إبراهيم خان* – (فورين بوليسي) 14/8/2020

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

في تموز (يوليو)، حثت مجموعة من 83 شخصاً من أغنى الناس في العالم، والذين يطلقون على أنفسهم اسم “مليونيرات من أجل الإنسانية” الحكومات على زيادة الضرائب عليهم للمساعدة في التعامل مع التداعيات الاقتصادية لوباء “كوفيد-19”.
واستُقبِلت فكرتهم، وهي أحدث نسخة من ضريبة الثروة -حيث تُستوفى ضرائب من الأغنياء عن الأصول التي يمتلكونها بالفعل بدلاً من استيفائها عن دخولهم- على أنها فكرة ثورية تقريبًا. وهذا العام، دعت شخصيات، من المرشح الرئاسي الأميركي السابق، بيرني ساندرز، إلى مستشارة الظل البريطانية، أنيليس دودز، أيضًا إلى استكشاف فكرة فرض ضريبة على الثروة، ما يجعلها واحدة من أكثر الأفكار السياسية التي تبدو جديدة تمتعاً بالشعبية على جانبي الأطلسي.
على الرغم من أن ضرائب الثروة قد تبدو فكرة جريئة ومبتكرة، إلا أن المفهوم نفسه قديم قدم النقود نفسها. في الواقع، كان الملك ألياتِس Alyattes في ليديا، تركيا الحديثة، قد أنشأ أول عملة معروفة سنة 600 قبل الميلاد. وطبّق الإغريق القدماء ضريبة الثروة بعد قرن واحد فقط. ومنذ ذلك الحين، كانت هناك ضرائب على الثروة في مختلف البلدان حتى يومنا هذا. وتكمن المشكلة في أن تنفيذها لم يكن ناجحاً في كثير من الأحيان وابتعدت الكثير من البلدان عنها مؤخرًا. وفي الحقيقة، كانت هناك 12 دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لديها ضريبة على الثروة في العام 1990. وبحلول العام 2018، كانت ثلاث منها فقط ما تزال لديها مثل هذه الضرائب.
بعبارات أخرى، ليست الضرائب على الثروة فكرة ثورية تمامًا كما يتصور بعضهم. كما أنها لن تعطل الرأسمالية أو تنهيها، كما يزعم أنصارٌ مثل المعلق اليساري بول ماسون ومنتقدون مثل مؤسسة اتحاد دافعي الضرائب الوطنية. لكنها يمكن أن تصلحها. وحتى تكون ضريبة حديثة على أكثر نجاحًا من سابقاتها، فإنه يجب تطبيقها بطريقة تكسب دعم الأغنياء بدلاً من مجرد دفع أولئك الذين يمتلكون الوسائل على نقل رؤوس أموالهم إلى أماكن أخرى.
*
سوف يُظهر إلقاء نظرة سريعة على التاريخ أن ضرائب الثروة هي شكل تقليدي للغاية -وقد يقول بعضهم بديهي- من الضرائب الحكومية. في العصور اليونانية القديمة، كانت ضريبة الثروة التي تُسمى “إيسفورا” eisphora تُفرض على أثرياء أثينا، خاصة في أوقات الحرب. وكانت الضريبة قابلة للتطبيق على الممتلكات مثلما على النقد والأصول السائلة الأخرى، وتم تطبيقها على حوالي 4 في المائة من سكان أثينا القديمة، ما يجعلها ضريبة على الأثرياء حقًا أكثر من كونها مجرد ضريبة مريحة نسبيًا.
ثم تطورت الإيسفورا مع تغير أفكار العدالة الاقتصادية. في الأصل، كانت الضريبة مبلغاً ثابتاً يُستوفى من جميع المواطنين الذين كانت ثروتهم أعلى من مستوى معين، ما يعني أن الأغنياء كانوا يدفعون معدل ضرائب أعلى فعلياً من فاحشي الثراء. وفي العام 378 قبل الميلاد، تم إصلاح النظام بحيث تم فرض الضرائب على الأثرياء بما يتناسب مع ثروتهم، وهو ما عنى أنه يجب تحديد أصول كل شخص كمياً والإعلان عنها.
في وقت أقرب زمانياً من الإغريق القدماء، كانت ضريبة الثروة أساسًا للممارسة الإسلامية. وتعمل الزكاة، وهي واجب ديني سنوي، كضريبة ثروة بنسبة 2.5 في المائة على الأصول السائلة. وبالنسبة للشخص المتدين، تشكل الزكاة جزءا أساسيا من العدالة الاقتصادية. وفي بعض فترات التاريخ الإسلامي، سمح النظام بغياب أشكال أخرى من الضرائب (على سبيل المثال، الضرائب على الدخل أو الميراث) وأدى إلى قطع خطوات كبيرة نحو القضاء على الفقر. وفي عهد الخليفة عمر الثاني (717-720م)، على سبيل المثال، كان جمع الزكاة ناجحًا لدرجة أن الحكام في بعض المناطق ناضلوا للعثور على مستفيدين مؤهلين، ما أدى إلى توفر فائض من أموال الزكاة.
وما يزال نموذج الزكاة حياً اليوم في شكل غير حكومي من خلال منظمات مثل “مؤسسة الزكاة الوطنية” في المملكة المتحدة و”مؤسسة الزكاة الأميركية” في الولايات المتحدة، واللتين تجمعان كل عام نحو 6 ملايين دولار و10 ملايين دولار من المسلمين البريطانيين والأميركيين، على التوالي، لتقديمها للأعضاء الأكثر فقراً من المجتمع.

  • * *
    غالبًا ما فشلت ضرائب الثروة الحديثة لأنها لم تتعلم من نظائرها التاريخية. في العام 1988، على سبيل المثال، فرضت فرنسا ضريبة جديدة على الثروة تتراوح نسبتها بين 1.5 في المائة و1.8 في المائة. وقدّر الخبير الاقتصادي الفرنسي، إيريك بيشيت، أن الأمر انتهى بفرنسا، بسبب هروب رأس المال، إلى فقدان ضعف الإيرادات الضريبية الفعلية التي جنتها من الضريبة الجديدة قبل إلغائها في العام 2017. وكانت المشكلة أنه لم يكن هناك حافز كبير للأثرياء للاحتفاظ بأموالهم في فرنسا. وليست التجربة الفرنسية فريدة من نوعها، فقد وصلت فنلندا وأيرلندا وهولندا إلى نتيجة مماثلة فيما يتعلق بضرائبها الخاصة على الثروة.
    تشير هذه الأمثلة إلى درس مهم: أن ضريبة الثروة الفعالة الوحيدة هي ضريبة ثروة ينبغي أن تُسنّ بالموافقة. وقد تم سن الإيسفورا في أوقات الحرب، عندما أدرك الأثينيون الأثرياء أنهم بحاجة إلى التعبئة لحماية مجتمعهم. والزكاة، في الأثناء، هي ركن ديني لجميع المسلمين.
    مع ذلك، تبدو الضرائب على الثروة اليوم، كما أطّرها أنصارها من ذوي الميول اليسارية، مثل هجوم على الأثرياء والرأسمالية. وفي تصريحات مؤيدة لمثل هذه الضريبة، جادلت المرشحة الرئاسية الديمقراطية آنذاك، إليزابيث وارين، بأن “الحكومة تعمل بشكل أفضل وأفضل لأصحاب المليارات، والأثرياء، وأصحاب العلاقات الجيدة، بينما تعمل أسوأ وأسوأ للجميع”. وإذا نُظر إلى ضريبة الثروة ضمن هذه الشروط، فإنها لن تعمل.
    للحصول على هذه الموافقة، تجب صياغة ضريبة الثروة الجديدة وتأطيرها بطريقة تحافظ على الرأسمالية في أكثر أشكالها استدامة وجدارة، وتشجع على خلق الثروة. وفي الحقيقة، لن تستوفي ضريبة الثروة رسوماً عن الأنشطة المولدة للثروة مثل الاستثمارات، وإنما ستلاحق اكتناز الثروة بدلاً من ذلك.
    من خلال الجمع بين بعض ميزات الأيسفورا والزكاة، يمكن للاقتصادات الحديثة أن تقوم بصباغة ضرائب على الثروة، والتي يستفيد منها الأغنى مثلما يستفيد منها الأفقر. وبالاستعارة من مفهوم الزكاة، يجب أن لا تستهدف ضريبة الثروة جميع الأصول، وإنما أن تؤثر فقط على الأصول السائلة التي تتجاوز حدًا معينًا. وهذا يعني أنها لا تتم معاقبة الأثرياء على أصولهم في حد ذاتها، وإنما يتم تشجيعهم على تداول الثروة العالقة. وفي المقابل، سيكون لدى الأثرياء الحافز لشراء السلع والخدمات والأصول غير السائلة بدلاً من إغراق الأموال في الحسابات المصرفية. ومن شأن ضريبة الثروة هذه أن تعاقب بشكل فعال أولئك الذين يكرهون المخاطرة، وأن تكافئ المغامرين الذين هم على استعداد لضخ أموالهم في الاقتصاد الحقيقي، لمنفعة الجميع.
    قد تكون الفائدة التي تحققها ضريبة الثروة من تداول الثروة العالقة كبيرة. فوفقًا لتقديرات “كتاب حقائق العالم لوكالة المخابرات المركزية”، يوجد في العالم أكثر من 80 تريليون دولار من الأموال في شكلها الواسع (أي النقد أو الأصول فائقة السيولة والتي تشبه النقد). والكثير من هذا غير خاضع للضريبة فعليًا. ولو كانت هناك ضريبة عالمية، لنقل، 2 في المائة على هذه الثروة، فإنها ستجمع نحو 1.6 تريليون دولار سنويًا. (وفقًا للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، سوف يتطلب القضاء على الجوع في العالم مبلغاً صغيراً نسبياً؛ أقل من 7 مليارات دولار سنويًا). وفي الولايات المتحدة وحدها، كان هناك حوالي 18 تريليون دولار من النقود بشكلها الواسع في العام 2018، والتي احتفظ بنحو 70 بالمائة منها أغنى 10 في المائة من الأميركيين. وإذا افترضنا استيفاء ضريبة على الأغنياء بنسبة 2 في المائة فقط، فإن ذلك يمكن أن يجلب للحكومة نحو 250 مليار دولار.
    من المؤكد أن الفائدة الحقيقية لضريبة الثروة المؤطرة بهذه الطريقة لا تكمن في الأموال الإضافية التي قد تجمعها للحكومات، وإنما في الأموال التي تقوم بتدويرها في الاقتصاد. على سبيل المثال، إذا كان شخص ما يجلس على مليوني دولار نقدًا ولم يستثمرها، فيمكن للحكومة أن تحصل على 40 ألف دولار من ضريبة بنسبة 2 في المائة. ولكن إذا أراد الشخص نفسه تجنب دفع هذه الضريبة، فيحتمل كثيراً أن ينتهي الأمر بالمليوني دولار بالكامل وقد أصبحت في الاقتصاد بدلاً من ذلك، وهي نتيجة يمكن أن تكون أفضل 50 مرة (كمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي) من 40 ألف دولار. ومن شأن هذا النشاط الاقتصادي المتزايد أن يخلق بدوره المزيد من الفرص للنشاط الإنتاجي القيِّم الذي يكون من شأنه أن يعزز الإيرادات الضريبية وخلق فرص العمل -وأن يساعد على التخفيف من حدة الفقر.
    يمكن أن تكون الفوائد التي تعود على المجتمع أكثر أهمية إذا قامت الحكومات بتحفيز الأثرياء على القيام باستثماراتهم في المجالات التي يمكن أن تحقق فيها هذه الأموال أكبر قدر من التغيير. ومن تجربتي في العمل مع المستثمرين المسلمين، فإن هناك دائمًا زيادة طفيفة في عدد الأشخاص الذين يبحثون عن فرص استثمارية جيدة حول وقت احتساب زكاتهم. ومع السير في الاتجاه الصحيح، يمكن أن يذهب المزيد من رأس المال إلى مجالات عالية التأثير، مثل التكنولوجيا الحيوية والبنية التحتية وتغير المناخ وتكنولوجيا التعليم -وكلها مجالات ستكون أكثر أهمية بينما يتعافى العالم من جائحة “كوفيد-19”.
    يمكن أن تساعد الفوائد التي تعود على الأثرياء من هذا النوع من ضريبة الثروة على جعل هذا النظام مستدامًا. ويمكن أن تدفع أولئك الذين سيتعين عليهم دفعها إلى إيجاد استثمار مربح بشكل معتدل لأموالهم، ما يجعلهم فائزين صافين مقارنة بالوضع الراهن. ويمكن أن تكون الاستثمارات، مثل السندات الخضراء، التي توفر عائدًا ثابتًا للاستثمار في مشاريع الاقتصاد الأخضر، أو الصكوك، التي توفر استثمارًا متوافقًا مع الشريعة الإسلامية في البنية التحتية الأساسية، نماذج جيدة.
    وهذا يعيدنا إلى مسألة الاقتناع. على غرار الإيسفورا، يمكن تأطير ضريبة ناجحة على الثروة كاستجابة لحالة طارئة (في هذه الحالة، جائحة “كوفيد-19”) بغية زيادة الدعم لها. وقد قال 83 على الأقل من أغنى الأشخاص في العالم مسبقاً إنهم سيشاركون. وإذا مُنحوا خيار استيفاء الضرائب منهم أو الاستثمار وتداول ثرواتهم بطرق تساعد المجتمع على التعافي، فقد يكون العديد من هؤلاء الأثرياء أكثر سعادة بدفع الحصة كاملة.
    إذا تم القيام بذلك بشكل صحيح، يمكن أن تضمن ضريبة الثروة شكلاً من أشكال الرأسمالية حيث تتحمل الأكتاف الأعرض العبء الضريبي. ويمكن لضريبة على الثروة تتعلم من سابقاتها الناجحات تحقيق ذلك.

*مستثمر خاص ومؤسس مشارك لكل من IFG.vc وIslamicFinanceGuru.com.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Don’t Believe the Hype. Wealth Taxes Are Nothing New.