كيف يساهم التدخل الخارجي في اليمن في ادامة الصراع وتحويل الأخوة الى أعداء

د. عبده حمود الشريف

كل الحروب في العالم لها طبيعة واحدة في اختزال الشر وتحويل الأخوة الى أعداء. فمن اجل التعبئة الدعائية يتم تصوير الآخر بصورة الشيطان المتربص الذي يرتدي ثوب انسان. وسلاح التعبئة هنا هي الكراهية…الكراهية التي يغذيها التدخل الخارجي بأدواته وأساليبه المختلفة. ويصبح المروجون للكراهية  مجرد ضحايا، نعم إنهم ضحايا، لأن الكراهية عندما تستوطن قلب الضحية تسلبه رشده وحكمته، وتجعله يستجيب للغريزة على حساب العقل، وتنأي به عن قيم العدل والسلام والحكمة.

ما يجري في اليمن هذه الأيام في ظل الحرب المستعرة منذ سبع سنوات من انتشار لغة الكراهية يمكن اعتبارها ظاهرة استثنائية عناوينها “نحن وهم”، “نحن جنوبيون وهم شماليون”، “نحن شافعيون وهم زيود”، “نحن قحطانيون وهم هاشميون عدنانيون”، “نحن مع التحالف السعودي وحكومة هادي وهم مع حكومة صنعاء وانصار الله الحوثيين”، الى آخر ما هنالك من تصنيفات أو هويات مناطقية ومذهبية وقبلية عديدة. وهذه الظاهرة الاستثنائية كما أشرنا ليست خاصة باليمن وحدها ولكنها ظاهرة تتميز بها كل المجتمعات التي تعاني من الحروب، ويساهم في تغذيتها التدخل الخارجي ، وتروج لها جوقة من السياسيين وقلة من الصحفيين غير الآبهين بآثارها على مستقبل بلدهم.

منذ عدة سنوات، عندما كنت أستاذا في جامعة صنعاء، ناقشت مع طلابي في قسم العلوم السياسية موضوع الحرب اللبنانية وكيف ان لغة الكراهية طغت على الخطاب الإعلامي لبعض الصحف آنذاك لدرجة أدت للتشكيك حتى بانتماء كل فئة الى الوطن الأم (لبنان). ذكرت ذلك من واقع تجربتي الشخصية عندما زرت بيروت خلال تلك الحرب، وكنت لا أزال طالبا في جامعة الكويت، وقد أذهلني ما رأيت من تعبئة طائفية في بعض تلك الصحف. بعد ذلك وسعت من قراءاتي للحروب الأهلية التي استوطنت العديد من البلدان مثل الحرب الاهلية الاسبانية في 1936 وحروب اليونان 1946، ويوغسلافيا 1990، وجورجيا 1991، والسلفادور 1979، ورواندا 1990، ووجدت ان العامل المشترك بينها هي لغة الكراهية والتعبئة ضد الآخر وتجريده من وطنيته، ان لم يكن من أدميته وانسانيته.

فما يحدث في اليمن اذن ليس ظاهرة فريدة في تأريخ الحروب الأهلية، ولكن الخطير في الأمر ان يكون وراء مثل هذه التعبئة جيش الكتروني تدعمه وتشرف عليه استخبارات أجنبية من دول الجوار تسعى لتمزيق اليمن، من دون ادني احترام لقواعد حسن الجوار، او أدنى تقدير لروابط الإسلام أوالأخوة العربية.

ومن تجارب الشعوب الأخرى ان كل الذين نشروا وروجوا للكراهية عادوا وندموا على ما فعلوا، خاصة عندما أدركوا ان اللغة التي استخدموها تسببت في التحريض على قتل العديد من الأبرياء، ولكن اعتذارهم جاء بعد فوات الأوان. وفي اعتقادي ان العطاءات المالية التي تدفعها دول الجوار الثرية، وخاصة السعودية، لهذا الطرف او ذاك في اليمن هي سبب استمرار المأساة، وتساهم في إفساد الضمائر والعقول وأخوة الوطن. وقد بادرت بعض الشخصيات اليمنية الى رفض تلك العطاءات المالية التي تمنحها اللجنة الخاصة، ولكن العديد من السياسيين اليمنيين مازالوا يتعاطون مع هذه الأموال بالرغم مما تحمله لهم من مهانة وإذلال. ومن دون موقف رافض للتدخل الخارجي سوف تستمر حملة تمزيق اليمن من الداخل عن طريق نشر الكراهية، ومن ثم إدامة الصراع والحرب بين اليمنيين.

* أستاذ جامعي وكاتب مقيم بالولايات المتحدة

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *