يمثل عمل المراهق سلاح ذو حدين، فقد نلاحظ أخطارًا محتملة من جراء هذا العمل؛ كتعرفه على صحبة سيئة، إدمانه للمخدرات أو الكحول، تأثير العمل على تفوقه الدراسي وعلاماته المدرسية. ولكن من الواجب النظر إلى ما قد يخلقه العمل في شخصية المراهق، وما يكتسبه من جراء العمل في سن صغير؛ فتعزيز الثقة بالنفس، وتأهيل المراهق للاعتماد على ذاته، والاختلاط بالمجتمع، وتنمية مواهبه وقدراته من خلال العمل، كما إدراكه لقيمة المال الذي يكتسبه بجهده، وتأهيله مهنيًا لمرحلة تالية ليكون ذو خبرة في مجال ما، كل ذلك يجعلنا ننظر لمكاسب عمل المراهق بعين الثقة، محاولين تفادي الأخطار المحتملة، وموضحين كذلك دور الوالدين لتأهيل المراهق للعمل المناسب وصقله بالمعرفة المفيدة وحمايته من الأخطار المحيطة بهذا العمل.
كيف تجد الوظيفة الملائمة للمراهق؟
بطبيعة الحال يختلف الأمر من مراهق لآخر حسب شخصية الفرد، استعداده للعمل، مواهبه الفردية، ظروف المعيشة، والبيئة الاجتماعية. ودور الوالدين يتلخص كمرشد وموجه لإيجاد الصيغة والشكل الملائم لـ عمل المراهق . فالمراهق الذي يعاني من قلق اجتماعي ورهاب التجمعات، لا يصلح للعمل في أماكن ضيقة ومزدحمة كالمطاعم، والممرات التجارية، كما الحال أيضًا في المواهب الفردية، فإذا لاحظ الوالدين تفوق للمراهق في الأعمال الميكانيكية وصيانة الآلات وغيرها فليس محلات الوجبات السريعة هي المكان الملائم على سبيل المثال. فسنجد أن الوالدين يعملان كمراقبين ومشجعين لمواهب المراهق الفردية، ويجب أن يسعوا لصقل هذه المواهب عبر العمل. كما مراعاة أن يلائم عمل المراهق سنه وطبيعة شخصيته؛ حتى يحافظ على الوظيفة ولا يتنقل في أكثر من واحدة بلا طائل. إن إدراك الوالدين ووعيهما يؤثر بشكل كبير على خيارات المراهق الوظيفية ويجنبه الكثير من التخبط والشتات، الذي يحدث كثيرًا في الخطوات الأولى لسوق العمل.
التقديم للوظيفة والمقابلة الشخصية
يبدأ إعداد المراهق للعمل من البيت، بالتحديد من الوالدين، فبعد أن يشاركوا المراهق في اختياراته للعمل ويتم تحديد وظيفة بعينها، على الوالدين الاستعداد لإعداد المراهق بشكل مناسب؛ ليس فقط ليتم قبوله في الوظيفة، بل ليتدرب من وقت مبكر على أساليب وبروتوكولات العمل والمقابلات الشخصية. القضية المحورية في عمل المراهق ، أنه سيكون أول عمل له وفي سن صغير أيضًا، فعلى الوالدين المساعدة في اختياره لملابس مناسبة تلائم المكان الذي سيتقدم فيه للوظيفة، كما توعيته ببروتوكولات وآداب المقابلة الشخصية الرسمية؛ من طريقة الجلسة، نبرة الصوت، طبيعة الكلام، عدم التشتت بأشياء أخرى، وغير ذلك من النقاط الأساسية التي لابد أن يستهل بها المراهق مسار حياته الوظيفية. وذلك لأن عمل المراهق هو خطوة أولية على المسار الوظيفي لابد من استهلالها بحذر وثبات.
كيف تساعد المراهق ليتغلب على مضايقات زملاء العمل؟
إن أماكن العمل تختلف بشكل كبير عن البيت، أو المدرسة. وهذا موضوع هام يجب أن يكون في ذهن الوالدين عندما يتم مناقشة موضوع عمل المراهق . إن تدريب المراهق على التعامل مع الشخصيات المختلفة، وطرق استجابته للضغوط المفروضة عليه، يجب أن تكون ركيزة أساسية تساعده لتجاوز المواقف المتعددة في العمل بلا خسائر. لا شك أن عمل المراهق سيعرضه في سن صغير للتعامل مع مديرين وزملاء عمل بشخصيات مختلفة، بعضها المتنمر، وبعضها المتسامح، وبعضها الكسول، وغير ذلك. فمن الهام تربية المراهق وتنشئته على الالتزام بمبادئه والالتزام بشروط ومتطلبات العمل بغض النظر عن سلوك زملائه في العمل. يجب أن يقوم الوالدين بإعداد المراهق نفسيًا للتعامل مع مضايقات الآخرين، وكيفية تغلبه عليها بحرص وسلامة بدون مشاجرات أو التورط في مشاكل قد تتسبب في طرده من العمل. ويكون من الضروري تأسيسه على فكرة رب العمل الواجب الرجوع إليه في حالة تفاقم المشكلة وتكرر المضايقات. ومع رحابة صدره وذكائه الاجتماعي سيستطيع المراهق في عمله تجاوز الصعوبات والتركيز في العمل محققًا نتائج مرضية.
ما هي مميزات عمل المراهق ؟
يمكننا أن نعدد الكثير من الفوائد الناجمة عن عمل المراهق ، ولكن هنا بالتحديد يكمن دور الوالدين، ليتصرفا بحرص وبتوجيه وإرشاد ملائمين، ليساعدا المراهق في الاستفادة بأكبر قدر ممكن من تلك المميزات والاستعانة بها لتحسين حياته وصقل خبراته، والتغلب على الآثار الجانبية التي قد تنجم عن العمل.
تنمية المهارات الحياتية
وذلك تبعًا لنوع الوظيفة التي يشغلها المراهق؛ فكل وظيفة تعمل على إمداد المراهق بالخبرات والمهارات الحياتية اللازمة، كما أن عمل المراهق يساعده في التعامل مع أشخاص غير والديه وأصدقائه، مما يعني ليونة أكبر في التعامل والتعرض لمواقف أكثر، وكل موقف يستلزم خبرة وقدرة ما، وكل ذلك ينميه العمل والاختلاط برب العمل وزملاء العمل، كما يمكنه من اكتساب روح العمل الجماعي.
تعزيز الثقة بالذات والاعتماد على النفس
من النواحي الهامة التي يعززها عمل المراهق ؛ هو زيادة الاعتماد على النفس، ورفع منسوب ثقة المراهق بذاته. فكل يوم يلقى إليه مهام عمل جديدة، وعليه أن ينجزها ويتخطى صعوبات في تحقيقها. كما أنه مسئول عن كل ما يحققه وينفذه في ساعات العمل بدون اعتبار لأي حجج قد يسردها. كل ذلك وأكثر مما يفرضه عمل المراهق على صاحبه، وبفضل كل هذه المهام ينضج المراهق وهو واثق بنفسه وقدراته، وقادر على تحقيق ما يريد باعتماده على نفسه.
شغل وقت الفراغ
يقدم عمل المراهق حلًا جوهريًا وجذري لواحدة من أهم مشكلات المراهقين مع ذويهم؛ وهي وقت الفراغ. فبعد أن يرتبط المراهق بوظيفة، يصبح ملتزمًا بمواعيد هذه الوظيفة، وأكثر التزامًا في مواعيده بشكل كلي. كما أن وقت الفراغ المتبقي لن يكون كبيرًا وبالتالي يتم توزيعه على نشاطات أساسية هامة في حياة المراهق. وبذلك تقل أخطار ارتباطه الدائم بصحبة سيئة، وتضييع أغلب أوقاته في السهرات والألعاب غير المفيدة. كل ذلك يختفي تدريجيًا بمجرد ارتباطه بوظيفة تشغل غالب وقت فراغه.
التعامل بحرص مع النقود
ما إن يرتبط المراهق بعمل ويدر هذا العمل عليه دخلًا ثابتًا، حتى يتنبه المراهق إلى قيمة النقود الحقيقية. فما أن يدرك أن هذه الأموال اكتسبها نتاج جهد شاق وتعب مستمر، حتى يقوى لديه الحرص، وتدريجيًا يقل تبذيره في أي حقول أخرى غير هامة. إن عمل المراهق يساعده كذلك في تقدير والديه ونفقاتهما عليه وعلى تعليمه، ويخلق جو عائلي ناضج ويسوده الحب.
مدخل لوظيفة مستقبلية ملائمة
إن المراهق بعمله في فترة المراهقة، يوفر وقتًا وزمنًا كبيرًا على نفسه. فما أن تحط أقدامه في سوق العمل، حتى تبدأ خبرته في التراكم. ولذلك من الهام جدًا أن يكون عمل المراهق في أحد الجوانب التي يحبها أو يظهر تجاهها مواهب فردية، حتى تكون معينًا له على الالتحاق بوظيفة مستقبلية ثابتة فيما بعد. وهو بعمله ينافس أقرانه من أولئك المهتمين بالدراسة فحسب. فعلى صعيد الواقع، تفضل الشركات والمصانع ورؤس الأموال عمومًا، صاحب الخبرة عن ذاك المتفوق الذي لم يختلط بأي عمل سابق يزيد من صقله ويعزز من قدراته.
ما هي أخطار عمل المراهق ؟
بالطبع تكمن هناك بعض النقاط السلبية والتي قد ترقى لمرتبة الخطورة من عمل المراهق . بالتأكيد لا يوجد جانب واحد للموضوع يتمثل في مميزات وعوائد مادية ومعنوية، بل إن عمل المراهق موضوع إشكالي وله العديد من الجوانب السلبية أيضًا.ويجب وضع كل هذه الأمور في الاعتبار قبل الدفع بالمراهق في محنة التجربة. فعلى الوالدين أن يميزوا بين إيجابيات وسلبيات القضية قبل أن يدفعوا بالمراهق في سوق العمل، لمعرفة ما قد يدره عليه العمل من إيجابيات وكيفية شحذها، ومن جوانب سلبية وكيفية تجنبها وتقليل آثارها السلبية.
ضيق وقت الدراسة
نظرًا لارتباط المراهق بعمل ما بعد المدرسة، يصبح وقته متفرقًا على المدرسة في الصباح، والعمل في آخر اليوم، ليعود لبيته مؤخرًا ومرهق ولا يستطيع استخلاص وقت كافٍ للدراسة بعد العمل.وكلما زادت ساعات العمل، كلما قل التحصيل الدراسي وانخفضت تقديرات وبيانات النجاح.
تكوين انطباع سئ عن العمل
ولكون المراهق صغيرًا في السن، ولا تزال تلك التجربة هي أول تجربة في المجال الوظيفي بالنسبة له، فهذا يجعله عرضة لتكوين انطباعات خاطئة عن العمل. فإذا كان عمل المراهق سهلًا مع رؤساء وزملاء عمل ودودين؛ فسيعتقد أن كل العمل بأنواعه سيكون مثل ما اختبره، والعكس عندما يواجه رب عمل غير مهني، أو زملاء متنمرين، مما قد يجعله يرفض العمل تمامًا فيما بعد. وكلها وجهات نظر خاطئة نظرًا لصغر سنه وخلوها من أي تجربة، مما يجعله عرضة لتكوين وجهات نظر غير صحيحة.
فقدان فرص متعددة
من العوامل السلبية أيضًا لـ عمل المراهق هو فقدانه للعديد من الفرص التي تجمعه بأقرانه، كأن يشترك في أعمال تطوعية، نشاطات رياضية، حفلات أو رحلات مدرسية؛ وذلك لارتباطه بوظيفة وعمل يحتم عليه الحضور في مواعيد ثابتة ولا يتم التخلف عنها.
خطورة اقترابه من المخدرات
وهذا مما أوضحته دراسات عديدة؛ أن عمل المراهق يساهم بشكل كبير في اقترابه وتعاطيه المخدرات والكحول، إن لم يكن بسبب البيئة المختلفة التي يواجهها في حياته الوظيفية وتأثير بعضهم عليه، فقد يكون بفضل الأموال التي يتحصل عليه من جراء عمله، وسعيه الفضولي لاستغلال المال في أوجه لم يعهدها من قبل، مما يفتح عليه الطريق أمام منحدر وعر وهدام.
كيف يتم تجنب مخاطر عمل المراهق ؟
ما أن يقرر الآباء مساعدة ابنهم على ولوج سوق العمل والاعتماد على نفسه مبكرًا، فيجب أن يكونا على وعي كامل وحقيقي بالمخاطر التي قد يدفعون ابنهم إليها. وأن يكون لديهم خططًا واضحة لمواجهتها. كأن يقيما حديثًا مطولًا وصريح مع المراهق، وتنبيهه لما قد يواجهه من آثار سلبية، ولما قد يعرض نفسه له من مخاطر أثناء العمل. يجب أن يكون الوالدين بالنضج الكافي ليعلما أن عمل المراهق ليس خيرًا كله، وأن يبذلوا مجهود مكثف لاستيعاب ابنهم وتعويضه عما قد يفقده أثناء عمله من نشاطات، أو دراسة، أو دفء عائلي أو غيره. كما يجب بذل الكثير من الحرص للتأكد من المناحي المختلفة التي يصرف فيها المراهق نقوده. للعمل على تقليل وتجنب دخوله في منحدر الإدمان والمخدرات، ومواجهة ذلك سريعًا في حال حدوثه.
دور الوالدين في تصحيح المفاهيم الخاطئة عن العمل
من الوارد أن يصادر المراهق على نفسه ويرفض محاولات الوالدين لاشتباكه في سوق العمل والالتحاق بوظيفة في فصل الصيف، أو وظيفة بدوام عمل جزئي في فترة الدراسة. من الواجب هنا عدم إقحام المراهق في ظروف لا تناسبه، أو قد تسبب له مشاكل مستقبلية، إذا لم يكن يرغب بها. وكذلك عمل المراهق ، فهو يكون نتاج جهد مبذول من أطراف متعددة. يقوم الوالدين بدور المرشدين والخبراء ليوضحوا مميزات وأضرار العمل لابنهم، وشحذه على كسب اهتمامات معرفية جديدة. وهنا لابد أن يتسم كلا الوالدين بسعة الصدر والرحابة في التعامل ليحتويا المراهق ويطمئنا مخاوفه. من الضروري أيضًا أثناء تجربة عمل المراهق ، أن يجلس الوالدين مع ابنهما مستعرضين مشاكله اليومية وما واجهه في يوم العمل من صعوبات، ويعملا على تقليل الضغط من على عاتقه وجره مرة أخرى لنطاق اهتماماته كمراهق؛ من لعب، وخروج مع أصدقائه وغيره؛ حتى لا يفقد المراهق اهتمامه بحياته العادية، وممارسة مراهقته بشكل صحي. لا شك أن الحديث الدائم بين الوالدين والمراهق يزيل الكثير من اللبس ويساعد على تقليل وتحجيم خطر الأضرار الناجمة عن عمل المراهق .
التوازن بين عمل المراهق والدراسة
تحدثنا عن أنه من مساوئ عمل المراهق هو اختلال هذا التوازن بين عمل المراهق ودراسته. كما أكدت الدراسات تخلف أولئك الذين يعملون بدوام عمل جزئي من الطلاب عن زملائهم المتفرغين تمامًا، أو الذين يعملون بساعات عمل أقل. ينشأ هذا الاختلال نتيجة غياب التوجيه الصائب من الوالدين أولًا، والمدرسة ثانيًا. فعلى الوالدين أن يراعيا الظروف الدراسية التي يمر بها ابنهما، مما يعني اختلاف ساعات العمل في الدراسة عنها في فترة الصيف. كما أن خبرة الوالدين بابنهما ومعرفتهما عن مجهوده الدراسي ودرجاته في المواد المختلفة، تجعلهما يقيما كم من الساعات يستطيع أن يقضيها المراهق في العمل بلا تأثير على دراسته. كما أن للمدرسة دور هام أيضًا، وواجبها أن تقوم بإبلاغ الوالدين في حالة تأخر مستوى المراهق دراسيًا ويسعيا بشكل حاسم لضمان عدم تأثير عمل المراهق على مستواه الدراسي. وجعله حافزًا للدراسة، لا محبطًا أو معطلًا عنها. فالقضية هنا مسئولية الهيئات الرقابية على المراهق؛ من والدين ومدرسة معًا.
التوازن بين عمل المراهق ووقت فراغه
يكون عمل المراهق في فترة الصيف أكثر براحًا وسعة من العمل في فترة الدراسة. ففي فترة الصيف لا يطلب أي مجهود دراسي من المراهق. فقط قضاء أوقات فراغه بعناية وبشكل صحي. ما إن يرتبط المراهق بعمل في الصيف، يصبح وقت فراغه محدود بمواعيد عمله، ويجعله متخلفًا عن رفاقه في قضاء الأوقات المرحة معهم. ومرة أخرى يأتي دور الوالدين ليراقبا حياة ابنهما عن كثب، فللمراهق الحق في حياة مراهقة سعيدة ومرحة، تجعله يعيش حياة صحية، وفترة مراهقة غير مضغوطة ولا متوترة. فكما يبني عمل المراهق بداخله خصائص وخبرات خاصة لن يكتسبها في حياته العادية، يجب أن نسعى أيضًا لئلا يحرمه هذا العمل من حقه في الاستمتاع كمراهق، ومساعدته على تقسيم الوقت بعناية ليضمن وقتًا مناسبًا للعمل، وآخر لأصدقائه، والباقي لراحته وللجلوس مع ذويه لمناقشة ما يواجهه في حياته ككل. فمع المسئولية يجب ألا ننسى المرح والحياة السعيدة كذلك.
إن حياة المراهقين هي حياة ثرية، مشحونة، تبحث عن أماكن ومجالات متنوعة لتفريغ طاقات هائلة، والواجب على الأهل استثمار هذه الطاقات وهذه المواهب في الأماكن الصحيحة، كي لا يفقد أبناؤهم السيطرة على هذه الطاقات وتودي بهم إلى المهالك. لذلك يبزغ موضوع عمل المراهق كحل سحري لاختزان وتفريغ هكذا طاقات، ولكنه حل وسلاح ذو حدين أيضًا، يجب مراقبته عن كثب كي يستفيد منه المراهق على أكمل وجه، ويتجنب آثاره السلبية بحنكة وحرص.