
كتب محمد الحوامدة
هل انتهى عصر الصحافة الورقية؟ سؤال جددته أزمة كورونا، ويتجاذبه العاملون في القطاع قبل المواطنين، في ظل أزمة رواتب طالت أعرق صحيفتين في الأردن، ولشهرين متتاليين.
فالرأي التي تمتلك المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي 55% من أسهمها، والدستور (30%)، لم تمنح موظفيها راتبي شهري آذار ونيسان، قبيل ساعات من الدخول في شهر أيار.
المتفائلون سيجيبون عن سؤال انتهاء عصر الصحافة الورقية، بـ لا، وينضم إليهم المقاتلون في سبيل لقمة عيشهم، فيما سيجيب الواقعيون أو الأقل تفاؤلا بـ نعم، وينضم إليهم من لا ينظر للصحيفة الورقية إلا كمصدر رزق.
هبّت على الصحافة الورقية عاصفتان، الأولى كانت الثورة الرقمية، مدفوعة بسرعة انتشار الانترنت وتوفره في أغلب الأماكن في الأردن، منذ أكثر من عشر سنوات،
وجاءت الثانية بعدها بقليل، وكانت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، التي أمهلت إدارات الصحف لامتصاص آثارها بضع سنوات، لتأتي أزمة كورونا وتجثم على الصدور، حتى الآن.
بيد أن إدارات الصحف لم تتعامل جيدا مع هذه العواصف، وانحصر تفكير تلك الإدارات في تأمين الرواتب الشهرية عوضا عن التفكير في مستقبل الصحافة الورقية.
وللأسف، فشلت هذه الأزمة في تجميع الوسط الصحافي، والعاملين تحت مظلة واحدة، فتشرذمت الآراء وحصرت المسؤوليات في نقيب الصحافيين ورئيس تحرير صحيفة الرأي الزميل راكان السعايده.
ولم يسعف الأخير بيانا توضيحيا فصّل فيه قتاله ولعبه دور المحصّل لذمم كانت تترتب على الحكومة، تتطلب أشهرا للحصول عليها، بذل النقيب مشكورا جهده لتحصيلها في أيام.
وفصّل البعض وأوّل البيان ضد الزميل النقيب، وخصوصا البند 15، الذي دعا فيه نقيب الصحافيين ادارات الصحف لتحمّل مسؤولياتها تجاه رواتب شهري نيسان وأيار، باعتباره تخليا عن دوره في حماية الصحف والعاملين فيها.
ولا أرى أن نقيب الصحافيين أخطأ في هذا البند، فعلى إدارات الصحف الورقية تحمل مسؤولياتها التي تبدأ من تأمين الرواتب المتأخره، ورسم استراتيجيات تنفذها إدارة التحرير والإدارة التنفيذية والمطابع.
فللرأي، التي قضيت فيها حوالي عشرين عاما، في رقبة الضمان الاجتماعي دينان اثنان، يحتّم على الضمان الذي يتسيّد مجلس الإدارة، سدّهما اليوم قبل الغد.
وقد كان قرار استثمار الضمان في الرأي سياسيا، لكنه حقق أثرا اقتصاديا إيجابيا على محفظة الضمان، من خلال توزيعات الأرباح.
فالخسائر التي تحققت في الرأي آخر 8 سنوات بمجموع 25 مليون دينار، جاءت بعد سبع سنوات سمان حققت فيها المؤسسة أرباحا فاقت الـ 45 مليون دينار، توزعت فيها الأرباح على المساهمين بمن فيهم الضمان، ليسترد الضمان رأسماله في الصحيفة بعد سنوات قليلة من استثماره فيها، ليكون الدين الأول الذي تعلّق برقبة الضمان تجاه “الرأي”.
أما الدين الثاني، فيتعلق بالقرارات التي وافق عليها ممثلو الضمان طوال سنوات تواجدهم على أغلب مقاعد مجلس إدارة “الرأي”.
وتنصّل الضمان اليوم من مسؤولياته تجاه “الرأي”، يستوجب عليه مساءلة كل ممثليه السابقين عن تأخر أو عدم اتخاذ قرار يستشرف المستقبل حول الصحافة الورقية، وفي مقدمتها الاستثمار بقيمة 50 مليون دولار في مطبعة، في الوقت الذي كانت فيه الثورة الرقمية في أوجها.
ورغم أن قرار المطبعة رفع من حجم أصول الرأي إلى 55 مليون دينار، لكن التأخر في اتخاذ قرار أتى على نصف هذه الأصول، عبر الاهتلاكات، لتصبح حوالي 30 مليون دينار اليوم، أي أقل بسبعة ملايين عن قيمتها قبل تدشين المطبعة.
لكن الوقت لم يفت بعد، وإن كان من شأن اتخاذ قرارات سابقة، تخفيف التداعيات اليوم، لكن أي قرار اليوم، سينجي الصحيفة والعاملين فيها من عصر انتهاء الصحافة الورقية “المتوقع”.
أولى القرارات الواجب اتخاذها تتعلق بدمج صحيفتي الرأي والدستور، أو بشكل أوضح، دمج العمليات غير التحريرية بين الصحيفتين، فالطباعة والتوزيع والتسويق وتأمين اللوازم والعطاءات، يجب أن تتم من جهة واحدة، بما فيها رسم السياسات والاستراتيجيات، وأعني مجلس إدارة الصحيفتين، بحيث يبقى لكل صحيفة خطها السياسي والتحريري الخاص وكادرها الصحفي الخاص فيها.
وعلى الإدارة مواكبة الثورتين اللتين ضربتا الصحافة الورقية، وتبديل ثوبها من وعاء إخباري، لمستودع تحليلي، فلا يعقل أن نقرأ الخبر ورقيا، وقد انتشر على المنصات الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي قبلها بيوم، في حين لا نقرأ تحليلا لأثر هذا الخبر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وحتى رياضيا.
وفي الوقت نفسه، تفرد الصفحات الالكترونية للأخبار، وعبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا لا بد من الإشارة لما أقدم عليه قسم “الرأي الالكتروني” من إعداد انفو جرافيك فيديو، يحوي ملخصا لأخبار المطبوعة، وانفو جرافيك فيديو آخر حول مواضيع الساعة، ونشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي، ما يهيئ مستقبلا لاستغلال هذه الفيديوهات في جذب الاعلانات.
ويتعين على الإدارة الالتفات لإنتاج المحتوى غير الإخباري، على شاكلة منصتي موضوع وموسوعة الطبي، لإثراء المحتوى العربي على الانترنت، باستغلال جيوش المحررين فيها لتأمين هذا المحتوى، في ظل النقص الكبير في المحتوى العربي (4%) على الانترنت، وتشكيل العرب لما نسبته 7% من سكان العالم.
ويستوجب حجم الأصول التي تملكها الرأي (حوالي 30 مليون دينار)، استغلالها بأقرب وقت، حتى لا تتراجع قيمتها أكثر، واستغلالها في البيع أو الرهن للدخول في استثمارات، استنادا لخبرة الوحدة الاستثمارية في الضمان الاجتماعي، وفي قطاع بعيد عن الاعلام، لإدامة إيراداتها.
وبالعودة إلى السؤال في بداية المقال حول انتهاء عصر الصحافة الورقية، أرى أن الإجابة ستكون “لعم”، انتهى عصرها، ما لم تتدخل الإدارات بحلول جراحية، تمنح العاملين فيها الثقة للدفاع عن رزقهم وقوت عيالهم، والإجابة بـ لا، بدءا من التعهد بتأمين الرواتب لأشهر ثلاثة على الأقل، تنخرط خلالها في ورشات مع فريق التحرير، لتعبر معها إلى المستقبل، بدلا من الارتكان إلى نعم، التي لا تحتاج إلا الجلوس في المكاتب وتراشق الاتهامات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
