لدغُ الخيمةِ الجديدةِ (نصوص قصيرة)

(1)

لدغُ الخيمةِ الجديدةِ (نصوص قصيرة)

[wpcc-script type=”401624970b7d1e06525ca6d9-text/javascript”]

(1)
لربما ـ على نحو ما ـ ستفصلك عن وقت قتلك دقيقتان، وقد تنجو بأعجوبة من موت محتم، لتعرف قيمة الصدفة وقيمة الوقت مهما كان صغيرا وتافها، التأخر هنا عن القتل، يشبه التأخر عن قطار السابعة صباحا، مع فارق بسيط، في حالِ القطارات، تتكرر الصدف لتكون عادة أو شبه عادة، قد تنجو هنا اليوم، لتحظى بقاتل آخر هناك. وفي كل مرة ستركض إلى المجهول، المجهول الذي هو حتفك، غير أن الحركة متعة البقاء، فاركض بكل ما استطعت لا لتنجو، إنما لتؤخر قتلك، هي نصيحةٌ ناقصةٌ، لأنَّ المتكلمَ هنا ميت، ولم يستفد من نصيحةِ أحدٍ ما، في يوم ما، قيلَ له كلام مشابه للذي أقولهُ ومضىَ سالماً.
الحياة تقول ما لا تفعل فلا تنتظرها، إذا كنت من عشاق الكلام والفاكهة والوجباتِ الجاهزة على الأرصفة، هؤلاء لهم سلوكهم اليومي، السلوكُ الذي يقلل من الحياة ويعطي درجة (الصفر) للقضايا الكبرى، تلكَ التي تشعرنا بالحرج، ونموتُ فيها، حين يقتلنا الخجل فلا نهرب من أمامِ الرصاصة، ونقولُ: كيف نتركُ (الوطن) خلفنا؟ اقرص روحك بيديك لتعرف أنك حي، وأنك نجوت من شهقة الرصاصة في جسدك. حتى البارحة كنت أعتقد أن الهواء ما بعد الرصاصة هو القاتل أكثر من المعدن الحار، فشلت في تفسير الطرق التي تؤدي إلى السلامة، وفشلتُ في المعرفةِ كلها، هذا واضح حين أعيا عن التمييز بين لدغِ الأفعى ولدغةِ الخيمة بظلها الطويل والكاذب في العصاري. سيأتي رجلٌ من بعدي، ليس له اسمي بالتأكيد، سيحرق كل شيء/ كل شيء، وسيحرقُ الخيمةَ ليأمنَ من لدغِها، وإلىَ ذلكَ اليوم (المجيد)، اليوم المتشبِّهِ بالقيامة سأنتظر…

(2)
السَبتُ لكِ
الأحدُ للأصدقاءِ
الاثنينُ للتنزهِ قربَ النهر
بقيةُ الأسبوعِ لزيارةِ المقبرة
كثُرَ الموتى وماعادَ الخميس يتسع

(3)
عُدْ هُناكَ
سَترى شمساً تَبكيكَ وظلاً يَنتظر
وسترى أشباحاً مثلكَ تُكلّمُ الظلالَ
ارم ظلكَ بالدمعات، لا ترمها بالوردةِ
الظلالُ تَختبرُ حنينَكَ بملوحةِ الدمع.

(4)
كُلُها مّشَتْ فوقي وأنا أغادرُك:
إسفلتُ الطريق الحار، المائلُ للسواد، الحافلاتُ السوداء والبيضاء، السياراتُ الصغيرةُ والسريعةُ، عَرباتُ الجند، براداتُ الموتى، غَصّةُ الراحلينَ الثقيلةُ.
أفكرُ بالعَودةِ يا أبي/ فقَط أفكرُ بالعَودةِ.

(5)
لَمْ أُصدّقْ الإمامَ الذي خَذَلني، وصَدَّقتُ الإمَامَ إمامي، وصليتُ خَلفَهُ، حتىَ صارَ بيتي مَسجداً، والنوافذُ والأبوابُ مُصلين، واللهُ ساكِني والطين والخشبَ والمعدنَ، امتحنَ إيماني فأحبَّني، ولَمْ يُريني الجَحيم. كم كُنا نحبُّ بعضنا بعضاً، حينَ كانَ الله يبني في ذاتنا بيتهُ.

(6)
منذُ أن تلبّسَتني غزالةُ الظل، وأنا أعدو خلفَ مرآةٍ صقيلةٍ
أريدُ أنْ أعبرَ الشفّافَ وأكونَ كائناً مرئياً، تتلمَسُني الحبيبةُ
أنا طائرُ (السيمورغ) السوري
لي جسدُ إنسانٍ وأرضٌ، تُظللُها غَيمةٌ واحدة.

(7)
وَسيمرُّ خريفٌ آخر، ولَن يكونَ لهُ طَعمُك ومَلمسُك، ولَن أراك
أنا نادبُ الفصول، وحادي جهاَتها، ومندوب أنينها الذي لا يُهادنُ
لي عمرٌ قصيرٌ، وسأموتُ كأيّ أغنيةٍ عَرجاءَ.

(8)
تَبدو ـ على نَحو ماـ أيُها العالمُ لَستَ بَريئاً 
كانَ (المفترضُ) أنْ أبترَ أصابعي وألاَّ أدقَّ بابَكَ
اللاجئُ مثلي ـ في أحسنِ أحوالهِ ـ متسولٌ
وأميٌّ يقرأُ الصورَ والقليلَ منَ الإشارات.

(9)
كانَ وطناً، ويُسمىَّ: وطن
كانَ لنا فيهِ أنهارٌ جافةٌ وبحيراتٌ سَبعٌ وجبالٌ كالأثداء
وكانَ لنا نهرٌ جارٍ أسميناهُ الحكايات
جلسْنا علىَ ضِفتيه وتبادلنا القُبلَ والدموعَ
حتىَ إذا ما جفَّ أطلقنا عليهِ النار، وسُرعانَ ما ودعناه
كانَ الوطنُ، هذا الكبيرُ، بأنهارهِ الجافةِ وبحيراتهِ وجبالِه
أصغرُ من حذاءِ طفلِ الحَرب
يَحضُرُ في حصةِ الرسم الهامشيةِ جسماً واحداً
منذُ أنْ كبرنا كوحوشٍ صغيرةٍ
صِرنا أسوداً جائعةً/ وتوازعنا أشلاءَه:
الرأسُ للرأس/ الصدرُ للصدرِ/ الأطرافُ للطرفِ
العِجزُ والمؤخرة للمؤخرةِ/ الفضلات للشعب
كانَ وطناً/ صار أغنيةً في حِصةِ الموسيقى!.

( 10)
غداً في أخبار الثامنة مساءً، سأعلّق صورةَ خيمتي وأحذية أطفالي على خلفية الشاشة، ليكتملَ المشهد، لا تنسوا أخبار الثامنة مساء وخيمتي وأحذية الأطفال، والأفعى التي تتدلى كلسان المذيع.

كاتب سوري

محمد المطرود

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *