ بِها تامّاً على الوجه الآتي:

  • التّوجُّهُ إلى الله بالدّعاءِ طلباً لكشف الهمِّ والغمِّ: وأرشد إلى هذه الطريقة القرآنُ الكريمُ في سورة غافر، قال الله -تعالى-: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)،[٢] فالبلاءُ قد يقعُ بالمسلمِ جرَّاءَ ابتعادهِ عن ربّه، ويُرفَعُ إذا أقبلَ المسلم على ربّه مُعتذِراً مُنكسراً يرجو عفوه ويطلُب قُربَه ويدعوه.[٣]
  • التّوبةُ عن الذّنوبِ والمعاصي: وذلكَ أن الوقوعَ بالمعاصي والانغماسُ بالذّنوبِ هو سببٌ لنزولِ البلاءِ على المُسلم، ويكونُ علاجُهُ بالانتهاءِ عن هذه المعاصي والعودةُ إلى الله، قال -تعالى-: (وَيا قَومِ استَغفِروا رَبَّكُم ثُمَّ توبوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدرارًا وَيَزِدكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم).[٤][١]
  • الثّباتُ على الحقِّ والرِضا بقضاءِ الله وقَدَرِه: فلا شكَّ أنَّ الابتلاءات تَنزِلُ لاختبارِ ثَباتِ المسلمِ على دينِ اللهِ الحَقِّ، فليسَ المسلمُ الثّابتُ مَنْ تُزعزِعُهُ الصّعابُ وتَدبُّ فيه الشّك والقنوط من رحمةِ الله، فهذا اختبارٌ يَميّزُ الله بِه الخبيث من الطّيب، والصالحُ مِن الطالح، قال -تعالى-: (أمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).[٥][١]
  • تقوى الله: والتّقوى هي اجتنابُ ما يَكْرهُ الله أو يَمنعه، وفِعلُ ما يُحِبُّ ويأمر، وتتعدَّى التّقوى إلى شتّى أمورِ المُسلم، فيتقّي الله -عز وجل- في غضّهِ لبصرِهِ، وحفظهِ لفرجهِ، وفي شِرائِه وبيعه، ولباسهِ ومأكلهِ، وفي كلِّ شيءٍ، وقد أرشد الله -عز وجل- إلى أهميِّةِ التّقوى في رفعِ البلاءِ، فقال -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا).[٦][١]
  • حسنُ أداءِ العباداتِ وزيادتها: وهذا وعدٌ وَعَدَه الله -جلَّ وعلا- في كتابهِ الكريم لمّا قال: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب)،[٧] حيث تُشيرُ الآية إلى أنّ اليُسْر يَنزِلُ مع العُسْر، فلا ينزلُ البلاءُ إلّا وله وقتٌ يزولُ فيه، ويُشترطُ لذلكَ في الآية الشّروعُ بالعبادة والاجتهاد فيها.[١]
  • طاعةُ الله في السّراءِ قبلَ الضّراء: إنَّ الكثير من النّاس لا يتَّجهون إلى الله إلّا بعدَ أن يُصيبهم ما أصابَهم من الابتلاءات والهُموم، وليس هذا أمرٌ مذمومٌ، ولكنّه قد يكونُ كذلكَ إذا تركَ العبدُ الإقبالَ على ربّه بعدَ رَفعِ البلاءَ عنه، أمّا العبدُ الطائعُ لربِّه كيفما كان حالهُ مسروراً أم مهموماً، يَجِدُ لذّة الطاعة ويستشعِرُ نِعمةَ العبادة ولا يخشى أن يَطرقَ باب الله ولا يَستَثقِلُ الدّعاء، واضِعاً نُصْبَ عينيه على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ).[٨][٩]
  • قراءةُ القرآنِ وقيامُ الليل بالصّلاة: أمّا القرآنُ فهو شفاءٌ كما وصفه الباري -جلَّ وعلا- في كتابه حين قال: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)،[١٠] وأمّا قيامُ الليل فهيَ عبادةٌ خاصّةٌ تَقَعُ في وقتٍ خاصٍّ يَنزِلُ فيه اللهُ -سبحانهُ وتعالى- إلى السّماءِ الدنيا نزولاً يليق بجلاله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ينْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فيَقولُ: مَن يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له).[١١][٩]
  • الصّدقة: حيث إنَّ الصّدقة من الأعمالِ المُحبَّبة إلى الله -عزَّ وجلَّ-، وقد قال فيها رسول الله -صلى الله عليها وسلم-: (الصدقةُ تُطفئُ الخطيئةَ).[١٢]
  • الإحسانُ إلى النّاس: حيث إنّ النّاس يحتاجُ بعضُهم لبعضٍ، فمنهُم المعدومُ ومنهُم المريض ومنهم المديون، وأحوالُ النّاسِ كثيرةٌ، فمَنِ استطاعَ أن يُسامِحَ في دَينٍ، أو دَفعِ حاجةِ أخٍ له، أو تصدّقٍ بطعامٍ، أو مالٍ، أو لباسٍ، عادَ ذلكَ عليه في همّهِ وكَربِهِ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من نفَّسَ عن مسلِمٍ كُربةً من كُرَبِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كُربةً من كُرَبِ الآخرةِ).[١٣][٩]